إصداراتمقالات

السؤال الأهم

في مشهد مؤثر في أحد الأفلام الأجنبية الشهيرة؛ اتجه البطل ومعه مجموعة من الممثلين في الفيلم لركوب المصعد، وبينما المصعد في طريقه، والكل -بداخله- يفكر فيما سيفعله بعد وصوله إلى بيته، توقف المصعد فجأة بين طابقين؛ نتيجة عطل غير معروف سببه، فسادا الخوف والقلق الجميع، وبعد فشل محاولات التواصل مع أي أحد للمساعدة، ساد السكون، وبدأ الجميع بالوجوم، ثم دار حديث فيما بينهم، وفي هذه اللحظات الحرجة والتي ظن الجميع أنها قد تكون آخر لحظات حياتهم ، بدأ كل منهم يراجع حياته وكأنها شريط يمر أمامه ويتساءل ماذا فعل فيها، وماذا كان يجب عليه أن يفعل، وهل هو سعيد في حياته فعلا ؟!

إنه لصراع طويل حقًا! ، ما يلبث أن ينتهي في مكان ليبدأ في آخر، أو هكذا نظن نحن! ، فقد لاينتهي الصراع ويبقى ببقاء أطرافه إلى أن يشاء واجب الوجود، وإنك تجده في أبسط المواقف وأعظمها بتفاصيل مختلفة وأحداث متباينة وإن توحدت جميعها على أنها تُمثّل الصراع من أجل الوصول إلى السعادة المنشودة ! وفي خضم هذا الصراع قد يتوقف البعض أمام أحد مواقف حياته – مثل موقف المصعد في الفيلم الأجنبي – يتوقف مع نفسه للحظة ويتساءل عن حقيقة حياته، وهل ما يفعله فيها يحقق له السعادة فعلا ، أم أنه يتوهم ذلك ؟ وفي أحيان أخرى نجد أن كثير من الناس لا يتوقف أبدًا ولا يفكر أو يسأل نفسه ولو مرة عما يفعل، ولماذا يفعله، حتى تنتهي به الرحلة دون معرفة حقيقة ما عاشه وما فعله !

وتتعدد المعاني المُتصوَّرة للسعادة، وتختلف -بتعددها- الأسئلة حولها والوسائل لطلبها ولتحقيقها ؛ فالبعض يرى السعادة في النجاح بالعمل، والبعض يراها في جني الأموال، والبعض يراها في أكلة لذيذة ، ويراها البعض في تكوين الأسرة أو الأولاد ، ويراها كثيرون في الشهرة والمجد، بينما يراها بعضهم في الرضا وراحة البال ومساعدة الآخرين، في حين يرى آخرون أنه لا إمكانية لتحقيق السعادة والحصول عليها إطلاقًا

. ما هي السعادة إذن؟ تلك الغاية التي يسعى إليها الجميع في هذا الكون! وما هو السبيل للحصول عليها ؟ إن إجابة هذا السؤال تقتضي منا أن نسأل أنفسنا سؤال آخر – وهو السؤال الاهم- ما هي حقيقة الإنسان ؟ هذا الساعي والطالب للسعادة دومًا في حياته منذ أن خلقه الله وحتى ينتهى هذا الكون! أوليس من المنطقي أن نسأل أولا عن حقيقته ؟ حتى إذا عرفناها؛ استطعنا أن نجيب عن حقيقة سعادته وكيف يمكنه الحصول عليها؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الإنسان كما عرفه الفلاسفة هو ” حيوان ناطق” حيث نعني بالحيوان – الجانب المادي –الجسد، ونعني بالناطق الجانب المجرد -النفس العاقلة- ، إذن الإنسان مُكون من جانبين؛ جانب مادي وجانب مجرد، ولكل منهما احتياجات، إذا تم إشباعها بشكل صحيح وعادل؛ حدث التوازن لهذا الإنسان وتحققت له السعادة الحقيقة التي يبحث عنها في كل مكان وزمان . ولكن الحاصل الآن؛ أن هذا المفهوم للإنسان أصبح مُشوَّه مغلوط صدَّرته للعالم الثقافة المادية النفعية، فصورته عبارة عن مادة فقط أي جسد فقط! ، ومن ثم فسبيل الحصول على السعادة هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الإشباع المادي بمختلف أشكاله، وتلخصت الحياة في لحظة والتى لابد أن تستمتع بها قبل أن تنتهي! لماذا تعاني؟ لا ترهق نفسك ولا تحملها الهموم بكثرة التفكير! فأصبحنا نسمع ” امبارح عدى وبكرة معرفوش” ، “عيش اللحظة” ، “يالا ناو” ، “زهقان ومضايق اخرج” ، “امشي في الشوارع واقتحم المولات” ، “واصرف ما في الجيب؛ تأتيك السعادة وتتخلص من هم التفكير” ! ولكن أين الجانب الروحي المجرد من كل ذلك ؟ أين هي حقوقه ؟

لا يمكن إنكار أن الجانب المادي مهم ولابد أن يتم إشباعه فالأمر ليس بثنائية إما الاهتمام بالجسد وإغراقة في الملذات حتى يفقد الإنسان الإحساس بأي متعة أو الاهتمام بالروح وترك الجسد حتى يمرض فلا تستطيع الروح والنفس أن تعطى أي شيء! ، ولكن إعطاء الجسد ما يحتاجه بدون مبالغة وإفراط، فقط بالقدر الذي يحفظه؛ كي يحيا صحيحا سليما معافى ، فالجسد هو السفينة التي تحمل الروح في طريق الحياة ، يكفيها أن تكون سليمة قادرة على الحركة والفعل ، أما الروح- النفس العاقلة- فتلك هي الأساس في الإنسان ، فلقد كرمه الله بها عن سائر المخلوقات في الكون، وهي التي تحتاج إلى الاهتمام الأكبر ، ولا سقف لإشباعها، بل المطلوب هو الاستزادة دوما في الاهتمام بها حتى ترتقي أكثر وأكثر وتفيض على العالم بالخير وصالح القول والعمل . إذن البداية هي معرفة حقيقة ذواتنا ، وكيف السبيل لإعطائها حقوقها بما يحقق العدل فيها، الأمر الذي سيحقق السعادة الحقيقة؛ تلك الغاية التي يريدها كل إنسان في هذه الحياة ، فالمطلوب دوما أن نتوقف جميعا مع أنفسنا ولو للحظة في رحلة الحياة و نسألها قبل أن تنتهي الرحلة … السؤال الأهم!

منى الشيخ

مطور برامج

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية

مقالات ذات صلة