مقالات

كرر كرر حتى يصبح المقرر، هل من الممكن أن تكون مغسول الدماغ؟!

من الأمور الغامضة والمثيرة ومن المصطلحات التي تتشبع بالإثارة مصطلح غسيل الدماغ أو غسيل المخ، وهو مصطلح يتم استخدامه في مجالات كثيرة وفي نواحي عدة من مناحي الحياة والكثير منّا لا يفطن لتلك العملية التي يمكن أن يكون هو ذاته ضحية لها، بل يتعدى الأمر كل ذلك إن علمنا أن عملية غسيل الدماغ تتم على نطاق واسع جدا وهو المستوى الجمعي .

فما هو غسيل الدماغ ؟

يتم تعريف غسيل الدماغ:” بأنه هو استخدام أي طريقة للتحكم في فكر شخص واتجاهاته دون رغبة أو إرادة منه”

وقد استخدمت كلمة “غسيل مخ” لأول مرة بواسطة الصحفي الأمريكي “إدوارد هنتر” في ترجمته للكلمة الصينية “هسي تاو” المستخدمة للتعبير عن النظرية الصينية “إصلاح الفكر” أو إعادة التشكيل الأيديولوجي أي برنامج التثقيف السياسي الذي يقوم أساسا على أن كل الناس الذين لم يُثقفوا في المجتمع الشيوعي لابد أن تكون لديهم اتجاهات ومعتقدات بورجوازية، ومن ثم يجب إعادة تثقيفهم قبل أن يحتلوا مكانهم في المجتمع الشيوعي.

ولعملية غسيل الدماغ طرق عدة ولكنّنا في هذا المقال سنكتفي ببحث أسلوب الدعاية والإعلام في عملية تغييب العقل وغسيل الدماغ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أولا سنورد معنى الدعاية؛ وهي”علم أو فن الإيحاء والتأثير على عقل الجماهير من خلال الإلحاح والتغيير والإغراء لتقبل وجهات نظر أو أراء أو أفكار أو متغيرات جديدة ومختلفة عن تلك التي ترسخت  من قبل في هذا العقل.”

الدعاية والرأي العام

و تعتبر الدعاية أداة رئيسية في توجيه الرأي العام نحو فكرة ما أو تبني نهج ما، وتعد الدعاية الألمانية إبان الحرب العالمية نموذجا رائدا في توجية الرأي العام؛ حيث كانت تستخدم أبواق الإعلام لتوجيه الرأي العام نحو أن الجنس الآري هو الجنس النقي والرائد والأمثل لتولي حكم العالم، وقد أجاد جوبلز -وزير الدعاية في حكم النازي- في توجيه الرأي العام إلى حيث تريد السلطة بل إنه لم يوجّه الرأي العام الألماني فقط، بل أيضا البريطاني،

حيث استخدم أسلوب الدعاية في إحباط معنويات الإنجليز مستخدما الدعاية  حين أُشيع أن الطائرات البريطانية أغارت على مواقع ألمانية ودمرتها عن بكرة أبيها وكرر الخبر حتى إن وسائل الإعلام البريطانية تلقفت النبأ لبث الروح المعنوية العالية في شعبها وعندما صدق الشعب ذلك دعا الجيش الألماني وسائل الإعلام لمشاهدة ما أشيع عن تدمير للمواقع المذكورة ووجدتها مازالت سليمة ولم يكن هناك غارات أو شيء من هذا القبيل مما أصاب المجتمع البريطاني بالإحباط.

والوسيلة المثلى لعملية الدعاية هي التكرار مع التنوع حتى لا يصيب المتلقي الملل وهناك مقولة:

“كرر كرر حتى يصبح المقرر”

فبتكرار المحتوى الدعائي  تصل الرسالة بشكل راسخ في العقل الباطن وتستوطنه فتكون منهجا لدية بتكرار المحتوى بأن الرسالة صحيحة بالتأكيد، ومع تكرار المحتوى على أكثر من جبهة سواء بتعدد القنوات التي تذيع الرسالة أو عن طريق الصحف المتنوعة؛ هذا التكرار يؤدي مع الوقت الي التصديق والإقرار بالفكرة، ونذكر مثالا لذلك بما أنتهجته الصحف الأمريكية إبان الانتفاضة الفلسطينية حيث نشر مركز يسمى “لو كان الأمريكيون يعرفون”  دراسة إحصائية عن ما جاء بالصحف الأكثر انتشارا مثل “نيويورك تايمز” حيث نشرت أنباء عن قتلى الأطفال الإسرائليين في عام 2004 بنسبة سبعة أضعاف ما نشر من أنباء عن الضحايا من أطفال الفلسطينين ومما لاشك فيه أن نسبة هذا التكرار ولّد عند المواطن الأمريكي تضخيما لحجم قتلى الأطفال الإسرائليين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي غياب منطلقات التفكير المنطقي الناقد المحلل تستطيع وسائل الإعلام #التلاعب بالعقول وبث ما تريده من أفكار موظفة في ذلك كل المؤثرات السمعية والبصرية والألوان الزاهية والكلمة المدروسة، فوقع الكلمات يختلف من كلمة لكلمة على سمع المتلقي وباستخدام الألفاظ الرنانة التي تلعب على وتر العاطفة يتم استدراج العقل الباطن للتلقي وإشعال جذوة الإثارة العاطفية.

ما هو الحل؟

مما سبق يتضح مدى قوة الأداة الأعلامية في تشكيل العقول مستخدمة تلك الآلة الجبارة وإمكانيات وموارد مالية وتكنولوجيا قادرة على تغيير عقليات وأفكار وأيدلوجيات، ومن هنا يجب أن ننوّه على ضرورة الثقافة وما تعنيه من وجود إمكانيات عقلية تؤهل الأفراد لتنقية وفلترة كل ما يسمعونه ويرونه على وسائل الإعلام ، كما يجب على كل فرد أن يقرأ ويحضر الندوات التي تؤهله لأن يكون مفكّرا ناقدا مستخدما أدوات التفكير التي تمكنه من ذلك، فقد وهبنا الله عقلا نفكر به وهو أعظم منحة يمكن أن تمتلكها، إنها منحة التفكير، فلا يجب أن نكون كالإسفنجة  تتشرب كل مايسكب عليها؛ بل يجب أن تكون لنا شخصيتنا المستقلة الناقدة لكل ما نسمعه ونراه.

 

المزيد من المقالات:

تأملات في مسلسل ذئاب الجبل

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الكوميديا ودورها الهام في الغزو الثقافي

أنا مين فيهم.. أفكاري وليدة الظروف والبيئة أم وليدة الوعي والفهم ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية

مقالات ذات صلة