مقالات

التجديد وأسئلته التي لا تنتهي؟ لماذا حدث؟ ولما لم يحدث؟

أسئلة لا تنتهي!

بعد كل حادثة إرهابية أو بعد أية أحداث عنف تكثر الدعاوى في أجهزة الإعلام عن ضرورة التجديد في الخطاب الديني، وعن ضرورة أن تنتهج المؤسسات الدينية خطابًا تجديديًا على كافة الأصعدة بدءًا من تغيير المناهج إلى توجيه الخطباء وأفراد الدعوة ثم إلى نهج معين في توجيه الخطب والرسائل الدعوية. فهل ما نحتاجه فعلا هو تجديد الخطاب الديني أم ما نحتاجه هو التجديد في التفكير العربي وتجديد وتجريف الفكر العقيم من العقل العربي؟

أهم شئ هو التجديد؟

ولنعود إلى نقطة البداية ولنفترض أن التجديد قد تبنَّى خطابًا معينًا، فما فائدته إن لم أغير العقلية ذاتها، فإن كان الإناء فاسدًا ومليئًا بالميكروبات والفيروسات، فهل بتغيير ما يحويه الإناء نكون قد قضينا على الفيروس المتوطن ببناء الإناء ذاته؟ هنا المشكل الرئيس وهو أن العقل ذاته متشبع بطريقة تفكير معينة تقليدية متراكمة بتراكم السنين وتراكم التربية والبيئة والتعليم وهي تلك المؤثرات التي تؤثر في اللاوعي الإنساني والتي بناءً عليها ننتهج نهجًا تفكيريًا معينًا؛ فالبنية العقلية تتعامل مع المعلومات الواردة وتعالجها بناءً على ما سبق؛ فالخطاب ذاته ليس المشكل فيه بقدر ما هو المشكل في بنية العقل المتلقي للخطاب، أيًا كان نوعية هذا الخطاب.

والتكوين العقلي أو تكوين الفكر يبدأ مبكرا جدا، يبدأ من مرحلة الطفولة والتربية والتنشئة الثقافية ثم تأتي مرحلة التعليم وما يتلقاه من معرفة، والعقل يتعامل مع الموضوعات بناءً على ما يستخلصه من الواقع الذي هو البيئة الاجتماعية والثقافة المنتشرة داخل منظومة المجتمع، فالثقافة عنصر أصيل في تكوين العقل وحتى يتضح المعنى ونزيل أيَّ لبس يجب علينا أن نوضح المفاهيم التي غالبا ما تكون منشأ النزاعات والصراعات، ونبدأ بتعريف معنى الثقافة؟

تعرف الثقافة بأنها: مجموعةٌ من العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها أفرادُ المجتمع، وأيضًا تُعرَّفُ الثّقافةُ بأنّها المعارف والمعاني التي تفهمها جماعةٌ من النّاس، وتربطُ بينهم من خلال وجود نُظُمٍ مُشتركة، وتساهمُ في المُحافظةِ على الأُسسِ الصّحيحة للقواعد الثقافيّة، ومن التّعريفات الاصطلاحيّة الأُخرى للثّقافة أنها وسيلة تعملُ على الجمعِ بين الأفراد عن طريق مجموعةٍ من العوامل السياسيّة، والاجتماعيّة، والفكريّة، والمعرفيّة، وغيرها من العوامل الأخرى

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فنحن نستاق معرفتنا وطرق تفكيرنا بما هو داخل المنظومة الثقافية الاجتماعية والتي هي متراكمة عبر الأجيال فالبيئة الثقافية إن كانت مبنية على النقد وعلى المعرفة الصحيحة، كان المنتوج الفكري ذا قوة وبيان، وإن كانت البيئة الثقافية معلولة وقائمة على التقاليد البالية وعلى الفكر المتحجر، كان المنتوج الفكري متسمًّا بالضحالة والتقليد الأجوف غير البناء، فترديد ألفاظ ومصطلحات رنانة دون فهم للمسبب الرئيسي للكارثة والمشكلة التي نواجهها، هي مشكلة وكارثة في ذاتها أن نردد دون فهم ودون تمحيص ودون نقد.

فهل الحل هو تجريف الأرض الثقافية ككل ومحوها بالكلية أم نقوم بتهذيبها وتجديد تربتها وإضافة مكونات جديدة بناءة لتلك التربة تزيد من منتوجها وتزيد من محصولها الفكري؟ فالتربة التي نقصدها هي العقل والذي يجب تعاهده دائما بالنقد والتجديد، ونحن هنا لا نريد أن نهدم التراث ونهدم الموروث الثقافي الذي ورثناه أبًا عن جد، ولا ننادي بأن نأخذ نهجًا حضاريًا معينًا كنهج الغرب ونقتات منه ما يلائمنا، فالغرب وثقافته إن أخذ جزءًا وترك جزءًا فهو أمر مغلوط حيث إنه كلٌّ مترابط وشبكة متماسكة تؤثر مكوناتها على بعضها البعض

فالنظام الاقتصادي مرتبط بالمكون الأخلاقي، والنظام الاجتماعي مختلف بالكلية عن نظامنا الاجتماعي؛ نخلص من ذلك أن الحل يكمن بداخلنا ويكمن من منظومتنا الفكرية فنحن بحاجة إلى النقد البناء، النقد الذي يقوِّم البناء المعوج نتعرض للتقاليد والنظم بالنقد ونعرضها على ميزان العقل، هل هي متوافقة مع العقل ومع العلم أم أنها مجرد تقليد أجوف لا ينفع ولا يضر، ومثال لذلك من يتشاءم من أمر معين، إن حدث هذا الأمر فيجب أن يحدث سوءًا وهو موروث توارثناه من محيطنا الاجتماعي

لذا يجب أن نستخدم العقل والعلم إن أردنا النهضة، وهو أمر كان العرب في أوج مجدهم وفي قمة عطائهم للعالم كانوا ينتهجون المنهج العلمي فعندما نحافظ على موروثاتنا النافعة ونزيد عليها نتاجنا الفكري النافع فنحن نضيف ولا نستهلك ولا نقلد بدون وعي، والتغيير البناء لا يبدأ أبدا من الخارج بل يبدأ من الداخل ، يبدأ من الفرد الذي هو مكون أساسي لبنية المجتمع، فكلنا نكوِّن بنية عالمنا، وإن غيرنا ما بأنفسنا سيتغير العالم من حولنا، فلنكن حجر أساس يمكن أن يبني ويعيد صرح الأمجاد بدلا من الجلوس والبكاء على الأمجاد المفقودة.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية

مقالات ذات صلة