إصداراتمقالات

الحرب النفسية والتنظيمات التكفيرية

تُعرف الحرب بأنها ذلك الفعل الذى يجبر الخصم على الخضوع لمطالب الأخر ، ويندرج تحتها الكثير من الأنواع فمنها البيولوجية والعسكرية والإقتصادية ،وأكثرها نعومة هى الحرب النفسية ..

فالحرب النفسية ما هى إلا إستخدام لمؤثرات نفسية عبر أدوات معينة لإحداث نفس الأثر الذى تُحدثه الحرب المادية، ولكن يظل الاختلاف بينهما ليس فى هدفهما وإنما فى ما يستهدفانه لإحداث هذا الأثر، فالأولى تستهدف النفس والعقل ،وما يتبعه من تغير فى السلوك ،والثانية إنما تستهدف الأجساد المادية،،

وإذا أخذنا جولة تاريخية عن تاريخ ظهور الحرب النفسية ،سنجد أن البشرية عرفت الحرب النفسية بمضمونها قبل أن تعرفها بمُسماها ،فمنذ فجر التاريخ كانت تمارس فى شكل الصرخات المدوية وقرع الطبول فى المعارك لبث الشجاعة فى قلوب المحاربين وبث الرعب والتأثير النفسى فى قلوب الاعداء.وكان أول ظهور لمفهوم الحرب النفسية مع الحرب العالمية الأولى ،وتطورت أدوات الحرب النفسية من مجرد صرخة أو قرع للطبول إلى منشورات ثم إذاعات ومحطات بث تليفزيونى ،،

ويعلو صوت الحرب النفسية عندما تخمد الحرب المادية ، وهى الفترات التى يُطلق عليها حالة اللاحرب واللاسلم، ولعل أبرز مثال على ذلك ما إعتمده رئيس امريكا بتأسيس ” مكتب الخدمات الاستراتيجية” وكان ذلك المكتب أحد أدوات سقوط الإتحاد السوفيتى ،حيث كان منوط به جمع المعلومات عن أنشطة العدو ،وتحليلها لرفع الروح المعنوية للجنود الأمريكان ،وخفض الروح المعنوية للأعداء، وإستخدمته امريكا فى القضاء على الإتحاد السوفيتى، فالحرب النفسية لم تكن السبب الوحيد لإنهيار الإتحاد السوفيتى ،ولكنها باتت أحد أهم الأسباب فى تفككه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ونجد أن ما تشهده المنطقة العربية الآن ماهو إلا أحد صور الحرب النفسية ، كصورة ناعمة للعدوان الغربى والامريكى عليها، فهى حرب لا تكلف العدو خسائر مادية وبشرية كثيرة كالتى تكلفه إياها الحرب العسكرية ، فكل ما قد يساهم فى تفتيت الهوية الإسلامية العربية يُعد من أدوات الحرب النفسية لبلاد الغرب على الشرق،،

فجوهر هوية أى جماعة فى أدبيات علم النفس السياسى ،ماهو إلا العامل المشترك من السمات النفسية لأفرادها ،كما يدركون انفسهم ،وكما يدركهم غيرهم، وكلما زادت روابط ورسوخ هذه العوامل المشتركة كلما قويت الجماعة وتماسكت، وفى ضعف وإنهيار هذه العوامل المشتركة ضعف وانهيار للجماعة ،،وهذا ما يصدّره لنا الغرب دائما ،فمحاولاته لتغريبنا باتت واضحة للعيان ،بل ايضا إن كل ما يدعو الى التفتيت الطائفى أو المذهبى ماهو إلا محاولة لتفتيت الهوية الأم ،، فهم ينفقون ملايين الدولارات من أجل تفتيت الهوية العربية والاسلامية ،ومن ثم يسهُل القضاء عليها عسكرياً.

لا تستغرب من ذلك فالحرب النفسية ليست قرينة بالحرب المادية أو العسكرية فقط ،إنما تستخدم كبدايات لها ،حتى إن جاءت لحظة الهجوم الفعلى تجد الشعوب جاهزة للتأقلم مع ذلك الغريب المحتل، لا بل هو ليس غريبا ، فنحن سنصبح نحمل نفس ثقافته ومعاييره ولن نجد صعوبة فى التعايش معه ،،

وقد يفسر ذلك لنا ما نشاهده اليوم من أخبار وتقارير أكدت دعم الولايات المتحدة الامريكية للكثير من التنظيمات التى تدعو للطائفية والعنف ،تحت مسمى الجهاد أو الخلافة الاسلامية، والتى قد تكون هى أحد أشكال الحرب النفسية التى تشنها الولايات المتحدة الأمريكية على بلاد العرب، وقد تجلى ذلك منذ بداية ظهور الفكر الوهابى الذى شيع دعم أمريكا له متمثلا فى تنظيم القاعدة ، للقضاء على الاتحاد السوفييتى ،إلى شبهات دعمها للتنظيمات الإرهابية الآن فى كل من سوريا والعراق.

يذكر د. قدرى حفنى –استاذ علم النفس السياسى – بجامعة عين شمس فى كتابه “العنف بين سلطة الدولة والمجتمع” فى هذا السياق قوله: “إن الولايات المتحدة الامريكية قد سعت إلى توسيع نطاق المقاومة الأفغانية للغزو السوفييتى وإن ذلك لم يكن ممكنا إلا إذا اتجهت الحرب الى الماركسية الملحدة ،وكان البديل المنطقى المختار هو التيار الأصولى الإسلامى الوهابى تحديدا،فراحت تبحث عن بطل من نوع خاص، يشترط ألا يكون عميلا امريكيا ،ويصعُب أن تلصق به تهمة العمالة وأن يكون إسلاميا عقائديا متشددا، ووجدت ضالتها فى أسامة بن لادن العربى الوهابى المليونير”(1)

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وإن كنت عزيزى القارئ فى حيرة لتحديد موقفك تجاه مثل هذه التنظيمات أو انك ترى فيها مستقبل للأمة الإسلامية فعليك أن تفكر فى إجابة لهذه الأسئلة:

لما لا يوجد تنظيم القاعدة فى فلسطين وهى ارض الجهاد ضد العدو الصهيونى؟-

-هل اصبحت الولايات المتحدة الامريكية ولايات إسلامية لكى تدعم تنظيمات تهدف لإقامة خلافة إسلامية ؟

وهكذا فإن صحت الشبهات السابقة فسوف تكون مثل هذه التيارات التكفيرية المتشددة أحد اوجه محاولات تفكك وتفتيت الهوية الاسلامية والعربية والتى تهدف فى مجملها الى نفس الهدف الذى تهدف اليه العولمة والتغريب.

المراجع:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

(1) قدرى حفنى (2011)،العنف بين سلطة الدولة والمجتمع،الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة،مصر،ص273،274

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

وفاء محمد

اخصائية نفسية

باحثة فى علم النفس الاجتماعى

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة