مقالات

احذر

يا صديقي، كن عزيز النفس، مرفوع الرأس، أبي الهامة، معتدل القامة، لا تقبل ضيما، ولا تكن هيما، أبيا شامخا، ومعطرا مضمخا، تسير والثريا، وتنطلق مذكورا سميا، وتعيش سامقا رضيا.

ولتكن على حذر ممن يتعالى عليك، ويرى نفسه فوقك، وكأنه قد أوتي من كل شيء ما لم يؤت أحد من العالمين، فينظر إليك شذرا، ولا يحدثك إلا هذرا، قد بانت سوأته، وظهرت خبيئته، لا يراك إلا وغض من قيمتك، وقلل من شأنك ومكانتك، يحدثك وقد شمخ بأنفه، ولا ينظر إليك إلا بطرفه، قد امتلأت نفسه صلفا، وحشي قلبه تكبرا وتكلفا، قد نبث حديثه، ونتن خبيثه،

يمشي ولسان حاله يقول، وينطلق وكأنه على الناس يبول، قد تضخم حتى ورم، وانتفخ وما سأم، فالناس عنده خدم، وما سواه فقد وعدم، وهو النور وغيره ظلام مدلهم، يتمايل في كلامه، ولا يتورع عن ظنه وملامه، فهو القطب الفرد، والواحد الصمد، إشارته أمر وقدر، وكلامه واجب وخبر، وغيره دني محتقر.

ارفق بنفسك

فإياك يا صاحبي أن تتعامل مع هذا الصنف المغرور، والمستهتر المنكور، والمتكبر البعرور، فابتعد عنه –رعاك الله– حتى وإن كان عنده ماء المحاياة، ولا تقترب منه وإن ملك الحياة، فالموت عزا أفضل من نيل مأربه، وطلب خيره ومؤونته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وإذا صادفك يوما فقل له دوما لماذا تتكبر عليَّ، وتتعالى لدي، فأنا وأنت قد خلقنا الله سواء، وكلانا لبعض داء ودواء، برأني الله لك، وبرأك لي، وأنا وأنت في الخلقة متساويان، وإذا كان الله قد فضلك في الوظيفة الإدارية فنحن سواسية في الإنسانية، فلا تنس أصلك، ولا تتغافل عن وسمك،

تحدث معي باحترام حتى وإن وصلت الغمام، فما أنا من طين، وأنت من لجين، وما أنا صفر اليدين، ولا أنت قد نلت الحسنيين، وما أنا فحمة، ولا أنت فرقد، ولا أنت أترج، ولا أنا غرقد، وما أنت من السادة العلياء، وما أنا من السفلة والدهماء، فخفف من غلوائك، وارجع إلى دربك وصوابك، فإن خير الناس من تواضع لله، وتوكل على مولاه، وسار راجيا رضاه،

ومشى بين الناس جابرا للخواطر، محتملا عنهم المخاطر، قد لان كلامه، وحسن منطقه وبيانه، لا يرتفع عن الناس، ولا يتعالى عن الخلق، سريع إذا طلب، رحيم إذا اقترب، يهوى الناس، ويرتفع عن الوسواس، لين الجانب، سهل الخليقة، قريب المأخذ.

فيا هذا، أما آن لك أن تنعتق من كل ما يؤذيك، وأن ترحل عما يضرك ويرديك، وأن تطلِّق ما يتعبك ويؤذيك، وأن تبتعد عما يشينك ويكويك، وأن تولي وجهك إلى ما يريحك وينجيك، وأن تخط مداد الصلاح على قرطاس الفلاح، ثم تنيخ ناقة الهدوء والاسترواح على أرض الشقاوة والبراح؟!

ولعمري، فما هذي الحالة التي تشرنقت فيها، وتقوقعت حولها، فتسربت داخلك، وتماهت في ثناياك، حتى غدوت معلقا في خوف لا ينفد، وذعر ممتد، وعجز لا ينقطع، وبؤس لا يمتنع، وضعف قد تسربل بذاتك، ويأس قد تلبس حياتك، وهم قد حاصرك، وغم قد ناصرك وبادرك، وشؤم يطبق عليك، وعمى قد غطى قلبك وعينيك، وفقر قلب قد أتى إليك وبين يديك؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يا هذا، ارفق بنفسك، وهون على ذاتك، وأرح قلبك، فإن الله الجميل لا يرضى لك العذاب، ولم يكتب عليك العناء أو الضراب، فقر عينا، واهدأ بالا، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك!

اقرأ أيضاً:

المتلونون

النفاق من المسرح إلى الحياة العامة

الكذب والدونية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب

مقالات ذات صلة