فن وأدب - مقالاتمقالات

تحايل نجيب محفوظ

أخلص نجيب محفوظ للرواية، ووجد فيها الفن الذي بوسعه أن يحمل كل ما يدور في رأسه من أفكار إزاء السلطة والمجتمع، والحيز القادر على بناء جدل ناعم حول الأيديولوجيات والخواطر والرؤى، والطريقة الآمنة لنقد الحاكم الجائر، وفضح الفساد الطافح، وطرح التصور البديل الذي يرمي إلى وضع حد للسياسات الفاشلة، والمسالك المعوجة، والتصرفات العرجاء.

الأدب والسياسة

ورغم أن هناك فارقا بين الأديب وعالم السياسة، فإن هذا لا يهضم حق الأول في استخدام الوسائل والأساليب التي يستعملها الثاني، حين يريد أن يوثق بعض الأحداث السياسية الحقيقية في روايته، شريطة أن يتم عرض ذلك بوسيلة فنية، تحصن الأدب من أن يصير وعظا سياسيا فجا.

والأدب حين ينتقد  السلطة بشكل غير مباشر، ويواجه فسادها، ويفضح نقائصها ويؤرخ للمقهورين، ويسخر من الطبقات، أو الفئات، المتحالفة مع الحكم الغاشم، يصبح شكلا من أشكال المقاومة بالحيلة، خاصة حين يلتحف بالرمز، ويبتعد عن المباشرة.

وهذا أيضا لا يمنع الأديب من أن يتعاطى السياسة بشكل مباشر، بعيدا عن الصفحات التي يسطرها لتصير شعرا ونثرا بديعا، فكثير من الأدباء، في شتى أرجاء الأرض، تفاعلوا مع السياسة بدرجات متفاوتة، تراوحت بين الاكتفاء بمتابعة الشأن السياسي والتعليق على الأحداث الجارية وبين الانضمام إلى تنظيم حزبي أو خلية سرية، مرورا بأشكال عدة من التحايل في التعامل مع السلطة السياسية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السياسة في أدب نجيب محفوظ

وبين هذه الحالات جميعا من علاقة الأدب بالسياسة رسم نجيب محفوظ معالم طريقه، ليقدم نموذجا لكيفية استخدام الأدب في التعبير عن المواقف السياسية، دون أن يسلك الأديب دربا سياسيا وعرا، وقدم الأدب بوصفه نوعا من المقاومة بالحيلة للقهر الذي تمارسه هذه السلطة على الجماهير، أو مجالا لتنفيس المثقف عما يكنه في ضميره تجاه السلطة، ولا يستطيع أن يقوله بشكل مباشر، خوفا من المساءلة.

وقد أيقن محفوظ أن اللجوء إلى الرمز، وتغيير ملامح بعض الشخصيات، وإعطاءها أسماء غير أسمائها، وإضفاء بعض الخيال على الأحداث، أو العودة إلى وقائع تراثية وإسقاطها على الحاضر في ثوب قصصي،

أو صناعة بطل منقذ يقفز فوق الواقع المتردي ويأخذ بيد الناس إلى مجتمع أفضل، يجعل المثقف أكثر أمانا في مواجهة القوانين، التي تسنها السلطة للحد من حرية التعبير، وفي مواجهة الأذرع الأمنية الباطشة، التي تنكل بكل من تشْتَمّ فيه أو منه معارضة حقيقية للسلطة.

وقد أوغل محفوظ في المباعدة بين نصوصه الإبداعية ومواقفه السياسية إلى الحد الذي جعل ناقدًا بقامة غالي شكري يصفه بأنه “أجبن إنسان وأشجع فنان”.

الاتجاهات الرمزية في أدب نجيب محفوظ

999868 0 - تحايل نجيب محفوظووصل الأمر بمحفوظ إلى اعتبار الظروف التي تجبر الأديب على التحايل هي الأفضل للعملية الإبداعية برمتها، فهو حين  سئل ذات يوم: “لماذا كان الإبداع الأدبي في فترة الستينيات بمصر أكثر غزارة منه في فترة السبعينيات، مع أن هامش الحرية، خلال الأخيرة، كان أكبر من الأولى، والأدب يحتاج إلى مناخ حر؟”،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فأجاب قائلا: “إن المبدعين في السبعينيات كانوا أحرارا في أن يقولوا ما يشاؤون في أحاديثهم ومقالاتهم، وهو ما جنى على الجانب الإبداعي لديهم، حيث لم تكن أمامهم تحديات كتلك التي وجدت في الستينيات، والتي قادت إلى إنجاز الأعمال الإبداعية، بما فيها من رموز وإسقاطات للتعبير عما يريدونه”.

واقتنع محفوظ بأن المقاومة بالحيلة تساعد على مجابهة الإذلال والحرمان والإهانات، عبر تطوير ثقافات مستورة تعد بمستقبل أفضل، سواء كانت حكمة تُستخلص من التجارب الطويلة المضنية للانبطاح والنفاق البيروقراطي والاستلاب، مثل ما صورته رواية “حضرة المحترم”، أو “أساطير” عن عصبة أو بطل فردي، أو حلمًا بالعدل والخير مثل ما حملته رواية “ليالي ألف ليلة”،

أو رؤية في المذاهب والفلسفات والأيديولوجيات السائدة، مثل ما طرحته رواية “رحلة ابن فطومة”، أو محاولة لطرح قضية جدلية مهمة حول تلاقح الأفكار السياسية والفلسفية وامتزاجها، دون ادعاء بأن إحداها هي الأفضل أو الأنجع، مثل ما حوته رواية “قلب الليل”، أو عالمًا موازٍ يبحث المسحوقون فيه عن العدل، مثل ما تضمنته رواية “ملحمة الحرافيش”.

شخصيات أدب نجيب محفوظ في الروايات

لكن محفوظ حدد رؤيته السياسية بشكل أكثر جلاء على لسان أبطاله في العديد من رواياته، وفي مقدمتها “الكرنك”، “ثرثرة فوق النيل”، “ميرامار”، “اللص والكلاب”، “يوم قتل الزعيم”، “السمان والخريف”، “قشتمر”، “الباقي من الزمن ساعة”، وثلاثيته الشهيرة “بين القصرين” و”قصر الشوق ” و”السكرية”، أي أنه جعل رواياته ساحة لطرح أفكاره السياسية، ووصل في اعتماد هذا النهج إلى درجة مرتفعة، بحيث يمكن القول أن رواياته قد تخلو من أشياء كثيرة، لكنها لا تخلو قط من السياسة.

وتتلخص هذه الرؤية، كما طرحها محفوظ على لسان خالد صفوان أحد أبطال رواية “الكرنك”، في:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أولا: الكفر بالاستبداد والدكتاتورية.

ثانيا: الكفر بالعنف الدموي.

ثالثا: يجب أن يطرد التقدم معتمدا على قيم الحرية والرأي واحترام الإنسان، وهي كفيلة بتحقيقه.

رابعا: العلم والمنهج العلمي هو ما يجب أن نتقبله من الحضارة الغربية دون مناقشة، أما ما عداه فلا نسلم به إلا من خلال مناقشة الواقع، متحررين من أي قيد، قديم أو حديث.

قضية الانتماء في أدب نجيب محفوظ

إلى جانب ذلك كان لقضية الانتماء مكانة عالية في أدب محفوظ، لدرجة أنه تخصص فيها أكثر من أي أديب عربي آخر. وقد بدأت ملامح هذا الانتماء تتشكل في أدبه من خلال انفعاله وهو طفل بثورة 1919 ضد الاستعمار الإنجليزي،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم موقفه من حزب الوفد الذي كان يقود النضال الوطني آنذاك، في بعض أعماله الروائية مثل “المرايا” و”حكايات حارتنا”، وكذلك إحدى قصص مجموعته “صباح الورد”.

رواية الكرنك

وعلى عكس الرمزية التي غلف بها محفوظ انتقاده للعهد الناصري في رواية “ثرثرة فوق النيل” جاءت رواية “الكرنك” لتنتقد هذا العهد بشكل مباشر، فأبطالها إسماعيل الشيخ وزينب دياب وغيرهما،

هم شباب آمنوا بثورة يوليو، وكانوا يعتقدون أن العسكر على صواب مطلق، لكنهم استيقظوا على واقع أليم، حين مروا بتجربة قاسية بعد أن اتهمتم السلطة، ظلما، أنهم من “أعداء الثورة”.

وحين قابلوا رجلا يمثل الوجه الكريه للثورة وهو خالد صفوان، الذي أمر بانتهاك عرض زينب، وجلد إسماعيل، وإجبارهما على أن يكونا عملاء للمباحث، يتجسسون على رفاقهم، خاصة حلمي حمادة الشيوعي، رغم أنهما لم يرتكبا شيئا مخالفا للقانون،

فإسماعيل اعتقل لمجرد أنه تبرع بقرش واحد لبناء مسجد تابع للإخوان المسلمين، وزينب قبض عليها لأنها صديقته، وفي المرة الثانية اعتقلوهما بتهمة الانتماء إلى تنظيم شيوعي، وحلمي حمادة مات تحت وطأة التعذيب.

الكرنك رواية سياسية أحداثها بين حربين ومسرحها مقهى

وتعرض الرواية مواقف نماذج مختلفة من البشر الذين يترددون على مقهى الكرنك من الثورة ومقارنتها بالعهد الذي سبقها، وتتطرق إلى عملية انتقاد الذات التي جرت عقب هزيمة 67،

وكان من نتائجها التخلص من صفوان، ولذا انتهى به الحال إلى الكفر بالاستبداد، والإيمان بالحرية. لكن محفوظ لم ينس أن يوضح، على لسان أبطاله، الجوانب الحميدة للثورة، ومنها الاهتمام بالعدل الاجتماعي والتعليم.

كتاب أمام العرش

9789770932056 - تحايل نجيب محفوظ

لكن محفوظ عاد ليحدد موقفه، بشكل أكثر صراحة، من مختلف حكام مصر، منذ الملك مينا وحتى الرئيس السادات، في كتاب “أمام العرش”، وفيه شرح مآثر وعيوب كل زعيم، من خلال محكمة رمزية تخيلها محفوظ،

ضمت كلا من إيزيس وأوزوريس وحورس، وركز الكتاب على زماننا المعاصر، عاقدا مقارنة بين كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس، وجمال عبد الناصر وأنور السادات.

واتخذ محفوظ خطوة أكثر إيضاحا في تحديد موقفه من القضايا السياسية والاجتماعية التي فرضت نفسها على المجتمع المصري والعربي، من خلال الزاوية الصغيرة التي كان يكتبها في صحيفة الأهرام، والتي تم جمعها، في عدة كتب.

وقد تطرق محفوظ في هذه الزاوية الصحفية إلى قضايا ومفاهيم عامة مثل التدين والتطرف والحرية والعدالة والتقدم والانتماء والهوية والعلم والعمل إلخ.

اقرأ أيضاً:

ذاكرة نجيب محفوظ

السياسة والرياضة

القواعد الذهبية في سياسة عنترة بن شداد

من أقوال نجيب محفوظ عن الانتماء والحرية والعدالة

وحول الانتماء والهوية، يقول محفوظ: “مصر 1919 آمنت بمصريتها، ومصر 1952 آمنت بالعروبة. الآن الإسلام السياسي يطرح العالم الإسلامي كله كدائرة للانتماء، واجبنا أن نخلق من هذه الانتماءات الثلاثة انتماء أكبر، يحافظ على مكوناتها الأصلية، ويربطها برابطة تكاملية، تزيدها قوة وصلابة، بدلا من أن تهدر قواها في صراعات عمياء”.

وفي موضع آخر يقول: ” إن الدفاع عن الهوية لا لسبب إلا أنها هويتنا باطل، كما أن التنكر للهوية لا لسبب إلا الانبهار بهوية حضارة أخرى باطل أيضا، علينا أن نواجه عصر القرية الكبيرة الواحدة بكل شجاعة وثقة بالنفس”.

أما عن الحرية والعدالة فيرى محفوظ أنهما قيمتان عظيمتان لا غنى للبشرية عنهما، ويؤكد: “الحرية وحقوق الإنسان لن تكون ضربة موجهة للعدالة، ولن تُصادر الحرية والكرامة باسم العدالة وباللجوء إلى القهر والاستبداد والإرهاب الرسمي”.

وينحاز محفوظ إلى الرأي الذي يؤكد أن الحرية ليست هبة ولا منحة، لكنه في المقابل يشير إلى أنها لا تتحقق بالشتائم واتهام الأبرياء وتوهم المكانة، إنما هي “ثمرة جهاد الأحرار، ولا تجيء نتيجة لوجود المجتمع الحر، لكنها تخلقه من خلال جهاد مر، لم يكف، قديما ولا حديثا، عن تقديم الشهداء والضحايا”.

نجيب محفوظ أديباً عمومياً وناشطاً سياسياً

وكل ما سبق لا يعني أن محفوظ قد خرج عن الخط العام الذي حدده لحياته وهو الابتعاد عن السلطة، لا يطلب منها شيئا ولا يفعل ما يجعلها تطلبه أو تلاحقه، فهو إن كان قد طرق باب السياسة في رواياته فإنه ركز على العموميات،

ونأى بنفسه عن السياسة اليومية أو الصراع السياسي الوقتي بين هذا الحزب أو ذاك، ولذا لم يخض تجربة السجن، التي عاشها كثير من الأدباء المصريين، خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.

ويبقى أوضح رأي سياسي عبر عنه محفوظ هو ذلك الذي أثار عليه خلال عام 1998 زوبعة من النقد الحاد، ظل طيلة حياته حريصا على تجنبها، فقد هاجم بضراوة التجربة الناصرية، واعتبر أن كثيرا من قرارات عبد الناصر المصيرية، والتي جلبت له شعبية جارفة، كانت متسرعة،

وقادت مصر إلى انتكاسات وعرضتها للأخطار، ومنها مثلا تأميم قناة السويس وحرب الاستنزاف. لكن حتى هذا الرأي الصريح لم يبعد محفوظ كثيرا عن نهجه السابق في عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع السلطة، إذ أنه وجه انتقاداته لنظام وقائد رحل عن دنيانا، ولم يعد بمقدوره أن يلاحقه أو يحاسبه على ما قال.

وقبل هذا بسنوات مال محفوظ إلى تأييد اتفاقية السلام المصرية _ الإسرائيلية، وهو موقف سبب له متاعب جمة من قبل رافضي “التطبيع”، وحاد بكثير منهم إلى الربط بين موقفه هذا وبين حصوله على جائزة نوبل عام 1988.

نجيب محفوظ وموقفه من السلطة

نجيب محفوظ انتقال السلطة 1 - تحايل نجيب محفوظ

وإذا كان نجيب محفوظ قد عبر عن مواقفه السياسية على استحياء، من خلال الزاوية الأسبوعية الصغيرة التي كتبها _وتنقل عنه الآن بوساطة محمد سلماوي_ في صحيفة الأهرام المصرية، أو من خلال الحوارات والمقابلات الصحفية التي أجريت معه، فقد ظل في النهاية مخلصا للفن الروائي، الذي رأى فيه الحامل الأساسي والأكثر ديمومة لأفكاره ورؤاه السياسية.

وحتى نفهم موقف نجيب محفوظ من السياسة، وخياراته حيال السلطة، لا بد من أن ننظر إلى آرائه التي حوتها رواياته، وأدلى بها في حواراته الصحفية، ودبجها بمقالاته القصيرة، في ضوء التراكم الإبداعي والنقدي حول علاقة الأدب بالسياسة وموقف الأدباء من أولي الأمر.

وبداية فإن التوسل بالحيلة لمقاومة السلطان الجائر أو لفت انتباهه إلى عيوبه ومثالبه، ليس بجديد على الأدب العربي، فهناك مخطوطة عربية مجهولة المؤلف بالمكتبة الوطنية بباريس يرجح عودتها إلى القرن الثالث عشر الميلادي تحمل عنوان، “رقائق الحلل في دقائق الحيل”،

لم يعتمد كاتبها في نصحه للحكام على الأسلوب المباشر الذي اتبعه ميكافيلي، إنما سلك درب الحكاية والقصة كوسيلة لتعليم الحكام فنون الإدارة والحكم، وقسم حكاياته، إلى حيل الملائكة والأنبياء وأدعياء النبوة والملوك والسلاطين والوزراء والقضاة والفقهاء والعباد والزهاد، ليحذر من خلالها الحكام من مغبة الظلم والاستبداد، ويبصرهم بالفوائد العظيمة التي تترتب على حكمهم بالعدل.

هل الأدب يقتصر على التحايل فقط في مواجهة السلطة؟

لكن هذه الوثيقة وتلك الطريقة التي سلكها نجيب محفوظ لا تعني أن الأدب يقتصر على التحايل فقط في مواجهة السلطة، وفي الوقت ذاته لا تعني أن هناك ثمة علاقة طردية بين القهر السياسي وخصوبة الإبداع الأدبي، كما ذهب أديبنا الكبير. فالأدب طالما كان مواجهة مباشرة بين المثقف والسلطة.

على سبيل المثال، لا الحصر، يتداعى إلى الأذهان في هذا المقام الدور الذي لعبه الأدب في تقويض أركان النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية، فهو لم يكن بعيدا عن الثورة التدريجية التي شهدتها المجر، نهاية عام 1989، وبداية عام 1990، وقادتها إلى أول انتخابات حرة.

والكاتب المسرحي فاتسلاف هافيل، الذي وصل إلى رئاسة تشيكوسلوفاكيا سابقا، قدم مثلا مهما على إمكانية أن يصبح الأديب سياسيا بارزا. وفي رومانيا، شكل الأدباء المغبونون عاملا أساسيا من عوامل الثورة على نظام شاوشيسكو الفاسد.

وساهم الأدباء في التمهيد للثورة الفرنسية، في حين أدت رواية “كوخ العم توم” للروائية الأمريكية هارييت بيتشر إلى إشعال الحرب الأهلية في الولايات المتحدة لأنها رصدت الحياة القاسية التي يعيشها السود.

تأثير السلطة على الأدب

أما عن تأثير نمط السلطة على الأدب، فلا يمكن أن نأخذ رأي نجيب محفوظ، المشار إليه سلفا، على علاته. فبداية، إذا كان هناك اتفاق بين كثير من النقاد على وجود علاقة ضرورية بين البنية السياسية لأي مجتمع وأدب هذا المجتمع،

فإنهم مختلفون حول ما إذا كان توجه النظام السياسي يؤثر على مضمون وشكل العمل الأدبي، أم على المضمون فقط. ويمتد هذا الخلاف إلى ما إذا كان الأدب يزدهر مع التسلط، كما ذهب محفوظ، أم لا.

وبوجه عام فإن الأدب، بمختلف ألوانه، يلعب دورا سياسيا مباشرا، أو غير مباشر في الحياة السياسية، فبالإضافة إلى كونه قد يكون أداة في يد السلطة لتشكيل وعي المجتمع بما يخدم مصالح طبقة أو فئة معينة، أو على النقيض،

قد يصبح أداة لمقاومة استبداد السلطة بالحيلة تارة وعنوة تارة أخرى، فهو أيضا أحد العناصر الرئيسية التي تكوّن وجدان الأمم، ويساهم مع غيره من أدوات التشكيل الثقافي في صياغة شخصيتها القومية وبلورة هويتها الحضارية، كما يعتبر أحد المصادر الأساسية لدراسة الشعوب.

 

هذه سلسلة من المقالات حول أدب نجيب محفوظ وشخصه، بوصفه “المعلم الأكبر” في مسيرة الرواية العربية، الذي تعددت زوايا علاقته بكل القادمين بعده، لتتراوح بين التأثر التام، الذي يصل إلى حد الاقتطاف والتمثل،

وبين التمرد عليه وتحديه، أو بمعنى أدق محاولة الخروج من عباءته، بغية التجديد في الشكل والمضمون، مرورا بأنماط متدرجة من تقليد النص المحفوظي أو العيش في رحابه.

نجيب محفوظ، كفنان وإنسان، له كثير في ذمة الناس، وعليه أيضا ما لا يمكن تجاهله، لا سيما أولئك الذين كانوا يعولون عليه أن يرفع صوته أعلى في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية، ولا يكتفي فقط بالإيمان بهاتين القيمتين في أدبه.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري

مقالات ذات صلة