مقالات

الحق المفترى عليه

الحق المفترى عليه

مع استغراقنا الزائد فى مشاكلنا السياسية المتلاحقة التى إنجرفنا وراءها حتى فقدنا أنفسنا لبرهة لننتقل من السعى نحو ما نراه حقاً إلى التساؤل عن وجود الحق ذاته فى ظل ما نراه من صراع بين أطراف متناحرة يتحدث كل منهم باسم الحق المطلق ليعلو الصراخ ويحتدم الصدام بل وتسيل الدماء احياناً دفاعاً عما تعتنقه كل فئة منهم ليظهر ذلك الحل -الذى اعتبره البعض سحرياً جذرياً- فى رفض ما يُدعى الحق المطلق او -لمن هم أقل شططاً- رفض إمكانية الوصول إليه وإمعاناً فى تهافت مسلكهم هذا يسعون -ويالسخرية مسعاهم- للعمل على إثبات ذلك. ويظل الحق المفترى عليه غائبا عن المشهد !

وكلما اشتد الصراع من حولهم زاد استمساكهم بما يروه حلاً مناسباً لواقع أليم ملىء بالعنف وكلما علا صوت المعركة اعتصموا أكثر بحبل ألا حقيقة هناك ظناً منهم أن فى ذلك الخلاص من كل ما يملأ النفوس من حدة تجاه ما تعتنقه وما يعتقده الآخرون ليبدأ العمل الحثيث على إثبات -مطلقاً- ألا هناك مطلقات وهو ما لا أجد هنالك حاجة لإظهار سذاجة ذلك المسعى وعبثيته وفراغ فحواه من أى معنى لتطور الفكرة إلى ما يعتقد أصحابها أنها الإشكالية الأقوى بالاعتراف بمطلقية الحق وثباته مع غياب القدرة على الوصول إليه مستندين فى ذلك على حجج واهية من خدع بصرية وأعمال أشبه بأعمال الحواة دعماً لمسعاهم دون التمعن فى حججهم التى هى -إن تأملوها بصدق- حجة عليهم.

فمع أولى بوادر الطفرة العلمية والتقدم الهائل الذى طرأ على البحث العلمى والتطور البالغ الحادث فى العلوم التجريبية الذى يهرول حتى العلماء كى يلحقوا به ومع التغير المستمر فى نتائجه مع كل اكتشاف جديد بدأت تعلو نغمة استحالة الوصول للحقيقة المطلقة متجاهلين حقيقة أن وجود الحقيقة المطلقة ووسائل إدراكها هو الدافع الأساسى والرئيسى الباعث على قيام ذلك الصرح العلمى العملاق الذى يتشدقون بعظمته متناسين أنه إن صحت مزاعمهم فكل ما وصلوا إليه ما هو إلا وهم قد تبدو أضغاث الأحلام أكثر حقيقة منه ولإثبات ما اعتنقه أصحاب هذا التيار عملوا على حيونة الإنسان حتى جعلوا عقله فى حواسه واختزلوا قدراته فى دماغه ليصبح الفارق -من وجهة نظرهم- بين الإنسان والقرد ليس سوى بعض التطور -الشكلى- القائم على فوضى النشأة وغياب مغزى الرحلة وعبثية المقصد ليصبح الحديث عن الحق المفترى عليه مدعاة للسخرية وسبباً كافياً لأن توصم بالتطرف والجهل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد شرع هؤلاء منذ البداية فى الحديث عن خداع الحواس فما تراه أنت دائرياً من هذه الزاوية مثلاً أو تلك قد أراه أنا من زاوية أخرى مربعاً أو أن ترى اختلافا فى درجات لون مربعين متلاصقين على الرغم من أنهم ذوى نفس اللون بدرجته وما شابه ذلك من خدع بصرية موجودة فى هذا الفيديو بعنوان “اختبر دماغك .. لن تصدق عيناك” الذى أنتجته محطة ناشيونال جيوجرافيك

(https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=X9Yvad4IDLo)

لتصبح أدلتهم عليهم -كما آسلفنا سابقاً- فكل تلك الخدع وما شابهها على الرغم من خداعها للحواس إلا أنها لم تنطلى على العقل الذى استطاع تحليلها ومعرفة موطن الخلل وعلته وحقيقة موضوع الخدعة لتبرهن تلك التجارب وغيرها على قدرة العقل على الوصول لحقيقة العالم المادى وتعلن عن تميز الإنسان -بما حباه الله به- عن بقية الحيوانات والمخلوقات.

ومع ذلك الإدراك الواضح لتفوق الإنسان عما حوله وبروزه بعقله وبالبحث فى حقيقة ذلك التميز يجد الإنسان نفسه منوطاً بإكتشاف حقيقة عالم الطبيعة من حوله وما وراءها بما له من ملكات عقلية تتعدى حواسه وترتقى به فوق ما دونه ليصبح من الحُمق أن يُقيد نفسه بقيد الضعف أو عدم القدرة على الوصول للحقيقة وسبر أغوارها ويقصر قدراته على ما لا يعلو كثيراً عن قدرات الكلب فى الوصول لملذاته وشهواته دون البحث عن أصل وجوده وماهيته وأن يبدأ الإنسان رحلته بالاعتراف بوجود مسعاه -وهو الحق – والوصول إليه عبر اداته التى بها تميز عن غيره -وهى العقل- معتمداً فى ذلك على قدراته كاملة مع اعطاء الحاكمية المطلقة لعقله للسير به وسط درب البرهان متخطياً حواجز هواه حتى الوصول للحقيقة ولا شىء غيرها.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

محمد صابر

مهندس حر

باحث في علوم التربية وفلسفة التعليم بمركز “بالعقل نبدأ”

دراسات عليا في كلية التربية جامعة المنصورة

حاصل على دورة إعداد معلم (TOT) من BRITCH FOUNDATION TRAINING LICENSE المعتمد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة