مقالاتقضايا شبابية - مقالات

هل الأستاذة حرة في أن ترقص؟ هل هي حرة حقا ما لم تسبب ضررا؟

الأساذة ترقص!

نشرت الأستاذة الجامعية على حسابها الخاص، فيديو وهي ترقص على أنغام إحدى الأغاني، وبعد أن أثار الفيديو حفيظة مجتمع هيئة التدريس، خرجت علينا الدكتورة لتدافع عن حقها في الخصوصية والحرية الشخصية، طالما أنها لم تتسبب في ضرر أو تؤذ أحدا، وذكرت أن هذا الفيديو ليس من شأنه الإساءة لموقعها ودورها كأستاذة جامعية ومعلمة للأجيال.

هل يعترف الرافعون لشعار ” أنا حر مالم أضر “،  بأن هنالك ضرر معنوي لايقل خطورة عن الإيذاء البدني؟

ولماذا يقر كل من يتبنى قضايا مظلومية المرأة بأن التحرش “اللفظي” هو شيء منبوذ وقبيح، رغم أن الإيذاء هنا ليس جسديا؟ بل بألفاظ تدخل الأذن ويعيها العقل ويفسرها معنويا بأنها من موجبات ضرر النفوس ومسببات الإيذاء النفسي والمعنوي.

وفي الوقت ذاته لايقر نفس هؤلاء بأن ثمة مشاهد مثيرة للغرائز تتسبب في ضرر للعين عندما يعيها العقل ويصنفها بأنها من محركات الشهوات؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إذن فهناك اعتراف بأن الإيذاء النفسي متواجد ولا يقل خطورة عن مثيله الجسدي، ولكننا للأسف لم نبلغ درجة عالية من التصالح مع أنفسنا، ومفاهيمنا وأفكارنا، لكي نعترف بأن شارب الخمر “الذي لايقود السيارة”، يؤذي الناس بتصرفاته وأفعاله، ويضر بأسرته بصفاته السيئة وعصبيته.

جانيس  و ضرر سببه أبوها

نقل كتاب “قهر الخجل والقلق الاجتماعي” للدكتور موري بي شتاين، حكاية جانيس – ذات الثلاث وثلاثين ربيعا-  حيث كان أبوها ممن يتناولون الكحوليات، فلم يسبق أن امتدت يده بالضرب، او ارتفع صراخه في وجه كل من جانيس أو أمها، وإنما غاية الأمر أنه إذا تحدث، تحدث بصوت عال، كما أنه كان في حالة سكر شبه دائمة عندما يكونون خارج المنزل، وكانت جانيس في فترة مراهقتها تخشى أن يرى أحد أباها على تلك الحالة “غير الواعية”، حيث كانت تشعر بالخزي لدرجة أنها عادة ما صرفت عزم أبيها عن حضور فعاليات العام الدراسي، فضلا عن عزوفها عن اصطحاب أي من أصدقائها بالمدرسة إلى المنزل.

ترى جانيس أن إدمان أبيها للمشروبات الكحولية كان عاملا هاما وراء ظهور أعراض اضطراب القلق الاجتماعي عليها، فهي تعتقد أن إدمان أبيها للشراب قد أصابها بالخوف من الآخرين، وابتعادها عن كسب الأصدقاء وإصابتها بمشكلات في التواصل الاجتماعي بشكل يسوء أكثر كلما تقدم بها العمر.

وعليه، فإن أردنا أن نعترف بالإيذاء النفسي ووقعه الخطير، فلنطبق كافة مظاهره، لا أن نطبقها مع “التحرش اللفظي” ونتغافل عنها مع “حرية الرقص” و”شرب الخمر” بطريقة المشي على سطر وترك الآخر.

إعادة النظر

آن الأوان لنعيد نظرتنا لمعنى ” ضرر “، بأن يقوم العقل الإنساني والضمير العام بدوره في إرساء القواعد الأخلاقية بكل جرأة وألا يخاف كل مفكر من وصمه بالرجعية تارة، والأصولية تارة أخرى..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حان الوقت لأن نقاوم تلك الممارسات، بأن نقول للأستاذة الجامعية بأن الرقص والتمايل الجسدي ضرر نفسي لكل إنسان اختار بأن يسمو بعقله وضميره على شهوات نفسه ونذوات جسده، هو تحقير لكل فرد يقرر بأن الفن الحقيقي يعلو بالنفس ويتسامى بها فوق أطر الغرائز وقيود المظهرية.

فالإبداع ماهو إلا تجاوز لقواعد الجمال الشكلية إلى المعنوية منها، وهو ماينبغي لكل معلم ومفكر وفنان وأديب وكاتب أن يوصلوه للمجتمع بكافة أطيافه وأفراده.

فعلينا إذن أن نتحدث عن القيمة والأخلاق في المجتمع بشكل يخاطب العقل والضمير، وعبر خطاب يستوعب الجميع؛ العلماني والديني، الليبرالي والمحافظ، المسلم والمسيحي والبهائي واللاديني، فجميعنا إنسان يمتلك الحد الأدنى من التمييز العقلاني بين الخطأ والصواب، الضار والنافع، ويمكننا التعايش مع ذواتنا عندما نتفق على معايير واحدة  للفضيلة، والأدب والرقي والإنسانية المشتركة؛ التي لايمكنها أن تقبل بين ظهرانيها معلما يضرب طالبا بدون وجه حق، أو طالب علم يهين أستاذه، أو مدرس يشرب الحشيش و يتمايل من مفعول الويسكي، وآخر يسمي الحركات الغرائزية فنا وإبداعا.

الحرية تحتاج لضوابط

ورغم أن كافة الأديان تضع قيودا أخلاقية للحرية، وترفض التحرر الشخصي تحت شعار أنني حر مالم أضر، وتؤكد على أن للإنسان مسؤوليات أخلاقية وقيمية وسلوكية مع الآخرين تمنع ظهوره بكامل تحرره سواء في المظهر والشكل، أو في سبل التعاملات والصفات المعنوية، إلا أنه من الخطأ إغفال رأي علماء النفس، والفلاسفة والمفكرون والاجتماعيون الذين يتفقون كثيرا على أن للحرية الخاصة أيضا ضوابط وقيود، فعلماء الدين من كافة الاتجاهات والطوائف، والمفكرون والأخصائيون النفسيون إذن متفقون.. فلماذا نختلف، ومالذي يجعلنا نخشى الخوض في تعيين تلك المعايير؟

اللهم إلا الفوبيا التي تسيطر على عقول البعض من فكرة “الوصاية”.. وهو خوف غير منطقي ولا تبرير له خاصة وإن كان البديل هو الفوضى والمزيد من الانهيار الأخلاقي لمجتمعنا، وهو مايتمظهر في انتشار الجريمة وتعاظم أعداد الذئاب البشرية، والتحرش وحفلات الاغتصاب الجماعي وتفشي الشذوذ في كافة التعاملات والعلاقات، وانعدام القدوة والعودة إلى قوانين احط وأحقر من أعراف الغابة وذئابها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 اقرأ أيضا:

أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟

 أزمة العدالة والخير و الشر.. ألن نتمتع بعالم خالٍ من الشرور ؟

عندما نتآكل من الداخل.. ماذا يفعل بنا الاكتئاب ؟

لا تنس الاشتراك بقناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة