علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

الآداب

إنّ تأديب النفس وتعويدها على الصفات الحميدة والخِصال المُرضية لا تأتي بسهولة، وإنما تأتي بالثقافة الواسعة، والقراءة في الآداب للأقدمين وسِير الأولين، وتعلُّم فن الحياة وفن التعامل والتواصل مع الغير، وإنزال الناس منازلهم ووضعهم في المكانة اللائقة بهم والتي يستحقونها.

ولهذا نلمس صفة التواضع في المحادثة والحوار بين الصينيين بعضهم البعض، فمثلًا لا يقولون: أنا، وأنت، أو عبدك وسيدي، بل يقولون: “عبدك الخاضع الفقير غير الجدير بأن ينتسب إليك”، وعندما يخاطِب أحدهم آخر ويسأله عن ابنته فيرد عليه قائلًا: “كيف هي مولاتي وسيدتي بنتك الجميلة؟” فيجيبه: “خادمتكَ التي لا تستحق أن تنتمي إليك حالها كذا وكذا”، وإذا ذكرَ بيته فلا يسميه إلا كوخًا صغيرًا ولو كان قصرًا عظيمًا.

ومن الآداب والإحسان صيد السمك بالشِصّ (أي بالصِنّارة) لا بالشبكة، وصيد الطير بالسهام إذا طار في الجوّ وعدم الصيد إذا بات في عُشّه، إنها الإنسانية في أعلى مراتبها والشفقة في أسمى معانيها، وهذا يدل على الرحمة حتى في صيد الأسماك فلا يصيد بالشبكة حتى لا يصيد الكثير من الأسماك، وكذلك لا يصيد الطائر إذا باتَ في عُشّه وبيته لأنه يكون آمنًا مطمئنًا.

الأدب مفتاح كل خير

إنّ الآداب تأتي بالتأدب وتربية الفرد لنفسه ولغيره، فالأدب تطبيق عملي وليس تنظير كلامي سفسطائي، ولذلك يلفت كونفوشيوس نظرنا إلى عدة أشياء فيقول: “مَن لم يكن له سماحة إذا تولى الرياسة، ولم يكن له احترام إذا اشترك في الحفلة، ولم يكن له كآبة إذا شيّع الجنازة فأنّى أجد فضله؟”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكثير من الناس أصبحوا قضاة وحكّامًا على غيرهم، يقولون مثلًا: “هذا حَسَن وهذا قبيح، هذا جيد وهذا رديء”، وهكذا وكأنهم يقفون فوق بُرج عالٍ ويُلقون التُّهم على غيرهم، ويطلقون عليهم صفاتًا وعيوبًا ونقصًا وتقصيرًا، والصواب أن يُراجع الإنسان نفسه ويضبطها، كما قال الحكيم: “يا لهفي! ما رأيت مَن ينظر إلى ذنوبه فيحاكم نفسه في السّر”.

إننا نقابل أصنافًا وألوانًا من البشر، ما بين إنسان سهل طيب، أو صعب خبيث، أو الساذج إلخ، ونحن مُطالبون بأن نتعامل مع جميع الناس كلٌ حسب عقله وفكره وثقافته وفَهْمه، والشخص الجيد هو الذي يتعلم من التجارب والخبرات والأشخاص، وكما يقول الحكيم: “كلما سِرتُ مع رجلين وجدتُ لنفسي أستاذيْن: مَن له فضائل فهو قدوتي، ومَن له رذائل فهو عِبرتي”.

وبملْمَحٍ بسيط إلى الأدب نجد أنه مفتاح كل خير وميزان الأخلاق والمعاملات والسلوك، فالأدب يوجه الشخص ويأخذ بيده إلى الفضائل، ولهذا يصبح الاحترام من غير الأدب مُتعِبًا، والحذر من غير الأدب جُبنًا، والشجاعة من غير الأدب عصيانًا، والصراحة من غير الأدب خشونة.

تفكر قبل أن تتحدث

إنّ لكل عصر من العصور مميزاته وعيوبه، وفضائله ورذائله، لا شك في هذا، ولكن المتقدّمين كانوا يمتلكون الأخلاق والهدوء النفسي والمعاملة الحسنة والود والحب والثقافة وإن كانت بسيطة في أشكالها مؤثّرة ناجعة في تطبيقها.

وكونفوشيوس من أكبر الدّاعين إلى التمسك بما كان عليه السلف الأقدمون، وأن البعض يصفهم بالسذاجة والغباء والحُمق والبلادة، ولهذا يقول: “زعم الناس أن المتقدمين ساذجون في الآداب والموسيقى، والمتأخرون مثقفون بالآداب والموسيقى، ولكن لو سنحت لي فرصة لاستعمالهما لاتبعت المتقدمين”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقد كثر النقّاد والمحللون والخبراء والناشطون والمُنظّرون الذين لا يفقهون في تخصصهم _فضلًا عن تخصص غيرهم_ فلو شغلوا أنفسهم بعملهم فقط وأخلصوا فيه لأنتجوا واستفادوا وتقدم مجتمعهم، وقد جاء في الحكمة الصينية: “أدر لسانك في فمك سبع مرات قبل أن تتكلم”، ويعني هذا أن الإنسان يفكّر ويمضغ كلامه قبل الحديث.

اقرأ أيضاً:

الزهد في الثقافة الصينية

كونفوشيوس الحكيم التربوي

فلسفة التسامح

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة