مقالاتقضايا شبابية - مقالات

رسالة لألئك الذين يظنون أنهم محور الكون…

الفرق بين أن تعشق و لا تعيش هذه الحالة

قرأت بيتا شعريا في وصف مكانة الحب والفرق بين من جربه وبين من لم يجربه، وكان البيت يقول:

إذا أنت لم تعشق ولم تدْرِ ما الهوى *** فقم فاعتلف تبنًا، فأنت حمار

وقال شاعرٌ آخر مجوّدًا:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إذا أنت لم تعشق ولم تدْرِ ما الهوى *** فأنت وعيــرٌ في الفــلاة سـواء

فجعل الذي لم يجرّب الحب والعشق ليس فقط في مقام البهائم، ولكنه بالإضافة لذلك تائه في صحراء قاحلة، لم ينل مكانة ولا رغد عيش.

هل تعبر الأبيات عن العشق المعروف؟

وبعد أن ضحكت قليلا استعدت اتزاني ووقاري وانتبهت إلى أمور هامة. هذه الأبيات ربما لا تعبّر عن الحب والعشق قدر تعبيرها عن ظاهرة سلبية متوارثة في بعض المجتمعات: لماذا نقوم بتسفيه من لم يسِر في نفس طريقنا، ويمر بنفس خبراتنا؟ أيّ شعور بالتميز هذا الذي يمكن أن نجنيه من معايرة الآخر بحرمانه مما عرفناه أو ذقناه؟

هذه الظاهرة بالطبع ليست مقتصرة على تلك الأبيات، ولكنها متفشية بشكل خطر في المجتمع، تتخذ ذريعة للتفرقة بين “نحن” والآخرين الأقل حظا، قليلي الذوق، الذين يعيشون في غيبوبة ورؤيتهم للحياة ضحلة وخاطئة.

الانبهار الساذج

هذا الانبهار بشيء وجعل قيمة كل شيء آخر مهملة إذا قورنت به إن دل فإنما يدل على عدم الوصول للنضج في التفكير؛ إنه يشبه تفكير الطفل المدلل الذي اعتاد أن يكون مصب رعاية واهتمام الآخرين، قبل أن يختلط بالعالم ليكتشف أنّ هناك آخرين ذوي اهتمامات ومهارات مختلفة، وأنه ليس في الحقيقة مركز الكون، من المفترض بعد ذلك أن تبدأ رؤيته في تدريجيا في النضج، قد تجده يسعى للالتحاق بثقافة ما ذات جاذبية ليستعيد الشعور بالأهمية أو القيمة من خلال تفوقه في إطاراها، مثل التفوّق الدراسي أو الفنّي أو حتى مطاردة آخر صيحات الموضة. لكن القليل يصل فعلا للنضج واستيعاب أن الحياة لا تتكون مما نراه مهما أو جميلا فحسب، بل إنها تتكون من أشياء قد لا يراها الفرد من الأساس أو يتصوّرها حتى يحكم عليها، عندها يدرك فعلا ضآلته وأن لهذا الكون نظاما ومعايير ثابتة تستوعبه مهما كانت قيمته وعلمه فلا يكون وزنه فيها شيئا يذكر، ولا يمكنه أن يحيط بها جميعًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يجب أن نذكّر أنفسنا دائما بأنا قابلون، ليس لأي منا صفة جمال أو رقي لصيقة بذاته لا تنفكّ عنه، قابلون للتعلّم و#الارتقاء وكذلك قابلون للفقد والانحدار و#الانحطاط. كلنا بدأ من نقطة ما ولم يخرج للوجود عالمًا فاهمًا، قام آخرون على تنشئته وصقل مواهبه وإكسابه الخبرات.

نعم، نحن جميعا بشر، لكننا لم نحظ بنفس نقطة البدء، ونحن مختلفون في المواهب والقدرات والمزايا اختلافا يتيح التعاون والإبداع وجبر نواقص بعضنا البعض، وكذلك يتيح التصارع والاستغلال، والخيار بأيدينا. إنّ تجربتك العظيمة، وعلمك الراقي، وموهبتك المتميزة يجب أن تصب في النهاية في اتّجاه الإضافة لنفسك وللمجتمع، لا في اتجاه التعالي والغرور.

الفارق بين الإنسان والحيوان

ثم أننا إذا ابتعدنا عن أجواء المزاح والتنابز بالألقاب، وتساءلنا عن المعيار، عن الفارق الحقيقي بين الإنسان والحيوان، لوجدنا أنه قدرة الإنسان على مراقبة أفكاره وتطويرها، وتحريك نفسه وفقا لذلك، وهو ما يطلق عليه العقل أو الناطقية. بدونها –فعلًا- يكون المجتمع غابة، يحكمه الأكثر قدرة على فرض سيطرته، ويكون الناس حيوانات تحركهم انفعالاتهم العاطفية: خوف، جوع، غضب… لكنها تتعدى في تأثيرها وخطورتها تلك الخاصة بسائر الحيوانات بكثير. لم تصنع الحيوانات أسلحة الدمار الشامل لتقتل الملايين من بني جنسها -ناهيك عن الكائنات الأخرى- بقرار واحد؟ لم تقم الحيوانات صناعات بأسرها على الاستهلاك وتأجيج الشهوات والنشوة، غيرُ العقلاء من البشر هم من فعلوا! إنّ الإنسان المنكر للأخلاق والقيم، الذي لا يعرف السعادة إلا في الاستحواذ والاستهلاك وقهر الآخر، هو بلا منازع الحيوان الأخطر، والعدو الأول للحياة، والطبيعة، بل ولنفسه!

ما هو الحل؟

بضبط العقل وتحكيمه وتطوير قدراته نصبح قادرين على إدراك احتياجاتنا المادية والمعنوية، وكيفية تلبيتها بشكل صحيّ ومتوازن، كما ينتقي الإنسان لنفسه طعاما يحتوي على كافة المغذيات الضرورية، ويضيف مغذيات مكملة عند اكتشاف نقص في مادة ضرورية في جسمه، ولا يتناول نوعا واحدا من الطعام كل الوقت! وكل ذلك بغرض الحفاظ على صحته ومناعته. بهذا العقل أيضا نستطيع الحد من تبديد طاقتنا في الصراع واستخدام مميزاتنا كسلاح نبرزه في وجوه الآخرين أو جوهرة نتباهى بها أمامهم، به نصبح قادرين توظيف طاقاتنا واختلافاتنا في إيجاد مجتمع ثريّ متنوّع تجتمع فيه أوجه الجمال والكمال المتفرّقة بين أفراده.

لهذا نقول: إذا أنت لم تعشق التسامي والكمال -لنفسك وللمجتمع- فلن تنال حسن الحال والمآل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

للمزيد من المقالات

من العجب إلى الحب.. كيف نطهر قلوبنا من الغرور بالحب ؟

صوفيا والرأس المزروع.. هل ستدمر صوفيا العالم ؟ هل إعادة الرأس تُعيد الحياة؟

    العلوم النظرية والعلوم التطبيقية.. أيهما أهم ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

ياسر حسام عطا

مهندس كهرباء

مترجم حر

كاتب ومصحح لغوي

باحث في مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة