كيف تنهض الأمم أو البلاد؟
لن أحكي لكم عن تاريخ قديم وقصص قديمة، لن أحكي عن كيف نهضت الحضارة الإسلامية أو الرومانية أو الدولة العثمانية أو الحضارة الأمريكية!
لكن سوف أحكي لكم عن مثال واضح يحدث اليوم أمام أعيننا! الصين والهند!
الصين والهند حتى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين كانتا تعانيان من مجاعات وكوارث وفقر وتعدان من دول العالم الثالث الفقيرة المتخلفة !
ماذا حدث عبر الـ30 سنة الأخيرة؟
قصة الصين والهند
قصة الصين والهند متشابهة مع بعضهما، الاختلافات في التفاصيل!
- القوة العظمى الغنية (الولايات المتحدة الأمريكية) لا تحب الصين الشيوعية، ولا الهند المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي وقتها في الثمانينيات.
- شباب كثير من الهند والصين ذهب ليتعلم ويجتهد ويعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، طموح، علم، بحث عن فرص، مهارات وقدرات مهاجرة.
- الولايات المتحدة شعبها أصبح كسولًا ولا يحب أن يعمل ويبحث رجال الأعمال عن مكان رخيص للتصنيع، وأصبحت كوريا الجنوبية غالية، وأصبحت اليابان غالية، وأصبحت سنغافورة غالية في التصنيع بعد أن كانت أماكن عمالة رخيصة في الخمسينيات والستينيات.
- الحكومة في الهند والصين تصدر تشريعات وتغير منظومة التفكير، كي تقدم فرصًا وتسهيلات لتشجيع التصنيع على أراضيها والتصدير للخارج، وتشجيع تكوين شركات تصنيع وبحث وعلم وابتكار، وليس شركات استيراد وتصدير وكباري.
- يبدأ التصنيع في الصين والهند في صورة تقليد، ثم تدريجيًا تنتقل من مرحلة التقليد إلى مرحلة الاختراع والإبداع والثقة بالنفس بعد تدفق المكاسب والأرباح.
- تبدأ العقول المهاجرة في الرجوع إلى أرض الوطن في الهند والصين لبناء شركات خاصة بها تستفيد من تشجيع الحكومة وتسهيلاتها، وتنقل معها الخبرات وما تعلمته في الدول المتقدمة، تعود كي تكسب المال والأرباح وفي الوقت نفسه تعيش وسط أهلها دون عنصرية!
اقرأ عن: الصناعات الصينية
ازدهار الصين والهند
تبدأ العجلة الاقتصادية في الدوران والازدهار الاقتصادي.
- مع تزايد القوة الاقتصادية يتزايد الإنفاق على البحث العلمي والاختراع والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة والتعليم والطب، وتبدأ الأبحاث العلمية في التزايد والاختراعات والإبداع.
- مع تزايد القوة الاقتصادية والعلمية يتزايد الاستثمار في القوة العسكرية والتوسع الاستراتيجي لحماية المصالح واستعادة المناطق المحتلة، مثل هونج كونج وتايوان وبحر الصين الجنوبي، إلخ.
- مع تزايد القوة الاقتصادية والعلمية والعسكرية تتوسع حول العالم القوة السياسية الصينية والهندية، وتتحول من محض دول عالم ثالث إلى قوى عظمى، تتنافس مع الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا على نصيب الأسد في السيطرة على الدول المفعول بها في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا.
- اليوم نرى الهند تسبق إنجلترا التي كانت تستعمرها منذ أقل من 90 سنة، والصين تقترب من أن تسبق الولايات المتحدة الأمريكية، ويستمر الصراع والتنافس والسعي نحو الأعلى والأفضل.
عوامل نهضة الأمم والحضارات
الصين ديكتاتورية والهند ديمقراطية، يعني الموضوع ليس نظام الحكم وطريقته ونوع الحكومة بقدر ما هو الاستقلال في اتخاذ القرار لمصلحة البلد أو الشعب أو الأمة. المهم حكومة مستقلة عن سيطرة الاستعمار، وشعب مستعد للعمل والاجتهاد بدلًا من انتظار المعجزات والخرافات!
المهم ليس في التحديات، المهم نوع الاستجابة لهذه التحديات وانتهاز الفرص والتعامل مع المشكلات والإبداع في الحلول!
إنها طريقة تفكير الحاكم والمحكوم وأسلوب حياتهما في الوقت نفسه، استقلال العقل والبحث عن حلول، تمامًا كما تبدع المقاومة الفلسطينية اليوم في بناء حلول ووسائل للمقاومة.
هذه قصة نشاهدها بأعيننا في الـ30 سنة الماضية، وهي الخطوات نفسها في نهضة أي أمة أو شعب أو حضارة، نهضة اقتصادية بصورة أو بأخرى، سواء عبر هجرة أموال التصنيع أو عبر التجارة أو عبر الغزو والفتوحات أو الاستعمار، يتبعها نهضة علمية ثم عسكرية ثم سياسية.
هذه قصة نهضة الأمم والحضارات كلها؛ الرومان، الفراعنة، العباسيون، العثمانيون، الإنجليز، الأمريكيون.
اقرأ أيضاً: النهضة المجتمعية
كيفية التعامل مع التحديات
الدرس واضح في الصورة الكبيرة، دون الدخول في التفاصيل الصغيرة، التي قد تشتت الصورة الكبيرة الواضحة، وتضيع معها الدروس.
طبعًا كل من هذه الأمم والحضارات كانت تتعرض لتحديات في أثناء النهضة، وحروب وصراعات. لم تنهض أمة في التاريخ بأن تركها الأعداء لمدة 100 سنة وقالوا لها: سنتركك كي تنهضي براحتك! وبعدين نتكلم!
لكن هناك من يستعمل التحديات وسيلة للإصرار والبحث عن حلول للنهضة، وهناك من يستعمل التحديات مبررًا للاستسلام والكسل والخضوع والبقاء في القاع!
بناء عليه فإن قصص المؤامرات الاستعمارية لتكون مبررًا لفشلنا ليست مبررًا منطقيًا، فالهند والصين كانتا أيضًا تتعرضان لمؤامرات مثلنا وأكثر! وتحديات مثلنا وأكثر.
المشكلة ليست في التحديات، لكن في طريقة الاستجابة لهذه التحديات، سواء من الشعوب أو الحكومات.
الأمم تتدافع وتتنافس وتتصارع، المهم من يحاول وينهض ويسقط ثم ينهض ثانية ثم يسقط ثم يحاول إلى أن ينجح.
“وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)” صدق الله العظيم.
سنن الله في الكون ثابتة، الأخذ بالأسباب.
اقرأ أيضا: ما هو الاستعمار، وما هي دوافعه؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا