إصداراتمقالات

الحضارة الحداثية والأخلاق

عندما يمارس شخص ما سلوكًا بغيضًا يوصف ممن حوله بالقول ” لقد فعلت سلوكًا غير حضاري ” وعندما نتمنى من شخص سلوكًا مميزًا نطلب منه أن يكون سلوكه ” حضاريًا ” ، وكأن الحضارة هى من صنعت الأخلاق الحسنة أو بصيغة أخرى أن الأخلاق هى نتاج الحضارة الحديثة، ولكن لو دققنا النظر فى بعض مظاهر هذه الحضارة الحداثية لوجدناها خالية تمامًا من أى أخلاق ــ بل بالعكس من ذلك ــ أنها هى من ألغت هذه الكلمة من قاموسها العلمي أو على أقل تقدير أخضعتها لمفاهيمها الخاصة بها مثل ” المنفعة “، “اللذة “فالأخلاق من وجهة نظر الحضارة هى تلك الممارسات التي تحقق أكبر قدر من المنفعة التي تعود على الفرد الذي يمارس أي عمل أخلاقي، وهي التي تشعر الفرد باللذة المادية التي تجعله يشعر بالسعادة !!
لقد وفرت الحضارة الحديثة الكثير من الخدمات للبشرية من وسائل اتصالات ومواصلات وعلوم في الهندسة والطب وعلوم الفضاء …الخ ونحن لا ننكر ذلك. ولكن في نفس الوقت قد جلبت الحضارة للإنسانية مزيدًا من البؤس والشقاء، وبالنظر إلى مكان يعد هو الأعلى من حيث معدلات دخول الأفراد وأفضل نظام تأمين صحى في العالم، بالإضافة إلى مستوى الرفاهية الذي يتمتع به المجتمع (الأسترالي) نجد أن هذا المجتمع هو الأعلى في معدلات الإنتحار في العالم وأن نسبة المصابين بالأمراض العقلية يفوق أى مكان آخر، وأن ما إتفق على تسميتهم الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وغيرهم من تلك البلدان التي هي الأغنى في العالم والأكثر ( تحضرًا ) هى من صدرت للعالم الثقافة الإباحية، وأن أكبر معدلات لانتشار الجريمة توجد في تلك البلدان، وأن نسبة تعاطى المخدرات والخمور تتجاوز كل الإحصائيات بالمقارنة ببلدان العالم الأخرى

أما فى مجال الأسرة فقد حولت الحضارة الحديثة دور الأسرة وما توفره من حصانة للأفراد إلى حضانات ومؤسسات لرعاية الأطفال أو المسنين، ومن خلال رفع شعارات تحرر المرأة من عبودية الأسرة وسيطرة الرجل عليها حولتها إلى – لو صح التعبير – “حيوان جميل” ونستطيع أن نلاحظ ذلك في عمل الكثير من النساء في هذه المجتمعات في مجالات مثل الموديلات، عارضات الآزياء ، وفى كثير من الأعمال التى لا يتسع المجال لذكرها فقد إدعت ( تحرير المرأة ) لتزج بها فى طابور العمل الذى أفقدها أهم شئ وهو شخصيتها ودورها فى المجتمع.

إن الحضارة مصممة على الطراز ” الداروينى ” لحقيقة الإنسان بأنه حيوان قد تطور وبالتالي فيجب عليه أن يتطور مع تطور الحضارة وأن يكون في المجتمع مجرد ألة تعمل لكي تجني المال لا من أجل شئ سواء الاستهلاك؛ لأن الإنسان لو عرف أن حقيقته غير تلك الحقيقه التي قالها ” داروين” ونظرت لها الثقافات الغربية لرفض كل هذه المظاهر الاستعبادية التي تجعل منه حيوان لا أكثر ولا أقل.. يعمل ما دام يقدر على العمل ويمارس الأخلاق طالما أنها تعود عليه باللذة والمنفعة، يهجر أسرته لأن فى ذلك مسئولية قد تسبب له بعض المتاعب، يعمل العلاقات خارج إطارها الطبيعى لا لغرض تكوين أسرة ولكن بغرض المتعة ولا شئ سوى المتعة. لو عرف الإنسان بأنه خلق ليكون حرًا وليس عبدًا كما في النظام ” الدرويني ” وأن تلك الحرية لا تتحقق إلا لو فطن الإنسان عن سبب وجوده في هذا العالم وكيف هو السبيل للعيش فيه وما هو الدور الذي يجب عليه أن يؤديه كفرد في المجتمع وفي الأسرة ، في العمل وغير ذلك من الأمور التي يمارسها الإنسان .
لقد قدمت الحضارة الرفاهية ” للحيوان ” أى للجانب الحيواني للإنسان مما أدى بنا إلى ما نحن فيه في عصرنا الحالي من صراعات وحروب ومفاسد على طول الأرض وعرضها ، فعندما ننمى الجانب الحيواني في أنفسنا ، فلماذا نستغرب أن يسود قانون الغاب في العالم؟!

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

مقالات ذات صلة