مقالات

أسطورة الخطاب الديني

دائمًا ما نسمع بعض النخب والمثقفين وبعض الدعاة الجدد بالإضافة إلى السياسيين، يطالبون بمطلب واحد فيما يخص ظواهر التشدد والتطرف الديني (حسب رؤيتهم) التي تظهر من حين لآخر في المجتمع المصري، فطالما سمعنا هذه الكلمة المتبذلة (إصلاح الخطاب الديني ) التي استهلكت آلاف المرات على ألسنة من قاموا بتحليل هذه الظواهر بشكل سطحي، فيتم إحالة كل حوادث التطرف والقتل باسم المذهب أو الدين إلى ترك الخطاب الديني بدون إصلاح.

والحقيقة أن المشكلة لا تكمن في الخطاب نفسه ولا في صيغته ولا في شكله، إنما المشكلة تكمن في مصدر الخطاب ، ففكرة إحالة أفعال الناس سواء كانت متطرفة كما يراها البعض أم لا إلى الخطاب الذي يسمعونه من بعض رجال الدين سواء على بعض القنوات التليفزيونية أو على المنابر في المساجد هي فكرة سطحية ساذجة، خصوصًا وأن مصادر الخطاب الذي يرى البعض إصلاحه، متاحة بشكل كبير وفي كل مكان وخصوصًا على شبكات الإنترنت.

بل المشكلة لا تكمن في المصادر فقط وحدها، إنما المشكلة تكمن في غياب المعايير العقلية والدينية عند الناس، والتي على أساسها يتم الحكم على صحة هذه الفكرة أو فسادها، فما يبدو قبيحًا في الماضي يبدو جميلاً وما كان يعتبر ظلمًا في الماضي يبدو عادلًا في الوقت الحاضر، والعكس صحيح.

والمقصود هنا بأزمة المصادر الدينية، هو تعدد هذه المصادر، والأخذ بها جميعًا، بغثها وثمينها، مع عدم مراعاة وجود المعايير الثابتة التي يتم الحكم بها على الأفكار والنصوص الظنية داخل هذه المصادر، فليس التطرف والتشدد هو نتاج هذه الأزمة فقط، بل إني أرى أن هناك ما هو أعظم وأشد أثرًا من التطرف والتشدد، ألا وهو تدجين وإخضاع الناس إلى الطغاة والظلمة وتربيتهم على السمع والطاعة وإن انتهكت أعراضهم وارتكبت الجرائم بحقهم، فيخرج جيل مشوه الفطرة، ولا يوجد توضيحًا لهذه المشكلة أجلى من مسألة الخروج على الحاكم الظالم في الإسلام، فترى عدد من الأحاديث الصحيحة التي تدعو وتحث على الوقوف أمام الحاكم الظالم سواء باللسان أو بالبنان، وعلى الناحية الأخرى تجد مجموعة من الأحاديث الصحيحة أيضًا تدعو إلى الخضوع التام للحاكم المتغلب وطاعته، حتى لو ارتكب الجرائم وانتهك الأعراض وفعل ما فعل من الأفاعيل التي تنهى عنها النصوص القطعية الثبوت والدلالة، ويقف أمامها العقل والفطرة مستهجنًا لها، وقد حاول بعض المعاصرين أن يوفق ما بين الرأيين، ولكن في الحقيقة هذا التوفيق بين النصوص صريحة اللفظ، دائمًا ما يخرج بمنتج مشوه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وليست مسألة الخروج على الحاكم وحدها هي نتاج تعدد المصادر والأخذ بغثها وثمينها، بل الأمر يصل إلى مسألة العقيدة، وليست الخلاف في العقيدة هو وليد اليوم، لكنه قديم، حيث انقسم الناس ما بين مجسم يصور الله سبحانه وتعالى على صورة إنسان يشبه إلى حد كبير آلهة الإغريق واليونان، ترى الاتجاه الآخر ينزه الله عن كل هذه الخرافات، وكلا الاتجاهين موجودين الآن وإن اختلفت بعض الأفكار.

ويصل الأمر أيضًا إلى مسألة الأخلاق، حيث تقف متعجبًا وحائرًا عندما ترى الرجل الشرقي والعربي تحديدًا، يغار على أهله أشد الغيرة، وتنتفخ أوداجه ويحمر وجهه عندما يرى زوجته أو إحدى بناته كشفت عن خصلة من شعرها بدون قصد، في الوقت الذي تراه يسلم بفتوى رضاع الكبير ويذعن لهذا الرأي على أنه حكم أنزل من السماء، متيقن من صحته بشكل لا يقبل الشك!

إذًا كما نرى، تحتوى المصادر على الفكرة وضدها، ومحاولة التوفيق بين هذه الأفكار ينتج عنه في الغالب منتج مشوه، فإما هذه الفكرة فكرة صحيحة أو فكرة خاطئة، ولا وسط بينهما، لأن النصوص صريحة لا تقبل التأويل أو الالتفاف ولا تقبل محاولات التوفيق بينهما، وحل هذه المشكلة لا يكمن في إصلاح الخطاب الديني كما قلنا، إنما يكون بخلق ملكة النقد داخل الناس وتدريبهم على التفكير، والذي لا يتم إلا بإزالة موانع التفكير داخلهم وبالأخص الخوف، ثم تبدأ مرحلة تنقيح المصادر، ووضع الأسس الثابتة المستمدة من النصوص القطعية من القرآن الكريم والسنة المتواترة، والتي يتم قياس النصوص الظنية وجميع الآراء على هذه الثوابت، ومن ثم إصدار الحكم عليها بعد هذا.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كريم مجدي

خريج كلية دار العلوم
صحفى
عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة