مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

العجب – أنا خيرٌ منهم، وكلهم أقل مني فهم لا يفقهوا شيئا!

بداية العجب

هو يعاني كثيرًا أثناء عودته من الجامعة أو المدينة إلى القرية التي يسكن فيها؛ فهو لا يدرى أي ذنب اقترفَ حتى يقضى بعض اللحظات من وقته يوميًا بين بعض الناس الذين لا يعرفون شيئًا عن الذوق العام، إنها بداية العجب.

تلك السيدة الكبيرة التى تطلب منه أن يساعدها فى حمل حاجياتها الكثيرة وتجعله غير مرتاحًا فى جلسته، وذاك الرجل الذى يكون عائدًا من عمله، عمل يدوي شاق على ما يبدو، فيجلس بجواره وملابسه عليها الكثير من الغبار ورائحته لا تعجبه، وهؤلاء الذين تكون نقاشاتهم البسيطة مصدر إزعاج له، وتدل على جهلهم الشديد. فهو حتى وسط أهله وأقاربه لا يحتمل سماع أحاديثهم التى لا ترقى لمستوى ثقافته، ولكن لو أرادوا فهو يمكن أن يُلقي عليهم بعضًا مما تعلم لإفادتهم.

لست مثلهم !

تقول إحدى الطالبات فى كلية الطب لصديقتها، أن السفر وترك بلدهم هو الحل، السفر إلى مجتمع يكون الناس فيه مثقفين ويتعاملون باحترام، فالناس في مجتمعهم لا أمل يُرجى منهم، فلا يكتفون بأنّا نتحمل عنهم عبء التفكير لهم واختيار الأفضل، ولكنهم يُعارضوننا ويحاربوننا ويرون أننا على خطأ، أولم تخرجي من بين هؤلاء الناس؟ نعم، ولكني لا أشبههم، وماذا لو أنك لم تُتَح لكِ فرصة أن تتعلمي وتجدي فرصة أفضل مما وجدوا فكنتي لتصبحي مثلهم!!……..

عندما يرى الإنسان نفسه فوق الآخرين، يرى لنفسه فضلًا لا يراه فيهم، يُعجب بنفسه ويتكبر عليهم، عندها يكون العُجب يستشري في نفسه، والعُجب حين يستشري فى النفس، ويتمكن من قلب الإنسان ويملك عليه حسه وفكره، يكون من أسوأ ما يُصيب الإنسان من الأخلاق السيئة، فما من خُلق ذميم إلا وتجد من به عُجب أو كِبرٌ يتصف به.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا يحب لأحد الخير، لا يقدر على التواضع، ولا يتغلب على الغضب والغيظ، ولا يقبل نصيحة ناصح، ولا تعليم عالم، إذا مشى اختال وإذا تكلم افتخر، وإذا نصح سخر واحتقر.

قد يأتي العجب دون أن نشعر !

قد يتسلل إلينا العجب والخيلاء ونحن لا نشعر، فالمغتر بنفسه يرى أنه صاحب حق على الناس، ويركن لهذا الشعور ويصبح كالعقيدة عنده؛ فيصدر عن الجوارح أعمال هي ثمرات لما فى باطنه، وينظم سلوكه مع الآخرين بشكل يجعل هذا التكبر واضحًا وجليًا فى العمل، ومما يزيد الأمر صعوبة أن العُجب جهل ولكن ليس كأي جهل؛ فالإنسان يمكنه أن يدفع بعض أنواع الجهل الأخرى بمجرد أن يكتشفها أو أن ينبهه لها أحد، ولكن العجب يمنع الإنسان من رؤية عيوبه، ويصم أذنه عن سماع النصيحة، فلا يراها ولا يصلحها ويكون مصيره الوقوع في الهلاك.

نحن دومًا لدينا عقيدة أن مرض العجب أو الكبر بعيد عنّا وأننا لا يمكن أن نُصاب به، ولكن في الحقيقة أن أنواع التكبر ومظاهره وآثاره فينا كثيرة، وتختلف من فرد لآخر، ومن بيئة لأخرى، ونراها نحن حق لنا كما ذكرنا، ونراها بالطبع ليست كبرًا ولا غرورا.

أمثلة

فالولد الذي يأنف أن يسمع لأهله، لأنه يرى أنه أصبح أكثر علمًا منهم، عندما لا يجعله العلم أكثر رفقًا بهم، وأكثر تعظيمًا لهم، فما تعلم حقًا غير الجحود.

الطالب الذي يتعالى على من علمه، ولم يعد يرى فى نفسه حاجة إليه، والرئيس الذى ينظر لمرؤسيه نظرة احتقار، والعالم الذى ينتظر من الناس أن ينحنوا له ويعظموه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن قيمة العلم والفكر عالية وعظيمة، ومن قُدر له أن يتزين بها فهو سعيد ومحظوظ، ولكن مهما بلغ العلم فالشخص الذى لا يمتلك طبيعة المحبة والمودة والتواضع للآخرين، هو ليس حميدًا، هو ليس أهلًا لتلقي العلم ولا تلقينه، وكل كلمة جديدة يتعلمها هي حجاب يُضرب بينه وبين الحق؛ فالإنسان لا ينبغى له أن يتكلم بالحكمة والعلم ليستفيد منه الآخرون ويجدوا به طريق سعادتهم والحال أنه هو لا يعمل بذلك ولا يستفيد به شيئًا؛ فمن أراد إيجاد أي تغيير فى حياته وفى المجتمع، لابد أن يبدأ بالتغيير فى ذاته، بالتغيير الأخلاقى والباطنى.

وكما أن الشعوب ضحايا من نفختهم عظمة الحكم، واليتامى ضحايا طمع وخيلاء الأوصياء، وبعض النساء ضحايا بعض الرجال المتجبرين بقوتهم، فمن لا يعلمون ضحايا تكبر وغرور العلماء.

لا يحق لأحد إدعاء الأفضلية

فنحن في مجتمعاتنا لا ينبغى أن نتكبر لأننا حظينا بفرصة أفضل للتعلم والمعرفة، وأول من نتكبر عليهم هم من ضحوا لنحظى نحن بمثل هذه الفرصة، فإن لم نتحمل الجلوس بجوارهم في المواصلات، فلن يلومنا أحد لو جعلنا الكرسي المجاور لك فارغًا، لأننا أكثر ارتياحًا هكذا، ولو لم نتحمل العيش معهم في بلدة واحدة ومجتمع واحد، فلن يلومنا أحد لو سافرنا لمكان آخر، ولكن فقط لا يحق لنا الادعاء بأن لنا فضلًا ليس لهم، فمن حظى بفرصة المعرفة هو المدين لمجتمعه، هو من يجب عليه نشر الوعي، هو من يجب عليه الصبر والتحمل لكي يقضي بعض الدَّين للعلم وللناس.

الخُيلاء و العجب يؤديان إلى الطغيان، طغيان النفس على ذاتها أولًا، ثم على كل ما حولها، فيُغمض الإنسان بصيرته عن الكثير من الحقائق ويتخلى عن مدارج الفضيلة، ويُحال بحجاب بينه وبين الصفاء والصدق.

اقرأ أيضاً .. من العُجب إلى الحب

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً .. كيف تتهذب النفس البشرية ؟

اقرأ أيضاً .. أنا كمان مش قليل الأدب

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

دعاء محمود

طالبة بكلية الطب جامعة المنصورة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة