إصداراتمقالات

اصنع سفينتك

جَزيرةٌ مُنعزلة ترسو عليها طائرةٌ مُحطمة وطاقمها المكون من ثلاثَةِ أفراد.

رأى أولُهُم بقايا سفينةٍ صغيرة لا يعلم ماذا أتى بِها إلى تِلكَ الجزيرة لكن ليس هذا ما يَستحق التفكير الآن، هرع إليها وشرع فى إصلاحِها كي ينجوا بنفسِهِ من تِلكَ المحنة.

لكن لأن تِلكَ السفينة لن تتسع للجميع، اتجه الثانى صوب جِزعِ شجرةٍ وجده أمام عينيه، لم يشغل باله كثيرًا بحالة الجزع السيئة لأنه ظن أن جُهدَه لن يكفى للبَحثِ عن آخَرَ أفضل منه، ثم شَرَعَ فى بناءِ سفينته الخاصة.

أما الثالِثُ فانطلق بحثًا عن شَجَرةٍ أفضَلُ حالاً، لكنه بعد أن وجدها لم يستطع البدء فى صناعة سَفينة نجاتِهِ لأنه لم تكن لديه أى فكرة عن صِناعة السفن فاتخذ من حَظهِ خليلاً راجياً منه ألا يخذله فى محنته تلك، ثم بدأ فى صناعةِ شيئًا يُشبِهُ السفن التى لطالما رآها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أبحَرَ ثلاثتُهُم، لكن وبعد دقائِقَ معدودةٍ ظَهَرَ عيبٌ فى السَفينةِ الأولى لم يكن فى حسبانِ صانِعُها فبدأت فى الغرق مع صاحِبِها الذى نَدِمَ على ثِقتِه العمياء فيما تركه له من سَبَقَهُ دون بحث وتحقق.

وأما السفينة الثانية فلم تستطع تحمل الأمواج نظرًا لردائة الخَشبِ الذى صُنِعت منه، فتمنى صاحبها لو أنه صبر وانتقى جِزعًا أفضل، لكن فات الأوان.

وأما السفينة الثالثة فقد غَرِقت على الشاطئ لأنها لم تُبنَ بطريقةٍ سليمة، وتركت صاحِبُها غارقًا فى جَهلِهِ لا يعلم كيف سيخرُجُ من تلك الجزيرة.

فهل ستُبحِرُ سفينتك؟

هل ما نظنه حقيقةً هو بالفعل حقيقةً مطابقةً للواقع أم أنه جهلاً مركباً، جهلٌ بالحقيقةِ وجهل بجهلنا؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الوصول إلى الحقيقةِ يلزمه يقينٌ تامٌ بما وصلنا إليه؛ لأن تلك الحقيقة ستدخل فى بناءِ حقيقةٍ أخرى، وتلك الأخرى ستدخل فى بناءِ حقيقةِ تليها إلى آخر الحياة، فإذا لم تتصف كل حقيقةٍ نصلُ إليها  فى رحلتنا الفكرية باليقين التام ستجعل البناء الفكرى كله هشًّا وعرضةً للانهيار إذا ما ثَبتَ بطلان أيًّا مما نظنه حقيقة.

إن الوصول إلى الحقيقة كبناءِ تلك السُفُنِ سالِفةَ الذكر، يلزمه خطواتٍ ثلاث حتى تستطيع سفينتك مُجابهة الأمواج والانتقالُ بك من جزيرة الجهل إلى جنةِ المعرفة.

الشك

لا تَثِقُ فى كلِ ما تَركَهُ لك الأولون، فمن الخطورةِ بما كان أن تشرع فى البناءِ على أساسٍ لم تصنعه أنت، ولم تتحقق من قوته ومطابقته للواقع فلربما كان بِهِ عيبٌ يودى برحلتك الفكرية كلها.

انتقِ مادتك

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما موادُ البناءِ الفكرى فتتمثل فى مفهومِكَ للأشياء، فإن كان مفهومك لمكونات قضيةٍ ما مُطابقًا للواقع كانت مادةَ البناءِ قويةً بما يكفى لِتصل إلى الحُكم السليم فى تِلكَ القضية، وأما إن كان غير ذلك فمن البداهةِ ألا يكونُ حكمك سليمًا.

فعلى سبيل المثال، إن كان مفهومك عن تعريف السيارة أنها مكانٌ للسكن، فسيكون حُكمَكَ على أفضل سيارات العصر بأنها سيئة نظرًا لصِغرِ حجمها وعدم صلاحيتها للسكن، وهكذا فى كل قضيةٍ تتطلب منك حكمًا، إن كان مفهومك خاطئًا فلن يكون حكمك صائبًا بأى حال.

تَعلم كيفية البناء

فبعد أن انتقيت مواد البناء وتيقنت من صحتها ومطابقتها للواقع، يأتى دورُ التأليف بين تلك المواد لكى تصل إلى الحقيقة، فبدون معرفة كيفية البناء ستبقى فى جزيرة الجهل عاجزًا عن إحراز أى تقدمٍ يُذكر، وإذا ألفت بين موادك على غير الهيئة الصحيحة فإما أن ينهار بناءؤك الفكرى أو أن تَصِلَ إلى غير الحقيقة فتحيدُ عن الغايةُ الكبرى.

فإذا وصلت إلى الحقيقة، أبحر من جزيرة الجهل وانتقل من حقيقةٍ إلى أخرى صوب جنة الدنيا، المعرفة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عبد الله عامر

مهندس

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة