مقالاتقضايا شبابية - مقالات

يا شبكة دهب يا إما بلاش، ومن غير شقة ميلزمناش

ظهرت مؤخرا دعوات عديدة لإلغاء الشبكة من متطلبات الزواج، أو على الأقل إلغاء الشبكة الذهبية والاكتفاء بمعادن أرخص كالفضة، أحببت في هذا المقال تحليل أسباب الرافضين لإلغاء الشبكة وكذلك المؤيدين، مع إيضاح بعض العوامل التي تؤثر على فكرة “الزواج” الحالي وما يرتبط به من أعراف وتقاليد.

(1)

سألته: أين تسكن يا صديقي العزيز؟

قال: هل تعلم أين يقطن أبي؟! …  لا عليك، كل ما يجب أن تفعله هو أن تذهب حيث نسكن. ادخل: “الصالة” ثم اتجه يسارًا ستجد غرفتي مجاورة لغرفة أبي. اطرق الباب. ستجدني هناك أنا وزوجتي.

قالها بسخرية على ما نعيشه نحن حاليًا من تكاليف باهظة قد يُفني من أجلها الشاب المقبل على الزواج عقد من العمر من حياته وذلك بعد أن أفنى والده عقد أو اثنين هو الآخر ليُيسر لابنه القدرة على الزواج والحصول على مسكن.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صديقي الذي تحدثت عنه لم يختبر ذلك هو طبيب مسلم وتزوج من امرأة أجنبية مسلمة أحببها.

سألته كم كان مهرها؟

قال لي: بعد أن اتفقنا على الزواج استقبلتها في المطار وأهديتها خاتمًا وهذا كل ما في الأمر ونعيش مع عائلتي في نفس غرفتي القديمة.

(2)

تابعنا الحديث حول الشبكة التي يقدمها الرجل للمرأة حينما يقبل على الزواج والتي تُعد مهرًا لها أو جزء منه في هذا العصر الذي نحيا فيه وما أن بدأ الحديث حول المبادرات التي تناولت طرح فكرة إلغاء الشبكة نظرًا لغلو سعر الذهب خاصة في الفترة الأخيرة حيث وصل سعر جرام الذهب إلى حوالي 900 جنيه إلا وانتشرت المناوشات بين الفريقين المؤيد\المعارض لهذا الطرح في مواقع التواصل الاجتماعي.

فهل أنت مؤيد أم معارض لإلغاء الشبكة ؟

أحببت في هذا المقال أن أحاول أن أحلل أسباب الرافضين لالغاء الشبكة وكذلك المؤيدين مع إيضاح بعض العوامل التي تؤثر على فكرة “الزواج” الحالي وما يرتبط به من أعراف وتقاليد خاصة في المجتمعات العربية ومصر خصوصًا بحكم معيشتي بها واطلاعي المباشر عليها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 أولًا: المؤيدين

أسباب المؤيدين تتلخص في أن تكاليف الزواج حاليًا صارت باهظة للغاية وأن دعم الشباب والتيسير عليهم بتقليل التكاليف سيسهل أمور الزواج التي هي معسرة بالفعل بسبب انتشار البطالة وقلة الدخول المادية والأجور وانخفاض قيمة الجنيه وغيره.

إذن الغاية الأساسية هي “التيسير” على الشباب وكذلك أيضًا من وجهة نظر الآباء تيسير زواج بناتهن.

ثانيًا: المعارضين

جاءت أسباب الرفض مناصرة للمرأة بدعوي حفظ حقوقها وأنه لا بد أن يكون هناك مهرًا وأن ما يُؤتى بسهولة يضيع هباءً بسهولة أي أن الزواج يجب أن يقدم له الرجل كل ما هو غال ونفيس حتى يعزز ذلك من قيمة المرأة ولا يحط من قدرها.

كذلك رأي كثير من الفتيات أن حاليًا الزواج لا يقوم الرجل بإتمام جميع تكاليفه كما هو العرف أو السائد في مصر وتختلف الأعراف من منطقة لأخرى ومن مدينة لأخري ومن الريف إلى الحضر لكن الأغلب والأعم هو المشاركة حيث يكون على الرجل أن يوفر مسكنًا ملكًا أو إيجارًا ويقدم مهرًا أو “شبكة من الذهب” ثم يتفق الأهلان على المشاركة في إعداد هذا المسكن؛ يتعاونان على توفير مستلزمات المعيشة من أثاث وفرش وأجهزة كهربائية وخلافه.

من هذا المنطلق رأي الكثير من الناس أن أصلًا الرجال حاليًا لا يتكفلون بتكاليف الزواج بالكامل وأن في كثير من الأحيان –وهو ما يحدث بالفعل للأسف-يشترط أهل الزوج على أهل الزوجة معايير مادية ونوعية معينة في الجزء الذي سيقدمه أهل العروس.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وما طرحته بعض النساء هنا هو” قبل أن تقوم بإلغاء الشبكة يجب ألا تشترط على الكثير من الشروط في الجزء الذي سأقدمه أو إن كنت “قوَّامًا” كما تدعي كرجل فتكفل أنت بتكاليف الزواج كاملة حينها قد نلغي الشبكة”.

هذا ما استطعت أن أحلله إن حالفني التوفيق بعد متابعة العديد من الكتابات التي دونها رواد مواقع التواصل الاجتماعي وقراءة كم مهول من التعليقات من الجنسين مؤيدين ومعارضين.

(3)

قبل أن أصدر حكمًا على هذه القضية يجب كما تعلمنا من المنطق –الحكم على شيء فرع عن تصوره-لذلك يستلزم كي أكون عادلًا أن أكون ملمًا بقضية الزواج هذه وكذلك مفهوم القوامة الذي حث عليها الإله وحقوق المرأة والرجل في إطار الزواج والأبحاث في ذلك قد تطول لكنني هنا سأحاول أن أفكر في بعض العناصر الرئيسية سأعرضها لكم وبعدها كل يسعى ليكون رأيه الخاص.

1-الغاية من الزواج:

للأسف بعد أن كان الهدف من الزواج في مجتمعاتنا هو اجتماع روحين ليتشاركا رحلة حياتيهما.

أو كما بالتعبير القرآني ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”*

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بات الهدف عند الكثير من الشباب هو محاولة ممارسة الجنس في إطار شرعي لا ينتقده المجتمع ولا يُغضِب الله كذلك بسبب مشكلة العنوسة وبسبب ضغوطات الأهل على الفتاة كي تتزوج والنظرة السيئة الظالمة من المجتمع للمرأة العزباء أو المطلقة أو البحث عن سعادة من خلال خلق واقع جديد مستقل عن الأهل علي حدي سواء للذكر أو الأنثى.

ففي كثير من الأحيان لا يكون الزواج بهدف المودة والرحمة أو بهدف المشاركة أو البحث عن السكن.

2-  تكاليف الزواج:

إذا ما كانت الغاية هي السكن القائم على المودة والرحمة فسيظهر ذلك في التفاصيل؛ فإن كانت احتياجاتك الأساسية كأي بشر هي المسكن والمأكل والملبس والمشرب فالمعايير “المادية” ليس لها دور واضح هنا في حد الكفاية الذي تقام به الحياة.

012 1 300x225 - يا شبكة دهب يا إما بلاش، ومن غير شقة ميلزمناش

فبمطالعة بعض صفحات الفيس بوك وبعض المنتديات نجد انتشار بعض المعايير المقولبة الجاهزة التي لم ينزل الله بها من سلطان بعضهم معايير كمية وبعضها نوعية.

بعض هذه المعايير أو الاقتراحات كانت تدور حول عدد الأكواب من النوعية الفلانية ثم عدد الأكواب من النوعية العلانية.

ماذا سيحدث للزواج إن بدأ الرجل وزوجه حياتهما بدون ” نيش” أو ” طقم جيلي” أو “قطاعة البيتزا” ؟!

هل الغاية من وجود هذين الشخصين معًا هو سعادتهما أم سعادة “الضيوف” و” الزوار” حينما يأتون لزيارتهما في “عش الزوجية” فيتأملوا “الصالون المذهب” أو التحف الفنية المرصوصة في المتحف القومي للأطباق “النيش”!

أو يتأملوا “مفرش السرير” ما الداعي لدخولهم غرفة النوم من الأساس؟!.

والتعبير المشهور المصري في هذه المواقف عند الأهلين “أنت عاوزهم ياكلوا وشنا ” المقصود منه أتريدهم أن يسخروا منا أو يظنوا أننا لا نمتلك كما يمتلكون. أصبحنا والعياذ بالله نتنافس على المظهر ونغرز ذلك في أبناءنا ونغرز قيمة أن السعادة والجمال يأتيان بالامتلاك وليس بامتلاك النافع بل في كثير من الأحيان بامتلاك المشهور.

الناس مش هتاكل وشك !

والله يا أبتِ لن يأكل وجهك أحد. لا يحدث هذا إلا من مصاصي الدماء أو “الفامبير” في أفلام الخيال العلمي. صدقني ستأكل التجاعيد وجهك وأنت تعمل يوميًا 12 ساعة لمدة عشرين سنة من أجل ادخار أموال “للنيش” ولـ “أطقم الجيلي”.

خلاصة القول في هذا الأمر أننا نعاني من متتاليات من المغالاة التي تثقل كاهل الآباء والأبناء في كل تفصيل من تفاصيل الزواج من أول الشبكة ومرورًا بإعداد المسكن ونهاية باحتفال الزواج أو “الفرح”.

هذه المغالاة نابعة من ” التصور المادي للسعادة” وحب التنافس بما نمتلك وسط الأهل والأقرباء والغريب في هذا الأمر أن هذا بعيد كل البعد عن الدين فإن كان الدين يُقوِّم النفس ويهذبها ويُعلي من قيمة الروح على المادة والجوهر على المظهر فنحن نفعل النقيض.

في هذا الشأن قول منسوب لعلي شريعتي يقول فيه ” المرأة التي تُساوم بمهرها وتقضي سنة تتحدث عن جهازها والذهب الذي أُهدي إليها وفخامة حفل زفافها لاتزال جارية بالمعنى الكامل للكلمة “.

مفهوم القوامة :

وبالتفكر في مفهوم القوامة مقام التكليف وأن الرجل رب الأسرة يجب أن يكون قائمًا على شئون بيته وقادرًا على الكسب والإنفاق، وبالتفكر في التشريع الرباني الذي ينظر للدنيا على أنها رحلة قصيرة نخوضها من أجل الحياة الحقيقية التي سنحياها بعد ذلك؛ نجد في تاريخ أسلافنا من فهموا ذلك جيدًا واهتموا بالجانب الروحي والنفسي بوضوح حيث كان الحرص في مقومات الزواج ليس هو المظهر وإنما الجوهر. فعماد الزواج هو الرجل والمرأة هذين النفسين الذي مكتوب لهما التلاحم والسكن سوية.

ما هي أخلاقهم؟ وما هو تفكيرهم؟ هل يلائموا بعضهم البعض أم لا؟ هل هي زيجة موفقة واختيار مناسب؟ هكذا كانت الحياة تُدار وكان الجانب المادي يعين على العيش وسيلة وليس غاية في ذاته.

فيُذكر أن علي بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت محمد عليه السلام وهو يُعد حينها كحاكم المدينة وكان مهره لها درع قديم.

فإذا ما رتبنا أولوياتنا وفصلنا كل ما لا يقام الزواج بدونه وفرّقنا بين الاحتياج الحقيقي والترف حينها ستسهل القوامة ويسهل التكليف الإلهي مناط تكليف الرجل رب الأسرة وراعيها المسئول الأول أمام الله بحماية الأسرة ورعايتها والقيام على شئونها إن كان حتى الرجل منوطًا بكل تكاليف الزواج المادية.

ما يحدث في عصرنا الحالي :

لكن ما يحدث في العصر الحديث في المجتمعات الشرقية واعتاده الناس هنا هو مسخ بلا هُوية واضحة فالموضوع برمته أصبح أن الناس تنظر إلى الدنيا وكأنها دار القرار فالزاد هنا ليس زاد يعين على الرحلة ولكنه زاد كأنه هو الرحلة.

فحينما تعلم أن في بعض القري المتعارف عليه هو وجود غسالتين أو ثلاجتين؟ ما علاقة أن تكون الملابس نظيفة أو ألا يفسد الطعام بهذا السفه؟

مسخ مزيج بين الإسراف والاستهلاكية في كل مظاهر الزواج، ومحاولة لصبغ العلاقة بصبغة دينية والدين أبعد كل البعد عن ذلك فالشريعة والمنطق أوجبا ترشيد الإنفاق فيما يفيد وما يكون “إليه حاجة” وأوجبا ترتيب الأولويات وليس هناك إنسان عاقل يحبذ أن يحيا الفرد لمدة عشرين عامًا يعمل بلا انقطاع؛ كي يدخر لزواج أولاده ثم يكمل أولاده رحلة العمل من أجل القدرة على الزواج الذي كان يفترض أن يكون حق مشروع ميسر لكل شاب وفتاة.

اقرأ أيضًا: لماذا نتزوج؟ حقيقة العواطف والمشاعر.

اقرأ أيضًا: زمن اللامعقول، لماذا نتزوج إذن؟

اقرأ أيضًا: بين دعاوي العزوبية وقدسية الزواج ، هل يمكن ان يقول أحدهم (متزوج وأفتخر) ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

حازم خالد

طبيب امتياز – كلية الطب جامعة المنصورة
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة