إصداراتمقالات

السعي بين المثالية والجهد (4)

ولتحويل هذا النقاش لتوجيهات عملية بسيطة فإننا نقول إنّ الإنسان في سعيه للتكامل عليه أولا أن يحدد المنطلقات والتي تتمثل في الرؤية والأخلاق والأيديولوجا ومنها يحدد غايته أو هدفه. ثم إنه في سلوكه نحو الهدف سيواجه اختيارات كثيرة. ومن سياق الإثبات الذي وضحناه عليه أولا أن يقصي الطرق السهلة الملتوية التي تتعارض مع القيم والأخلاق التي أرساها كمبادئ حياته الخاصة وأن كل طريق نجاح صعب كقاعدة أولى. أو كما في المثل “ما يأتي سريعا يذهب سريعا”. ثم بعد إقصاء هذه الطرق ينبغي أن يدرس ويمحص الطرق الحقيقية المتبقية فيفاضل بينها وفق الرؤية والهدف فيقبل المنتظمة المتناسقة والتي توصل للهدف بكفاءة وتركيز دون تشتيت أو معارك طواحين هواء جانبية كثيرة تشوش على عملية السعي. ثم ينتخب من بين الطرق المتبقية ما يتوافق مع ظروف زمانه ومكانه وقدراته وميوله الذوقية. هنا فقط لن يكون السبب في التعطيل إلا بسبب الموانع الشخصية والتي هي جوهر السعي والتربية الذاتية وترويض النفس أو الموانع الخارجية والتي وإن كانت خارج سيطرة الإنسان إلا أنها تعلمه التحمل والصبر وطول النفس.

ولنضرب مثلا أكثر واقعية وارتباطا بحياتنا اليومية. فطالب العلم في المدرسة بمختلف مراحلها أو في الجامعة بكلياتها ومعاهدها بمختلف المراحل ما قبل وما بعد التخرج يواجه الكثير من التحديات والامتحانات والتمارين والواجبات. وهناك عدة سبل لإحراز الدرجات في هذه المهمات والتمحيصات. فقد يلجأ للغش والأساليب غير السليمة أخلاقيا وما أكثرها. أو قد يتملق أساتذته ومدرسيه ليستجدي عطفهم فيعطونه درجات لا يستحقها. أو قد يستغل الفساد المتفشي وقدرات عائلته المالية في شراء الدرجات والشهادات أو …. إلخ. كلها طرق في ظاهرها السهولة والمكسب ولكن في باطنها الفشل أو المعاناة.

وفي الجهة الأخرى لديه أسلوب طالب العلم الحقيقي بمقومات طالب العلم الحقيقية من انتظام في الحضور ودقة في تسجيل المحاضرات وأناقة التلخيص وبلورة أفكار الدراسة ثم الاطلاع الخارج في المكتبات والأبحاث ثم المناقشة والتساؤل والمطارحة والتشاور ثم التجربة والإختبار ثم المراجعة وتنظيم الوقت بعدل بين الترفيه والعمل وما إلى ذلك في سبيل الاجتهاد الحقيقي.

وفي النهاية، بدون منطلقات ورؤية سليمة لحقيقة الواقع، ثم تشخيص الغايات السليمة التى تؤسس على تلك المعرفة والرؤية، ثم تمحيص هذه الأساليب في السعي وانتخاب أفضل ما يتناسب مع كل هذه الرؤية وتلك المعلومات والأهداف، يتحول النجاح -إن حصل- لنجاح زائف فاسد الطعم، ولا تكتسب الملكات التي كان مرجوًا أن تكتسب. بل تكتسب ملكات أخرى خسيسة بخسة في التفلّت والانحراف عن الحق والتهور والاستهتار والهروب من المعركة والامتحان، والانهيار تحت الضغط، لدرجة تسمح لنفس الإنسان أن يخلط المعايير ويفسدها، فيرى الحق باطلا والصحيح خاطئا والشر خيرا وهكذا حتى يضيع الإنسان في تيه الأوهام بعد أن انطفأت بصيرته وبصره بخرافات المكسب السريع والهروب المستحيل من المسؤولية، لتصبح هذه الطريقة السيئة في التعامل مع مواقف الضغط هي فلسفة الحياة والعادة الرئيسية التي يواجه بها كل مشكلات حياته مهما أتته المحاذير والصواعق التي تنبئه بفساد سعيه. فيصبح كمن ضل سعيه في الحياة دون أن يدرك وهو يظن أن عمله رائع ومتكامل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.

مقالات ذات صلة