إصداراتمقالات

الحياة فى الاستعمال

الحياة فى الاستعمال

الإنسان محبٌّ للاستطلاع بالفطرة، ويمكن تبيّن ذلك بسهولة شديدة مع الأطفال؛ فهم دائمو التساؤل عن كل شيء يتعرضون له، وعن كل كلمة لا يفهمون معناها، وسلوك لا يفطنون إلى مغزاه..

هكذا الإنسان يشغل السؤال الجانب الأهم في حياته، وتأتي الأسئلة الوجودية في المقدمة.. فطوال تاريخ الإنسان وهو يبحث عن إجابات لسؤال المبدأ”من أين؟”، وسؤال المنتهى”إلى أين؟” وما بين المبدأ والمنتهى”ما هو الطريق؟”..

واختلفت الإجابات المقدمة، وعلى إثرها اختلفت الحياة للسائلين..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد قدّم البعض إجابات تقول بأنه لا مبدأ وأنّ الوجود هو محض صدفة، ومن ثم فإنه وجود عبثي تمامًا، والحياة مآلها إلى النهاية التي لا بداية بعدها إذ لا يعقل أن تتدخل صدفة أخرى لتحيي ما مات واندثر!

وبصرف النظر عن مدى هشاشة تلك الإجابة وعجزها عن تفسير الوجود على ما هو عليه، وخرقها لبديهية عقلية بسيطة هي أن لكل معلول علة حتى أنّ تلك الإجابة تناقض نفسها، فالادّعاء بأنّ مصدر الوجود هو الصدفة يجعل الصدفة علة أيضًا، وبذلك لا يمكن تصور الوجود بدون الموجد حتى لو كان ذلك الموجد حسب ادّعائهم هو الصدفة!؛ فإنّ حياة معتنقي تلك الإجابة جديرة بالملاحظة والدراسة.. فقد قادهم الاعتقاد بصدفة وجود العالم إلى الاعتقاد بعبثيّته وعبثية نهايته أيضًا..

وكيف تستقيم الفطرة المتسائلة مع إجابات تنضح بالعبث؟ كيف يتحرك الإنسان في حياته خطوة واحدة وهو يعلم أنه لا جدوى من كلّ ذلك؟ بل حتى ما دافعه لكي يستمر في التنفس وهو يعلم أنه حتمًا سيؤول إلى العبث واللاشيء؟!

وبشكل استقرائي يمكن ملاحظة مدى التشاؤم والألم الذي تنضح به كتابات فلاسفةِ الوجود العبثي الذي كان محض صدفة، وكذلك فإن مؤيدي ذلك المنهاج تتلخص حياتهم في الحنق على كل شيء وأي شيء، والاضطراب الدائم الذي لا استقرار فيه..

وهذا طبيعي جدًا، فمن أين ستأتي السعادة الحقيقية إذا ضل الإنسان طريقها؟ إذا ضل المبدأ والمنتهى؟
وجدير بالذكر أنّ ذلك كان سبب رفض البراجماتيين من أمثلة وليام جيمس لفكرة الإلحاد، فقد لاحظ سكينة وتفاؤل المعتقد في وجود إله في مقابل اضطراب وتشاؤم الملحدين فدعا إلى رفض الإلحاد!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الإجابة الحقيقية على سؤال المبدأ استنادًا للبراهين بأنّه إذا كان ذلك وجودًا فلا بدّ له من موجِد، يغاير الموجودات في نقصهم بكماله التام من جميع الجهات.. فهوحكيم لا تصدر الموجودات عنه عن عبث.. ومحيط بموجوداته عالم بالطريق الذي يؤدي بهم إلى الكمال الذي ينشدونه، وقد بيّنه لهم وبقي عليهم أن يستدلوا عليه بما منحهم من عقول..

وإذا كانت سعادة الإنسان في وصوله لكماله، وإذا كان الإنسان يتكامل بأفعاله الاختيارية، والاختيارما هو إلا عملية ترجيح،ولكي يكون الترجيح حقيقيًا فلابد أن يستند إلى العقل البرهاني الذي يؤيّد أنّ سعادة الإنسان في القرب من منبع الوجود والكمال، وأنّ الطريق الصحيح هو الذي وضعه وبيّنه العليم بالإنسان، فإن الطريق الوحيد الذي يؤدي بالإنسان إلى السعادة الحقيقية هو القرب من المبدأ والتزام منهجه، والاعتقاد في حكمته يقي الإنسان العبث وما يجرّه عليه من تشاؤم!

نفس الإنسان أضعف من أن تحتمل العبث، أو تبقى في الحياة دون هدف أو رسالة واضحة، دون مظلة تسير تحتها لتصل إلى نقطة ما..والدنيا تبقى محتملة مادمت في الطريق إلى مكان ما!

ولذلك كان الاستبدال-بالمصطلح القرآني- عقابًا شديدًا للعاصي، ترك للإنسان بلا مغزى لحياته وكان دعاء الصالحين دومًا بالاستعمال لا الاستبدال..

فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا أبدًا..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة