مقالاتأسرة وطفل - مقالات

جفاء ضد والده: اعتذار غير مقبول يا أبي لن أسامحك ما دمت حيا!

شجار الوالد مع ابنه

يختلفان حول أمر، تحتد الأصوات، ينقلب مجرد الاختلاف لشجار بين الوالد وابنه، تنفرد الأم بزوجها لتطلب منه إصلاح الأمر مع ابنها الحبيب الذي قد لا تراه مجددا أو أحفادها المستقبليين. يذعن الوالد لرغبتها وقد عزز موقفها مسبقا حدة طباعه مع ابنه.

يتصافيان، يحاول الوالد محاورة ابنه مجددا متحببا إليه، تثور ثائرة الابن، ويصفع والده أو بالأحرى صفعني قبلها برده الجاحد أو المتمرد في هذا المشهد الذي شاهدته في فيلم أجنبي، ولك قارئي أن تختار بين الصفتين، “اعتذارك غير مقبول!”، يرمي ما بيده ويترك والده واقفا حيث هو تكبل رجليه الحيرة والحزن.

إن المنهجية المادية التي تصبغ رقعة ليست بصغيرة من أفراد المجتمع الغربي إن لم تكن قد صبغته كله قد لا تقف عند هذا الموقف كثيرا، فالفرد المصطبغ بمثل هذه المنهجيات بطبيعة الأمر إذا تقرر نضجه قانويا في سن الثامنة عشر، له أن ينفصل عن والديه، وعن ولايتهما، وله حتى أن يعصيهما  فيما يريانه ولو كان هو على خطأ؛ بذريعة الحرية الفردية التي يتغنى بها ليل نهار، نعم قارئي الموقر طالما اختفت الأنا الشهوانية تحت ثوب هذه الكلمة المفترى عليها «الحرية الفردية»، ولكي يكون كلامي دقيقا، تحت ثوب هاتين الكلمتين، فـ «الفردية» الضالة هي من أودت بقرينتها على الأرجح.

الأنا والنزعة المادية

لكن الحقيقة تأتي لتظلل بأجنحتها الأفئدة والعقول للباحثين عنها وحدها، وهي فقط ، لتكشف لنا الجانب المزيف في الأمر؛ ليسقط القناع: أيُ حريةٍ ساميةٍ هذه التي من أجلها يُبَرر رضوخ الإنسان لحكم الأنا في نفسه، وانفلاته من حدود القيم الأخلاقية والمبادئ الفطرية والواجبات الغريزية التي تفرض عليه لحظة أن يوجده الخالق القدير في رحم أمه؟؟!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لحظة ابتسام الوالد يوم رآه للمرة الأولى، لحظة أن يخرج ليرى الكائنين الذين اختارهما خالقه ليمر عبرهما لمحطته الأولى: الدنيا، وقتها يخرج وتخرج معه واجباته اتجاههما شاء أم أبى، محتمة عليه، بموجب أنه لم ليكن ليرى النور وحده.

تأتي القوانين الوضعية المخاصمة لهذه الفطرة لتلغي كل ذلك ببساطة وتسقطه وقت أن يبلغ الثامنة عشر، تأتي لتسقط أي واجب في طاعة أو مودة إذا رغب هذا اليافع المتحرر أن ينحو في نحو يخالف والديه.

تأتي لتسقط بسلطتها فطرة جميلة! كالامتنان للجميل، التراحم، المودة، لحظة أن تسود الأنا وتضع طوقها حول عنق هذا الإنسان المغيب من وقت أن اختار إيقاف زر التشغيل الفطري والعقلي والروحي، هنا فقط تكشر الأنا عن أنيابها، عندما نستسلم لها كليا، لنرى القيم والأخلاق تحزم أمتعتها راحلة إلى غير رجعة إلى حيث تجد في الأفئدة والنفوس متسعا لها وترحيبا بها،  ترحل و يُترك المجتمع ليتوغل في وحل الانحلال والفساد السلوكي، فأنت قارئي الفاضل بالطبع ليس لك أن تتصور مجتمعا منضبطا إذا تفككت نواته الأولى، ألا وهي الأسرة.

قارئي العزيز… لأجعل لكلامي هذا تتمة وأحفظك ووساوس نفسي من الشك، يتوجب علي أن أسلط الضوء على أمرٍ أراه جوهريا من حيث أهميته في ضوء تعليقي السابق على المسألة.

الاتزان هو المطلوب

إنني فيما سبق وبكل وضوح جلي لم ولن أعني إلغاء معنى الحرية، أو الاستقلال الفكري، وحق اتخاذ الفرد قرارته الشخصية، وحقه في صنع أحلامه .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنني على تواضع قلمي سأقف في وجه الديكتاتورية الفكرية التي تصادر حق التفكير، وحق التخطيط العاقل لكل إنسان، والتي قد تسيطر على عقول بعض الآباء تجاه أبنائهم، وتتمادى بهم في كل مذهب حتى تطغى عليهم فكرة أن أبناءهم لا حق لهم في اتخاذ قرارات أو صياغة أحلام طالما تعارضت مع آمالهم هم لأبنائهم.

لقد كان وسيكون موضوعي هنا عن الانقلاب في الموازين الفطرية، واستلاب الأنا بكل غطرسة واجبَ الامتنان والاحترام والحب والرحمة تجاه آبائنا وأمهاتنا تحت مظلة الاستقلال الفردي والحرية الفردية المزيفةِ المعنى والمضمون كما حاولت التوضيح سابقا.

إن القيمة الأخلاقية إذا كانت في نفسها تتنافى مع قيمة أخرى فهي بالأحرى شر مُتَخَفٍّ في ثوب الحق، فالحق لا يتعارض مع بعضه، ولا يتخذ سبلاً متعددةً، إنما هو حق واحد.

لعلي أسمح لنفسي أن أستعير هنا كلمات الشيخ محمد الغزالي لأوضح لك جوهرالقيم والفضيلة الحقيقية، يقول رحمه الله:

(إن تلويث الفضيلة بأقذار الهوى عدوان على منزلتها ومحاولة متعمدة لإسقاط قيمتها) وهو ما يصف تماما ويخلُص مباشرة لغايتي من هذا المقال: قيمة الحرية الملوثة بنزعات الإنسان المادية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ختاما عزيزي القارئ: أنا أكون بكَ، ونحن نكون بكم، وسقوط الأخيرة بلا شك سيتبعه سقوط الأولى.

اقرأ أيضا

لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه

بعد فضيحة الفيسبوك… ما هو مصير المعلومات المسروقة؟

أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

نورهان خليل

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة

مقالات ذات صلة