قضايا شبابية - مقالاتمقالات

الزواج هكذا يجب أن يكون .. الجزء الثاني

إن الزواج في حقيقته عامل لإيجاد السكن والاطمئنان النفسي والعاطفي للطرفين، فعلى الرغم من الدعوات المناهضة للزواج فإن الطبيعة الإنسانية ترفض تلك الدعوات، ويسعى الشباب والفتيات إلى الوصول إلى مرحلة الزواج والاستقرار، فهذا أمر مفروغ منه رغم كل السلبيات التي تطرح حول موضوع الزواج، تلك السلبيات التي أوجدناها نحن نتيجة سيطرة نمط الحياة المادية الاستهلاكية على طريقة معيشتنا، أما الزواج نفسه فكله بركات ومميزات.

الإنسان دائمًا يبحث عمن يلجأ إليه خصوصًا بعد فترات التعب، وما أجمل أن يلجأ الزوج إلى زوجته وتلجأ الزوجة إلى زوجها ويهوِّنا على بعضهما مشاق الحياة وتعبها، فالرجل في معترك الحياة يحتاج إلى لحظات سكينة كي يتمكن من الاستمرار، وما تلك اللحظات غير التي يقضيها وسط أسرته الصغيرة في بيئة مفعمة بالمحبة والحنان مع زوجته وأولاده، كذلك المرأة في حياتها تواجه أزمات ومشكلات سواء أكانت مشغولة خارج بيتها أو كانت داخله، فإنها أحوج ما تكون أيضًا إلى السكينة والراحة والاعتماد على شخص موثوق، وليس هو إلا زوجها.

إن المساعدة الحقيقية بين الزوجين أن يزيل كل منهما الهموم عن قلب صاحبه، فكل إنسان معرض للهموم في مسيرة حياته، فقد يتعرض إلى مشكلة أو عقبة تزيد من همه، وعلى كل من الزوجين في هذه الحالة أن يسارع إلى تقديم المساعدة لشريك حياته، فكِلا الزوجين عون للآخر، كذلك كِلا الزوجين زينة لبعضهما فالزواج يحصن الرجل والمرأة من الانحراف.

بالنظر إلى الفوائد العظيمة للزواج على الطرفين من سعادة واستقرار ومودة إلا أن أهم فائدة ترجى من الزواج هي تكوين الأسرة، خصوصًا لو علم كل من الزوج والزوجة الأسس السليمة لبناء أسرة عاقلة، تكون فرحة لهم ولبنة في بناء مجتمع سليم مستقبلًا، إذ تُعَد الأسرة أهم بيئة في تشكيل الإنسان وتكوينه النفسي والسلوكي والذي سيترك تأثيره على المجتمع كله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

علماء الاجتماع على اختلاف مذاهبهم وتباينها يجمعون على أن الأسرة هي عماد المجتمع، وأنها إذا قامت على أسس سليمة استقرت أحوال المجتمعات، وإذا اضطربت أحوال الأسرة اضطرب المجتمع واختل توازنه، فسلامة المجتمع من سلامة الأسرة، كل هذه الأهمية للأسرة لا يمكن أن تتحقق تحققًا صحيحًا إلا بالزواج القائم على مراعاة كل من الزوج والزوجة حقوق بعضهما، وكان لهما أخلاق حسنة، وانسجام أحدهما مع الآخر وتفاهمه، وواجهوا المشاكل معًا واهتموا بتربية أطفالهما، كل ذلك سينعكس بالإيجاب على المجتمع.

إذا لم توجد الأُسرة لم توجد المرأة الصالحة ولا الرجل الصالح ولا الأخلاق، ولا تنتقل التجارب الحسنة والقيّمة إلى الجيل القادم.

إن مجتمعًا بلا أسر سليمة وعلاقات زوجية مستقرة بالأساس مجتمع يعاني من مشكلات كبيرة يصعب إيجاد حلول لها، فهكذا مجتمع يكون مفككًا يسهل التأثير عليه من أي ثقافة وافدة عليه، وتستطيع بسهولة تغيير قيمه وعاداته، فالمجتمعات التي لا تقوم على أسر مترابطة ومتماسكة لا تنتقل فيها المواريث الثقافية والفكرية والأخلاقية من جيل إلى آخر بسهولة ولا التربية السليمة بسهولة أيضًا، والمجتمعات التي ضعفت فيها الأسرة أو انعدم فيها الزواج الحقيقي الذي ينتج الأسر العاقلة والواعية، في هكذا مجتمعات تكون المشاكل النفسية والأخلاقية أكثر بكثير من المجتمعات التي تكون الأسرة فيه مستقرة ومترابطة نتيجة حياة زوجية سليمة.

الأُسرة هي المحيط الآمن الذي يستطيع فيه الأب والأمّ والأبناء أن يُحافظوا على سلامة أرواحهم وفكرهم وأذهانهم ونموها، وعندما تضعُف الأُسرة فإنّ الأجيال المتعاقبة تكون في خطر، فالأسرة منبع للثقافة السليمة ودوامها والمحافظة عليها، إذ تنتقل الثقافات والحضارات وحفظ الأصول والعناصر الأساسيّة لحضارة المجتمع وثقافته إلى الأجيال من خلال كيان الأُسرة، وما تتعرض له أغلب المجتمعات اليوم من ضعف في بناء الأسرة يرجع إلى أسباب متعددة من أهمها غياب الأسرة الكبيرة “العائلة”، والتي كانت تضم أجيالًا متقاربة من الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة، فكانت التجارب والثقافة والعادات تتناقل بسهولة فيما بينهم ويحافظ عليها وتصان من العادات والممارسات الدخيلة على المجتمع.

في الزواج استعادة للنشاط والحيوية، فمع وجود التفاهم بين الزوجين يستطيع الرجل والمرأة أن يستعيدا نشاطهما ويعدان نفسيهما لمواصلة رحلة الحياة بجد ونشاط، فالحياة كفاح وتتطلب جهدًا كبيرًا للتغلب على الصعوبات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية، وما أجمل أن يرافق الإنسان في تلك الرحلة شريك يحبه ويحافظ عليه ويمد يد العون له ويشاركه رحلة التغلب على تلك الصعوبات، ولا يجد الإنسان أفضل من شريك حياته الزوجية كي يكمل معه تلك الرحلة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يجب أن يعرف كل من الرجل والمرأة أن لهما أدوارًا تكاملية وليست تنافسية داخل الحياة الزوجية، تلك القضية في غاية الأهمية، فلكل منهما دور أساسي في حفظ هذا البناء الثنائي والذي يزداد تدريجيًا بعد ذلك، يجب اجتناب كل ما يعكر صفو الحياة الزوجية والأسرية، فكل الخيرات في هذا الاجتماع تعود بالنفع على الرجل والمرأة والأبناء وليس على أحدهما دون الآخر.

هنا نصل إلى السؤال الأهم في بحثنا، ما مواصفات شريك الحياة؟

عندما تسأل بعض الشباب عن سبب تأجيل الزواج يقول بكل سهولة لم أجد بعد الشريك المناسب، ورغم أهمية تلك الإجابة ومحوريتها فإن سببها غالبًا يكون المثالية التي يعيش فيها هذا الشخص، وهنا يجب أن نؤكد على أهمية الاختيار السليم لشريك الحياة، لكن في نفس الوقت يجب أن يكون الشباب اليوم على درجة من الوعي تجنبهم المثالية المفرطة في أمر الزواج.

ما يجب التأكيد عليه في مقابل مفهوم المثالية هو مفهوم “الكفء”، تلك الصفة التي تعد في الحقيقة الصفة العامة للاختيار.

الزواج الناجح ما يكون أحد أطرافه كفئًا للآخر، والكفاءة عبارة عن الإيمان بنفس المبادئ السليمة حول الحياة والزواج والأسرة… يعملان سويًا ضمن هذا الإطار الاعتقادي، وقد يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة في هذا الإطار، وهذا لا إشكال فيه ما دام يؤمن كل منها بتلك المبادئ، فالتفاوت هنا أمر واقعي، وعلى الطرفين تقوية بعضهما في نقاط الضعف بنفس قيم المودة والرحمة القائمة عليها العلاقة، ما دام لا يعاند أي طرف في سلامة تلك القيم العليا التي جمعتهما، ألّا تكون المرأة بذلك المستوى فلا إشكال في ذلك، بل عليها أن ترقى بنفسها إلى ذلك المستوى، أو يمكن أن تكون المرأة متفوقة على الرجل، فعلى الرجل أن يوصل نفسه إلى مستواها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

من هنا يجب الحذر من الزواج من صاحب الخلق القبيح، فإنه لا يراعي شريك حياته ولا يحترمه ولا يقدر تضحياته، كما يجب البعد كل البعد عن تلك المعايير القائمة على البعد المادي فقط، هذا البعد إن كان المعيار الوحيد تحولت الحياة الزوجية إلى سلعة تجارية تتبدل وقد تنتهي بتغيير الظروف المادية، وهذا للأسف الشديد من أكثر السلبيات التي تعاني منها الحياة الزوجية هذه الأيام، لأنها كانت قائمة على المعيار المادي فقط.

إن معيار الكفاءة يختصر كثيرًا من الكلام حول مواصفات شريك الحياة، والذي يجب أن يقوم على الوضوح والعقلانية والصدق التام بين الطرفين، لأن الخداع في هذا الجانب سيدفع ثمنه عاجلًا أم آجلًا كِلا الطرفين، مما قد يدفع لانتهاء الحياة الزوجية وتحمل سلبيات هذا الانفصال وضرره.

إذا عرفنا وفهمنا هذا المعيار الهام والذي يغيب عن غالبية شبابنا اليوم، وإذا عرفنا ضرورة الزواج وأهمية تشكيل الأُسرة وخطورة تدميرها وعدم الحفاظ عليها، يبقى الآن السؤال المطروح: كيف يستمر الزواج سعيدًا؟ وكيف نستمر بالأُسرة على طول الخط؟

البدايات دائمًا تكون جميلة وممتعة فيرى الإنسان كل شيء جميلًا، وبعد أن يتعرف إلى طبائع الطرف الآخر تنكشف له النواقص ونقاط الضعف تدريجيًا، وهذا ما لا ينبغي أن يؤدي إلى فتور العلاقة فيما بينهما، لأن ذلك بكل وضوح أمر طبيعي يحدث للجميع، وهنا يجب أن نتعامل مع ما هو قائم بالفعل بمنطقية وحكمة، لا بد من التوافق رغم وجود هذه النقائص بين الطرفين، ما دامت أنها لا تمس القيم العليا التي جمعتهما، لأنه في النهاية ليس هناك رجل مثالي وبلا عيب، ولا امرأة مثالية بلا عيب.

ويبقى السؤال قائم كيف يستمر الزواج سعيدًا؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يتبع…

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

العزوبية أفضل أم الحياة الزوجية؟

كيفية حل مشكلة الطلاق

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة