مقالات

حضارة الصين النهرية

مرّ الإنسان في حياته بمراحل ومنعطفات تمثلت في التعامل مع الطبيعة وتطويعها باستخدامها في طعامه وشرابه وكِسائه ونومه وحياته كلها، إلى رَعْيه للماشية والأغنام وتسخيرها، إلى استقراره حول الأنهار وبناء مجتمع حضري وثقافة خاصة به، وتحسين الزراعة والصناعة والتجارة وتوسيع علاقاته بِمن حوله.

ونستحضر هنا الحضارات المختلفة العريقة كالحضارة المصرية القديمة التي نشأت حول نهر النيل العظيم، وحضارات العراق الضاربة في جذور التاريخ ودور نهري دِجلة والفرات، والنهر الأصفر ونهر اليانجتسي وهندسة وصناعة حضارة الصين.

النهر الأصفر واليانجتسي

والنهر الأصفر واليانجتسي هما أطول أنهار الصين، بل من أطول أنهار العالم، وشقّا الأراضي الصينية وقسّماها مما كان له أكبر الأثر في الاستقرار والمعيشة منذ آلاف السنين، وترتب على ذلك قيام الحضارة والثقافة والممالك القديمة. وسمي النهر الأصفر أو (هوانغ هو) بهذا الاسم لأن تيار الماء يجرف أمامه جزءًا كبيرًا من التربة والطمي فتبدو مياهه صفراء اللون.

ويتشابه النهر الأصفر مع نهر النيل، إذ اشتُهر بكثرة وحِدّة الفيضانات واقتلاع الأشجار وهدم المنازل والتهام كل ما يقف في طريقه، ففي مصر تم بناء السد العالي، وأما في الصين فكانت الفيضانات أعنف وأكثر تدميرًا عبر التاريخ، فمات ملايين البشر، وتصدّعت السدود وفاضت المياه أكثر من ألف وخمسمائة مرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتعتبر هذه الفيضانات من أسوأ الفيضانات في التاريخ، ولهذا تم بناء السدود والخزانات الجديدة وإعادة بناء وتشغيل القديمة، والاستفادة من هذه المياه بزراعة الحبوب والري والنقل النهري وتوليد الكهرباء بطاقات تشهد تزايدًا كل فترة.

ونهر اليانجتسي أو (تشانغ جيانغ)، هو أطول أنهار الصين وآسيا، وثالث الأنهار العالمية بعد نهر النيل في إفريقيا والأمازون في أمريكا الجنوبية، ولهذا يمر بإحدى عشرة مُقاطعة ومدينة ومنطقة، وله فروع كثيرة وثروته المائية تُقدر بـ 40% من موارد الصين المائية، ويتميز بمرتبته الأولى في المسافة النهرية.

ومن هنا استغلّته الحكومة الصينية في التنمية وتشييد عشرات المحطات الهيدروليكية، وتخزين المياه والزراعة الضخمة لخصوبة التربة التي تتميز بها الصين منذ القِدم، فهي بطبيعتها زراعية.

ولهذا يتم إنتاج الحبوب، ويأتي الأرز في مرتبة متقدمة وبوفرة فيمثّل 70% من كمية الحبوب المزروعة في تلك المنطقة، كما تحتوي على كمية من السدود، وإنشاء مشروع الري العملاق “المضايق الثلاثة” لتخزين المياه على ضفتي النهر.

الاستقرار الحضاري يؤدي إلى التفكير الإيجابي

ويهتم الصينيون بتطوير حضارتهم الإنسانية دائمًا، يشترك في ذلك المسؤول الكبير والعامل العادي على السواء، فنجد الشاعر الكبير (دو فو) من أسرة تانغ الملكية يقول: “نسمع حفيف أوراق الأشجار في الغابة الفسيحة، وتتدفق مياه نهر اليانجتسي بلا انقطاع”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنّ استقرار الإنسان وتوافر عامل الأمان لديه يولّد عنده الحفاظ على مُنجزاته، والبناء والتشييد والإبداع والتفكير في مستقبل مُشرق مُزهر تنعم فيه الأجيال، وتتمتع بروح الوطنية وقيم التعاون والتسامح والجمال.

فعندما استقر الشعب حول الأنهار مصدر الخير في الصين كانت قاعدة الانطلاق نحو الزراعة والصناعة ومن ثم التجارة، ومن هنا ظهرت الفنون اليدوية الحريرية، والخزف الصيني، وكنوز المكتب الأربعة وهي: الريشة، وسبيكة الحِبر، المحبرة، الورق، كما نما الإبداع والإحساس فظهرت ثقافة الحدائق والمتنزهات.

والاستقرار الحضاري يؤدي إلى التفكير الإيجابي المفيد، مثل الاستزراع السمكي وإنشاء أحواض، وامتد هذا البناء وتواصل الحضارات والتوأمة بين مصر والصين، فعلى سبيل المثال تشاركت جمعية مصر الخير مع جامعة قناة السويس وبعض الجامعات الصينية بهدف تخريج فنيين يتدربون تدريبًا جيدًا،

ولديهم ثقافة واطلاع واسع للإفادة المجتمعية المُتبادَلَة بين البلدين وباقي بلدان العالم، كما تم إنشاء معهد الاستزراع السمكي الذي يمثل 70% في مصر، والذي يفتح المجال أيضًا لإكمال مرحلة الدراسات العليا، وكذلك التدريب الجاد، وإنتاج اليرقات والزريعة السمكية.

اقرأ أيضاً:

“أهمية نهر سيحون أو سيردريا “

اضغط على الاعلان لو أعجبك

القصر الصيفي الصيني

الحضارة الإيكلوجية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة