مقالاتفن وأدب - مقالات

الحياة بين الظلام والنور .. البحث عن طريق التكامل

الهروب من الحياة إلى الظلام!
خرج حاتم من غرفته بعدما استيقظ متوجهاً للمطبخ ليشرب كوب الماء ذاته، الذي ينسيه لوهلة حال نفسه التي يلقاها كل يوم ليقوم معاوداً للغرفة مرة أخرى، بعدما ألقى نظرة سريعة على من في المنزل بدون اهتمام، اقترب من فقدان الشعور بالآخرين والعالم الخارجي، ثم استلقى على سريره المعتاد، وبدأ طوفان الأفكار يتردد على ذهنه… وماذا بعد؟… مَن يا تُرى سيعلم بشأني وما أشعر به أو بالأحرى أشارف على فقدان الشعور به؟… هذه أصوات أبي وأمي مرة أخرى يتحدثان بنبرة الحزن المملوءة بالغضب والحسرة في آن واحد، بعدما تركت العمل ولا أرغب في البحث عن غيره، وجامعتي التي لا أذهب إليها ولا أرى لها قيمة فهي بشعة تذكرني بمستقبلي والواقع المؤلم، لا أعلم كيف يتحاوران كل هذه المدة ولم يمَلّا؟ هل هذا هو الطبيعي؟…  يا الله سأقوم من جديد بتحمل ثِقل الحديث مع الآخرين والتفكير في ما سيكون عليه حالي وحياتي مستقبلاً.
سأشكرهم على تخفيفهم معاناتي، ثم أستكمل حالة الهروب من الواقع! هل هذا هو ما يؤلمني ولا أقدر على مواجهته؟ أم معرفتي بأنه لا جدوى لحياتي؟ ولا جدوى من المحاولة؟ تعبت من البحث!

ظل حاتم هكذا حتى اكتشف مجموعة تشاركه التفكير في مثل هذه الأسئلة ويعلمون ما يشعر به، بل ويقولون إن لهذا كله نهاية ومخرج. خرج من قوقعته بعد مدة طويلة وصلت لسنين من البحث عن الذات ومعرفة الخلل ومعرفة هل هناك نور في نهاية النفق؟

لقد كان يرى العالم مظلماً ولا وجود لشموع كافية لإضاءته، يتوه ويتوه لساعات وأيام بحثاً عن نور وسط الظُلمة يخرجه من هذا العدم، ولم يستطع مقاومة فقدانه التدريجي للإحساس بقيمته تجاه نفسه أو الآخرين أو قدرته على الإنجاز ونجاح الكثيرين في عملهم وحياتهم وزواجهم بينما هو ما زال مكانه، قد أعتمت الرؤية لديه أكثر وأكثر، ظل هكذا وهو يرى تألم عائلته وأصحابه لهذا، ويراهم وهم يحاولون الوصول لحل من جديد؛ آملين أن يروا صاحبهم وابنهم الذي يعرفونه من جديد، أصبح حاله هكذا حتى صرخ بداخله ليبحث عن المخرج والنور ليرى هؤلاء الذين يدّعون بأن الحياة والواقع ليست بهذه الدرجة من الظلمة إطلاقاً، بل حتى إنه لا وجود للظلمة فيه أصلاً ولكنا نحن من نصنع ذلك خطئاً منا.

خرج مسرعاً لهم وقابلهم حتى ارتاح لهم! فمن أول نظرة عَلم أنهم يفهمونه ويعلمون هذه الرؤية للحياة وهذا الشعور المميت! بدأ بالتحدث إلى أحدهم وانفرد بحديثه معه بعيداً عن باقي المجموعة، وهو يقول له:
لا إرادة لدي، فقدت القدرة على مواصلة تحديات الحياة حتى كرهتها، أعلم أن الله خلق الإنسان في كبد، وهذه هي الحياة ولكني تعبت، لا أستطيع المواصلة في عمل واحد أكثر من شهر ثم أتركه! سأفقد المقدرة على مواصلة حياتي لاحتياجى للمال، ولا أقدر على الذهاب للجامعة؛ فهي ثقيلة جداً على قلبي ولا أظن أنه سيكتب لي النجاح فيها.
هدأه هذا الصديق الكريم ثم قال له: ألا تدرك أن لهذا الكون خالقاً ومدبراً؟ فكيف ترى أن وجودك عبثي ولا فائدة منه؟! إذا كان لوجود الدابة والحيوان -بل والجماد- فائدة؛ فهي مسخرة للإنسان، فكيف بوجود الإنسان العاقل المدرك لجمال الله وكمال صفاته وهو يعلم أن الوجود من الإله، والإله هوالخير المحض والكمال والجمال المطلق، فما يفعله هو خير بالتأكيد، فكيف نرى الوجود مظلماً وأن الله خلق الإنسان في كبد وفقط!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا برأيك قد يخلق الله الإنسان في كبد؟

هنا هدأ روع حاتم قليلا وبدأ يفكر، ولكنه ظل بلا جواب حتى أكمل صديقه وقال: إذا بنينا رؤيتنا للوجود والواقع من واقع حال أنفسنا فسنراه أحياناً مظلماً كئيباً، وتارة مبهجاً ولا غنى عن ملذاته، وتارة عبثياً ولا فائدة منه، وستتقلب رؤيتنا بتقلب أمزجتنا ولا يقبل العاقل أن تكون هذه الرؤى كلها صحيحة لأنها متناقضة، فالعاقل يخرج عن شعوره ورؤيته الفقيرة للعالم قليلاً قبل أن يحاول أن يفهم العالم والكون.
لقد خلق الله الإنسان خيراً، ولكنه لديه قوة الاختيار الحر في تكامله، هذا الخير بالتزايد فيه واكتساب الكمالات الروحية والمعنوية من صفات الله، أو أن يختار عكس ذلك بأن يكون ناقماً على الوجود والحياة بجملتها ويزداد في كره نفسه والناس، حتى يصير شراً يجعل الآخرين يرون الوجود شراً كما فعلت أنت يا حاتم سابقاً.
علمت من أين يأتي الشر والظلام يا حاتم؟
إنه من سوء الفهم، والاستخدام السيء للوجود؛ فالعمل والدراسة والمال والاجتماع مع الآخرين هي أمور وضعها الله للإنسان لكي تكون وسيلة له للتكامل والارتقاء والوصول للسعادة، وإحساس الإنسان بضعف عزيمته وقدرته على الحياة نابع من فهمه الخاطئ لمعنى الحياة والوجود ليس إلا؛ فسلوك الإنسان ما هو إلا تطبيق لما يعتقده في أفكاره، والأفكار هي محرك الإنسان الحقيقي.

بدأت حياة حاتم من جديد، وقد ربط الله بكل شيء فصار للوجود معنى وغاية، فهمه على حقيقته، كرس جهوده بأن يبحث عن عمل يرتبط به بخالقه، وتلاشت حالة ضعف الإرادة بعدما أصلح أفكاره ورؤيته للواقع والإله الحكيم الكامل، ولم يعد يقبع في غرفته القديمة مجدداً، بل خرج وتعامل مع الناس والخارج باعتبارهم وسائل يصل بهم إلى الكمال والسمو والفضائل، ولكنه ظل يشرب كوب الماء؛ فهو خير.

اقرأ أيضا :

الله خلق آدم على صورته … كيف يكون الإنسان إلهي؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اليأس خدعة و الأمل حياة جديدة نعيشها.. ولكن كيف؟

من “احلم معايا” لـ”داري يا قلبي”، لماذا لم يحبنا العالم؟

مصطفى إسماعيل

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة

مقالات ذات صلة