مقالات

الصناعات الصينية

النجاح لا يكون على سبيل الصُّدفة أو الهدية، وإنما يحصل عليه الشخص أو المؤسسة أو الدولة بالتعب والمثابرة واستفراغ الجهد، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة المحافظة عليه ومن ثم الوصول إلى المرحلة التالية.

نتكلم عن نموذج الصين الذي أثبت نفسه بل فرضها على الساحة العالمية بكل اقتدار في القديم، وفي العصر الحديث تحوّل إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المتوقع التربع على القمة في القريب العاجل.

هنا، نريد إثبات حقيقة أوليّة تاريخية، وهي العلاقات القديمة الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية بالمرور في طريق الحرير، وكذلك مقابلة “أسرة تانغ” للدولة العباسية والعلاقات بينهما في القرن التاسع، وقد توسعت وامتدت كذلك مع الغرب عن طريق الملاحة والتجارة.

لقد رحّبت أسرة تانغ بجميع الأجناس عن طريق عاصمتها “شيآن”، فنزل بها التجار واتجهوا إليها من كل حدب وصوب واستقروا بها، وتُقابِل شيآن الصينية “بغداد”، عاصمة الدولة العباسية المزدهرة، التي نشطت في التجارة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

برزت الصين في تجارة الورق والحرير والخزف الصيني الملوّن الجميل والأواني الفخارية والرسومات والكتابات القرآنية والملابس والأحذية، إلخ. ومن المعلوم أنّ الصين تقدمت في سلسلة من الاختراعات مثل: البارود والورق والطباعة، وفي نفس الوقت حصلت على اللآلىء والمنسوجات والأخشاب والعطور واللبان والتوابل من فارس وبلاد العرب والهند، وكان يُنقَل كل هذا عن طريق القوافل التجارية والسفن، كما ذكرت مجلة الثقافة العالمية.

الصين اليوم في تقدمها تجاريًا واقتصاديًا وغزوها العالَم ببضائعها ومنتجاتها لا تقل شأنًا عنها إبّان أسرة تانغ، فلا يخفى على لبيب المخاطر التي كانت تحيط الرحلات التجارية ومدى حِذْق ومهارة البحّارة والملاحين بمعرفة الطرق والطقس والرياح والبوصلة، وقد عُثر على سفينة غارقة في مَمرّ بين جزيرتيْن صغيرتيْن في إندونسيا مُحمّلة بالنفائس، تعود إلى القرن التاسع، بها قطع ذهبية وفضية وخزفية مشغولة باليد تعود لأسرة تانغ، هذا الاكتشاف ولا ريب يؤكد مدى إتقان الصينيين للصناعات المختلفة منذ القِدم ومعاملاتهم التجارية.

وقد عُرفت المواني العربية والفارسية المرتبطة بالصين مثل البصرة في العراق، وصحار وظفار في عُمان، وسيراف على الخليج الفارسي.

من المعروف أنّ الذي يميز التاريخ الصيني منذ آلاف السنين حِفظه في سجلات مكتوبة لكل حقبة زمنية، ولهذا نجد أنّ التاريخ الصيني عبارة عن حلقات متصلة.

يوجد كذلك مدينة وميناء”قوانتشو”، والمعروف عند العرب”كوانزوا”، يعد من أكبر المواني وأهمها، الذي يرتبط بطريق الحرير البحري، ومعظم التجار فيه من العرب والفرس، وفي هذه المواني الصينية استقرّ التجّار واختلطوا بالسكان وتزوجوا منهم، بل ومنهم مَن عاش في داخل الصين وعمل على بناء المساجد وحصلوا على حماية الأباطرة كونهم أقليّة في البلاد يمارسون شعائرهم بكل حرية، وإلى الآن، فإنّ كوانزوا تُعد قِبلة للعرب وسوقًا كبيرًا للتبادل والبيع والشراء، كما توجد مدينة “إيو”، أو ييوو، السياحية والتجارية وفيها عرب من جميع الدول العربية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد حدثت انتكاسة للصين في عام 887م، لقيام زعيم متمرّد بأعمال تخريبية في كوانزوا، وقتلَ كثيرًا من أصحاب الديانات، وعلى إثر ذلك حرقت الصين أسطولها ونظرت إلى نفسها داخليًا فقط، فأُهمِل طريق الحرير في هذه الآونة.

في نهاية القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر دخلتْ أوروبا على الخط ونشطت في التجارة وخاصة بعد اكتشاف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح.

مع مرور الوقت استعادت الصين نفسها واستفاقت بعد سُبات بسلسلة الإصلاحات الاقتصادية المعروفة بالإصلاح والانفتاح عام 1978م، لتنفيذ الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وأصبحت العلاقات أقوى مع الأصدقاء القدامى وخاصة العالم العربي وإيران، منها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبذلك توسعت في الصناعات، وأحيوا طريق الحرير مرة أخرى.

مقالات ذات صلة:

الاقتصاد الجديد .. اقتصاد المستقبل

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حضارة الصين النهرية

التنافس في الخير من أجل الأوطان

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة