قضايا شبابية - مقالاتمقالات

فقه الحوار في زمن التناطح الثقافي

تربينا على كثير من قيم الاختلاف الراقي التي غرسها فينا مربونا الأكارم، على اختلاف تنوعاتهم وثقافاتهم واتجاهاتهم الفكرية.

حق الاختلاف حق أصيل لكل عقل يفكر ويدقق ويحلل ويفسر المواقف والأحداث والظروف والمتغيرات.

ليكوّن في النهاية رأيًا ذاتيًا يولد من رحم الذات المفكرة غير متأثر برأي الآخر، وغير منقاد لرأي بالمجاملة على حساب رأي آخر انهزامًا أمام غزو ثقافي جارف.

أما ما نشاهده هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة Facebook، من اتجاهات أحادية الجانب في فرض الرأي الأحادي وعدم تقبل الرأي الآخر، غدا أمرًا مستفزًا يستدعي وقفة للمناقشة والتحليل والتدقيق والتفسير والإيضاح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفق أبجديات عرض الأمور العامة للنقاش عبر Facebook يوجد اتجاهان لمن يعرض:

الأول: اتجاه ثقافي عام:

عمومية الطرح تعني فتح نافذة للحوار المتبادل القائم على الود والاحترام المتبادل للصالح العام، بعيدًا عن الأهواء الذاتية والمصالح الخاصة.

هذا الحوار يصنع جوًا من الألفة والتواصل المحمود بين أعضائه المشتركين فيه، ويعد مؤشرًا صحيًا من مؤشرات التواصل الثقافي المثمر الفعال.

الثاني: اتجاه ثقافي أحادي خاص:

يتضمن عرضًا خاصًا ذاتيًا يحمل توجها ثقافيًا ذاتيًا بحتًا، يعرض عليك صاحبه موضوعًا عامًا في ظاهره.

أما في باطنه يعرض عرضًا خاصًا ذاتيًا محاطًا بسياج من ثقافة المصالح الذاتية، والأغراض الشخصية، والعداوات المهنية، والرواسب السلبية لمواقف وأمور وأحداث مر بها صاحب الطرح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الذي يري في طرحه هذا نوعًا من أنواع التشفي، أو استعراض القوة الوهمية، أو استجداء تعاطف الغير.

تعرف على: كيفية الوصول إلى حوار راقي

أبجديات الحوار وآدابه

2021 04 21T172501Z 1028393176 RC2H0N9TRRG4 RTRMADP 3 FACEBOOK CYBER PALESTINIANS 1024x685 - فقه الحوار في زمن التناطح الثقافيكلا النوعين حر في طرحه، حر في مسلكه، ولكن تبقى هناك عموميات يجب أن يعلمها الجميع ممن يعرضون أمورًا عامةً للنقاش الحر عبر Facebook، تمثل في مجملها أبجديات الحوار لمواجهة الانهزام الثقافي هي:

الرأي والرأي الآخر

– تقبل الرأي، والرأي الآخر بصدر رحب.

– لا تقلل من رأي الآخر، ولا تتخذ موقفًا عدائيًا ذاتيًا من صاحبه، فهو يرد على طرحك ولا ينتقد ذاتك ولا يهمه من أنت كشخص.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنما هو يقيم رأيك تقييمًا موضوعيًا محترمًا بعيدًا عن التوازنات والمواءمات والنفسيات.

– لا تعتقد -مهما كانت مكانتك ومنزلتك أو درجتك العلمية- أن كلماتك ستلقى التهليل والتطبيل والتسليم بعبقريتها وصحتها لمجرد اسم صاحبها، وفقا لمقولة: “عظمة على عظمة يا ست!”.

احسن اختيار الألفاظ

– كما أنك تفكر وتحلل وتعرض رأيك، ثق أن هناك من يقابل فكرك بفكر، ورأيك برأي، وتحليلك بتحليل، فاحترم ذلك وقدره. الأفكار متداولة والعقول لاتحد قدراتها حدود.

– اشكر كل من بادر بالتفاعل معك، وأحسن انتقاء عبارات الرد عليه، ولا تعاقبه بألفاظ تنم عن سوء أدب، أو فساد نية، أو تربص أعمى به لمجرد اختلاف الرؤى.

إنه حتمًا لن يصبر على حماقاتك وتهورك، فالعين بالعين، والسن بالسن!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

احترم الآخرين

– لا تكن متمسكًا برأيك فارضًا إياه قهرًا على من يحاورك، وإذا تبين لك خطأ طرحك فاعترف بذلك.

حتمًا يعد ذلك مؤشرًا من مؤشرات قوتك واحترامك لنفسك وللآخرين، وليس أبدًا مؤشر ضعف أو تراجع أو انهزام أمام قوة الآخر.

– لا تضع السم في العسل متلاعبًا بألفاظك في الحوارات العامة، لأنها ليست ملكًا لك.

إذا دونت كلماتك للعموم غدت ملكية عامة تستدعي الرد، بل والمساءلة والمحاسبة إن تجاوزت حدود المسموح به.

– أخيرًا تواصل مع الجميع وفق مبادئ الاحترام المتبادل، وتفهم ثقافة الاختلاف، واستوعب فقه الاختلاف يا صديقي في عالم لم ولن يكون يومًا ما أحادي الاتجاه.

حوار هادف من أجل بيئة إنسانية آمنة

تلك إشارات سريعة من أجل بناء حوار آمن في بيئة ثقافية صالحة، تستهدف الرقي بالحوار المجتمعي العام والخاص، لبناء بيئة إنسانية آمنة تستوعب الجميع في تناغم راق يرقى بإنسانية الإنسان وثقافته وقدرته على مواجهة تحديات الغزو الثقافي البشع.

في نفس الوقت يحترم آدميته ويتجاوز مساحة الصراعات المقيتة التي لا طائل من ورائها سوى زرع أشجار الحنظل التي ستملأ حياتنا بالمرارة والعلقم إذا لم نتجاوز تلك المساحة.

فلنتحاور معًا باحترام، بدلًا من التناحر معًا بامتهان، تلك أبجديات الحوار الثقافي الفعال.

اقرأ أيضاً:

أخلاقيات الحوار

ثقافة الحوار والحوار الثقافي

اختيار الكلام أهم من نحت السهام

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب

مقالات ذات صلة