مقالات

أعظم عاشق

أعظم عاشق

لمّا ثَبُتَ بالبرهان أن الله سبحانه له الكمال المطلق؛ كان له بالضرورة الجمال المطلق. ومن كان جميلا كان محبوبا معشوقا !

يقول ابن سينا: “والواجب الوجود له الجمال والبهاء المحض.. وجمال كل شيء وبهاؤه هو أن يكون على ما يجب له، فكيف جمال ما يكون على ما يجب في الوجود الواجب؟ وكل جمالٍ ملائمٍ وخيرٍ مدركٍ فهو محبوب ومعشوق.”

ولما كان سبحانه عليما، وكان علمه هو أكمل ما يكون العلم، وأنه يعلم ذاته بذاته على ما تحقق؛ كان سبحانه يعلم أن له الجمال المطلق، وكان محبا لهذا الجمال، لأن له أكمل إدراك لأعلى جمال!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“والأول أفضل مدرِك بأفضل إدراك لأفضل مدرَك؛ فهو أفضل لاذ وملتذ. ويكون ذلك أمرًا لا يقاس إليه شيء، وليس عندنا لهذه المعاني أسامٍ غير هذه الأسام؛ فمن استشنعها استعمل غيرها.”

-2-

ويقول ابن القيم: “وجماله سبحانه على أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء: فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، أفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة.”

فمن كانت ذاته جميلة؛ كانت صفاته وأسماؤه جميلة، وأفعاله جميلة.

“وليس في الوجود ما يُحَبُّ لذاته ويحمد لذاته إلا هو سبحانه، وكل ما يُحَبُّ سواه فإن كانت محبته نابعة لمحبته سبحانه بحيث يُحَبُّ لأجله فمحبته صحيحة، وإلا فهي محبة باطلة.”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهو وحده المستحق للحب التام، والوحيد المستحق للحب لذاته، وكل حب لغيره غير صاعد إليه طوليا فهو وهم.

-3-

“ما رأيت إلا جميلا.”

بعد معركة كربلاء، وبعد مقتل الحسين وكل أهل بيته من الرجال إلا واحدا، وسبي النساء والصبيان-تم قطع رأس الحسين وإرسالها مع سبايا النساء والصبيان لابن زياد في قصره، وكان من بين النساء زينب بنت علي بن أبي طالب، أخت الحسين وحبيبته.

“قَالَ لها ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وأَهْلِ بَيْتِكِ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جميلا!”

فِعل الفاعل هو أثرٌ من ذاته، أو كما يُقال في المثل العربي: “كل إناء ينضح بما فيه”، لذا كانت بالضرورة جميع أفعال الإله جميلة، فالجميل لا يصدر عنه إلا جميلا.

نرى دلائل ذلك في جمال الكون والطبيعة حولنا، من مناظر خلابة وجمالات متعددة ينبهر بها الإنسان ويسعى للاستمتاع بها ومحاكاتها. ومنه أيضا الجمال الموجود في النظام التام البديع للكون؛ الذي تحكي عنه كل علوم الإنسان فلا تحيط به! ومنه الجمال الموجود في صفات المخلوقات كالأمومة والرحمة. والجمالات الباطنية كالأخلاق والكمالات الروحية.

فكل ما يصدر عن الإله جميل بالضرورة، وأيا ما كان خلاف ذلك فمن الإنسان نفسه لا من الإله، فيداه مبسوطتان بالجمال على جميع مخلوقاته، إلا من أبى.

وعدم قدرتنا على رؤية هذا الجمال في تدبيره وأفعاله سببه تلوث الفطر، وعمى البصائر، والبعد الطويل عن الجمال الحق حتى نسيناه. بينما من حسنت فطرته واكتملت بصيرته؛ يرى الجمال في كل شيء؛ حتى في أشد الابتلاءات كما فعلت السيدة زينب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

-4-

يقول صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل، يحب الجمال.”

تختصر هذه الكلمات القليلات كل ما سبق. فهو جميل، ويحب الجمال؛ أي يحب ذاته وجماله بالضرورة. ولأنه جميل ففعله جميل، ويحب فعله وخلقه. ويحب أن يرى منا الجمال في أفعالنا؛ فالجميل لا يقبل إلا جميلا. وهو سبحانه يستحق الحب لجماله وبهائه وحبه للجمال!

سبحان الله الجميل! سبحان الله المحب للجمال!

سبحان الله، أعظم عاشق

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة