يا صاحبي، انظر أمامك، نعم أمامك، فلا زال الطريق في بدايته، لا تحزن، ولا تبتئس، ولا تيأس، واحذر أن تلتفت وراءك، الرحلة طويلة وشاقة ومتعبة، لكنها لذيذة، بيد أن الهدف يستحق والغاية مثلى، وأنت لا زلت في البداية، فقط سر ولا تلتفت.
اعلم أنهم لن يتركوك وحدك، نعم فلن يهدأ لهم بال أو يطرف لهم جفن مذ أعددت عدتك، ونويت على السير، ومن ثم سيحاولون النيل منك، بل وعرقلتك ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، سيفعلون ذلك بكل ما أوتوا من قوة ودهاء وخيانة وخداع، لكنهم في الوقت ذاته، سيجبنون عن مواجهتك.
سيرسلون خلفك من يقطع الطريق، ويعيق مسيرتك، ستلاحقك جرذانهم وخفافيش ظلامهم، لكن لا تأبه بكل ذلك، فما عليك إلا أن تنطلق وتسير، بل إن استطعت فاركض، نعم اركض، لكن اركض على مهل، وفي تؤدة، ولا تلتف وراءك مهما حاولوا إشغالك، لا تضيع وقتك مع شرذمة من الذئاب الضارية والكلاب العاوية، فهم مأجورون، سرعان ما يتراجعون إن لم تهتم بشأنهم، لكنهم –وإرضاء لأسيادهم– سيحاولون النيل منك بكل وسعهم.
تماسك وانطلق
لا تأبه، انطلق، لا تضيع وقتك، تقدم، لا تلتفت، سيبذرون الأشواك في كل مكان، وسيملؤون الطريق بالحجارة، لا بأس، فأمامك النجوم تسد الأفق والثريا تنير الكون، هيا انطلق، نحِّ عنك الحجارة وانزع الأشواك، سيؤذونك وستدمى قدماك، ربما تتألم كثيًرا، ربما تتوجع أكثر، لا بأس فالسلعة غالية والمآل ثمين.
إياك أن تبكي أو أن يروا دمعة من عينيك، لا تجعلهم يشمتون بك، لا تجزع إن أصابك منهم أثارة من ضر، وإن أنهكت فلا تَهِنْ ولا تسقط، سر بروحك الوثابة ونفسك الفتية وذاتك المشرقة، اعتمد على الله توكل عليه، وليكن رائدك عزيمتك التي لا تقهر وجَلَدك الذي لا يحد.
صدقني فلن يمر وقت طويل إلا وقد نال هؤلاء الجرذان الإرهاق والخور، سيحاولون معك إلى آخر رمق، سيعجبون بقوتك وتحملك، رغم ذلك سيحاولون كثيرًا، لكن ما عليك إلا أن تتماسك وتنطلق، لقد قاربت الغاية، وغدا شاطئ الأمان أقرب إليك من حبل الوريد.
اقرأ أيضاً: فلتترك غصنك وانطلق نحو الآفاق
الصبر والمثابرة مزيج لا مثيل له
ها هي المتاهة تتكشف شيئًا فشيئًا، وحينها ستنظر فترى النور يبزغ، والقناديل تزداد توهجًا، والطريق يبدو أكثر وضوحًا، نعم إنها الغاية والهدف، ها قد اقتربت وقاربت، إنها الحقيقة تتمثل شيئًا فشيئًا، وها أنت قاب قوسين أو أدنى، لا بل وصلت بالفعل أخيرًا، ارفع رأسك شامخًا عاليًا أبيًا، لقد فَعَلْتَهَا رغم كل شيء، نعم فَعَلْتَهَا رغم كل شيء!
لتدرك أن الدنيا غدارة، هكذا شأنها منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، ولن تكون أبدًا لخامل كسول، أو بليد مغمور، فسر واجتهد وانطلق، واعمل واصبر وثابر، وتعلم حتى تخرج من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والفهم، فإذا عرفت ذلك فالزم!
إياك يا بني من التهويل، واحذر من التهوين، فإن ذلك مما يردي الإنسان ويهلك البنان، واعلم أن الفضيلة وسط بين رذيلتين ورمانة بين طرفين، وهناك شعرة فاصلة بين التضحية من أجل الآخرين ونسيان الذات ونكران حقها!
يا أيها الناس، ارفقوا بمحبيكم، وهونوا على مريديكم؛ إنهم قد رأوكم الملاذ وغاية الخلاص، فلا تتخلوا عنهم، وإياكم أن تنكسروا مهما حدث لكم، أو تسقطوا؛ إن سقوطكم سقوط لهم، وإياكم أن تنطفئوا؛ أنتم سراجهم، فيهيموا في الظلام، ويقعوا في درب المتاهات.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*********
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
