فن وأدب - مقالاتمقالات

الأم في السينما .. حضور قوي ثم تجاهل غير مبرر

للأم مكانة كبيرة في المجتمع المصري، هي عِماد الأسرة والتي تحمل فوق كاهلها تربية نشء وتقديم جيل جديد صالح نفسيا وأخلاقيا لقيادة المجتمع في المستقبل، ولأنها عِماد الأسرة ولها دور كبير في الحياة كان من الطبيعي أن تتواجد على شاشة السينما بشكل يناسب أهميتها وأهمية دورها في المجتمع، وشهد دور الأم والمساحة التي تلعبها تغيرا كبيرا يناسب التغيرات التي طرأت على المجتمع وعلى الأم في الواقع، ونستطيع أن نقول أن السينما المصرية حملت توثيقا لدور الأم في المجتمع عبر سنوات طويلة وتغيرات كبيرة.

في بداية السينما المصرية كانت الأسرة هي بطل العمل الفني، والمشاكل التي تواجهه هي القصة والحدوتة، وهو ما سمح لنجمات كثيرات أن يتألقن في هذه الأدوار ويظهرن الأم بشكل قوي وهام، وفي هذه المرحلة غلب على دور الأم نمطين أو ثلاثة لم يتغيروا على مدار عقود طويلة، الأم الحنون الطيبة التي تغمر أبناءها بالحب، وقدمته فردوس محمد وعزيزة حلمي وثريا فخري، والأم المكافحة التي تضحي من أجل أبنائها وأسرتها وقدمته أمينة رزق، ثم الأم القوية المتسلطة وقدمته زوزو نبيل وعلوية جميل وميمي شكيب.

أمينة رزق وفردوس محمد في دور الأم

أمينة رزق في فيلم بداية ونهاية قدمت نموذج الأم الفقيرة التي تكافح لبقاء الأسرة كما هي بعد أن فقدت عائلها وربها، وتنتظر معاش الأب ليحميها من العوز والفقر، وتضطر لبيع فرش الشقة كي تحافظ على تعليم الأبناء، كما قدمت في فيلم أعز الحبايب نموذج الأم التي تعاني من جحود ابنها الذي يطردها إرضاءً لزوجته، حتى يأتي الأخ الأكبر ويستردها،

وفي فيلم التليمذة قدمت الأم التي تحاول السيطرة على ابنتها المتمردة على الفقر، والتي تهرب من البيت لتعمل مغنية في أحد الملاهي الليلية من أجل المال حتى تنجح الأم في استعادتها، وأيضا الأم التي تدفع ثمن انحلال الأب وتخرج من القرية مطرودة مع بناتها في دعاء الكروان.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتعتبر شخصية “أمينة” في ثلاثية نجيب محفوظ هي أشهر أم في السينما المصرية والتي جسدتها آمال زايد، الأم الطيبة الحنون المطيعة، التي تعيش لأسرتها وتعتبر هي عالمها الوحيد.

فردوس محمد قدمت في فيلم إحنا التلامذة دور الأم التي تواجه قسوة الأب تجاه ابنها الوحيد وتحاول الحفاظ على البيت والأسرة، لكن قسوة الأب تجعل الابن يهرب ويتحول إلى مجرم في النهاية.

ولعل المثال الأشهر في دور الأم كان في فيلم أم العروسة، وهنا جاءت الأم بطلة للعمل، أم تواجه مشاكل يومية وحياتية بسبب كثرة الأبناء، ومشاكلهم مع مرتب الزوج الذي لا يكفي لأيام معدودة، ومعاناة الوالدين في تجهيز الابنة الكبرى وتعليم الأبناء، نموذج لأسرة مصرية من الطبقة المتوسطة وما تواجهه من مشاكل يومية.

أمهات بشكل متطور

واستمر نموذج الأسرة المصرية كبطل للعمل الفني في السبعينات مع ظهور أمهات جدد لكن بشكل متطور، كما في فيلم إمبراطورية ميم، الأم المتعلمة التي توازن بين بيتها وأسرتها وبين عملها كمديرة مدرسة، أم تحمل على كاهلها أسرة كبيرة بكل مشاكلها وتفاصيلها اليومية بعد وفاة الأب، وتتجاهل شعورها كامرأة مرغوبة للزواج من أجل أسرتها،

ونيللي في صباح الخير يا زوجتي العزيزة، الأم العاملة التي تبحث عن جليسة لابنها ثم حضانة، ومعاناة التوفيق بين العمل والمنزل، وفيلم استقالة عالمة ذرة لسهير البابلي التي لا تستطيع كأم أن توازن بين مسؤولية البيت وابنتها مع مسؤولية التدريس في الجامعة وأبحاثها العلمية،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مما يضطرها للاستقالة والاكتفاء بدورها كأم، حيث لا بديل لها في هذا الدور، وبجوار نموذج الأم العاملة استمر تقديم نموذج الأم الطيبة الحنون وهو النموذج الذي نحبه جميعا وذلك من خلال كريمة مختار في أفلام السبعينات والثمانينات، أفلام الحفيد، أميرة حبي أنا، يارب ولد، وغيرها من الأفلام التي حافظت على وجود الأم والأسرة في صدارة العمل الفني.

ثم جاء عاطف الطيب ليقدم نموذج الأسرة المصرية والأم في مواجهة التغيرات الاجتماعية التي حدثت بعد الانفتاح، ومنظومة الأخلاق التي تم قتلها عن عمد، حيث قدم الأم القوية الصابرة “ناهد سمير”  التي تواجه كل هذا في أفلام، حب فوق هضبة الهرم، البريء، وأيضا قدمت الأم الفقيرة التي ترفض أموال ابنها تاجر المخدرات في فيلم الإمبراطور.

انحدار دور الأم والأسرة

ومع بداية التسعينات وظهور موجة الأفلام الكوميدي والأكشن اختفت الأسرة المصرية من على الشاشة نهائيا، وتصدر العمل الفني البطل الخارق والعصابات، حيث المطاردات والقتل والعنف المنسوخ من السينما الأمريكية، أو البطل الكوميدي خفيف الظل، وظهر الأب والأم بشكل ثانوي ودون أي أهمية درامية، وتصدر هذه المرحلة كل من حسن حسني وهالة فاخر، لكن دون أي حضور درامي مؤثر.

ومع بداية الألفية وظهور أفلام العشوائيات والبلطجة عادت الأم للظهور في الأعمال الفنية، ولكن ظهرت بشكل سيئ وغريب علينا، حيث ظهرت الأم تحمل السلاح وتمارس البلطجة وتستخدم نفس مفردات البلطجة من سب وإيحاءات (اللمبي، كلم ماما، عودة الندلة، سيد العاطفي)، وكانت بطلة هذه المرحلة عبلة كامل رغم ما قدمته من أعمال جيدة في التليفزيون.

غياب الأم عن السينما عوضته الأعمال التليفزيونية، حيث ظهرت بمساحة أكبر في بعض الأعمال التي شهدت تألق كل من هدى سلطان ثم عبلة كامل وسوسن بدر وسلوى عثمان، لكن تراجع مرة أخرى مع دخول أعمال الأكشن والمخدرات إلى التليفزيون، ولكن استمرت الأسرة موجودة في عدد من الأعمال، وزاد في الفترة الأخيرة بعد زيادة جرعة العنف والبلطجة في الأعمال الفنية سواء سينما أو تليفزيون حتى أصبحنا محاصرين من كل اتجاه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي النهاية نجد أن السينما المصرية نجحت في البداية في تقديم دور الأم بشكل جيد وهام يناسب أهميتها في الأسرة المصرية والمجتمع المصري، لكن تجاهلت وجودها بحثا عن الإيرادات من خلال أفلام الأكشن والكوميدي، ثم انحدرت إلى السوقية من خلال أفلام البلطجة والعشوائيات وقدمت صورة سيئة للأم ولكنها اختفت مؤخرا بعد أن استنكرها الجمهور المصري.

اقرأ أيضاً:

لماذا خذلت السينما المصرية قضية فلسطين؟

الدفع مقابل خدمات الأم

لما أصبحنا نستنكر دور الأم؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة