مقالاتأسرة وطفل - مقالات

هو لا يعرف أمه، والأم لم تعد تعرف ابنها! – السيارة الذكية هي من ربته

التربية والسيارة الذكية !

كان لثامر أسرة ميسورة الحال، كانت تذهب معه في نهاية كل أسبوع إلى إحدى المحلات التجارية الكبرى للتسوق، وكان ثامر وقتها في الخامسة من عُمره، كانت والدته تتعامل معه بأسلوب فريد في التربية ! وذلك بأن تضعه في عربة تشبه السيارة تحتوي على شاشة إلكترونية تعرض له بعضا من الألعاب والأغاني ذات الطابع الكرتوني، وبذلك كانت تضمن أم ثامر أنه لن يحدث ضجيجًا ولن يُزعجها طوال فترة التسوق وشراء كل ما تريده.

تلك السيارة يطلق عليها البعض السيارة الذكية إن كانت حقًا ذكية، لم تعرف أم ثامر إنها بذلك تدمر طفلها عقليًا ونفسيًا، فهو إجراء بسيط، ولكنه يلغي كل حواسه من أجل راحة لها لمدة ساعات، ولكنها لم تدرك إنها سوف تتعب طوال عمرها وتعاني من جهل ذلك الفعل، فهو كان يمكث في مكانه لا يتحرك لا يصدر صوتا ولا يرى الأطفال في عمره ولا يشارك بأي رأي، ولا يقوم بأي إزعاج لوالدته وكانت أمه في غاية السرور من ذلك التسوق المدهش الممتزج بانعدام التربية !

مع الوقت زاد إعجاب ثامر بالأجهزة الإلكترونية وأصبح مدمنا لها بشكل غير طبيعي مقارنة بمَن في عمره، أصبحت غرفته مليئة بتلك الألعاب والأجهزة وكانت سنين عمره تنقضي في غرفته حتى كبر وأصبح الكمبيوتر المحمول هو أقرب الأصدقاء إليه، لاحظت أمه متأخرًا بعد أن بلغ ثامر العشرين من عمره أنه شخصية منطوية ليس لديه أصدقاء، ولا يدافع عن حقوقه، ولا يبدي رأيه في أي قرارات تخص حياته أو حياة أسرته وكانت عندما تحدثه لا يجيب عليها، سألته أمه ذات يوم في عصبية:

الانفجار

لم كل هذا؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا أنت هكذا؟

كان في البداية لا يرد عليها ولا يستجيب لها، ثم ذات يوم أثارت أسئلة أمه غضبه وانفجر فيها ليبوح بكل ما ينقصه من مشاعر وإهمال في تربيته وعدم رعايتها له كما كان يشاهد باقي أمهات أصدقائه، صار يبكي بشدة ويصرخ مع تصرفات وانفعالات لا تكنّ أي احترام لوالدته، صار يسألها بعنف لمَ جاءت وسألته الآن بعد أن تركته كل هذه السنوات، ألم تنتبه إلا بعد أن صار شابا ألم تدرك أن لديها ابنا ذا طابع غريب غير الآن.

  قال لها إنّ الوقت قد فات يا أمي ولا داعي للحديث الآن لقد وجدت في عزلتي ما يريحني وأصبحت أجهزتي تعوضني عن ذلك النقص الذي سببتيه لي؛ الذي أنشأ شخصيتي المتدنية الغريبة المنعزلة عمَّن حولي، وطلب منها أن تغادره وأن تتركه كما هو فهو لا يريد أن يؤلمها أكثر من ذلك، اندهشت أمه من ابنها الذي تحول من شخص هادئ إلى ولد عاق لم تعرفه ثم تركته في صمت وقلبها منفطر لهول الحقيقة الصادمة.

موقف بسيط نشاهده عشرات المرات يوميًا إذا ذهبنا لأي مكان للتسوق، وأيضا في معظم البيوت التي أصبحت مليئة بالأجهزة الإلكترونية المتاحة بين يدي الأطفال من سن صغير جدًا لما فوق، موقف يصيبني بالأسى لما نفعله في أطفالنا: نحولهم الى مرضى نفسيين بأيدينا، نلغي شخصياتهم وعقولهم، نجبرهم على واقع يُدني من قدراتهم، لماذا تنجبون أطفالا ليس لديكم القدرة على رعايتهم وتربيتهم وملاحظة سلوكياتهم؟  لماذا لا تدرسوا وتقرؤون قبل أن تُقبلوا على تلك الخطوة؟ كفانا تزويدا للمجتمع بأشخاص ليس لديهم مقدرة على إثراء المجتمع، كفانا أشخاصا سلبيين ومحطمين بسبب أفعال لم يعرف عواقبها آباؤهم.
التربية ثم التربية ثم التربية أيها الآباء.

رحماكم بأبنائكم

أتقنوا وسائل التفاعل بينكم وبين أبنائكم ولتعلموا أن السبيل الوحيد لكسب قلوب أولادكم هو التربية ببناء علاقة قوية بينكم وبينهم، حطموا كل الجسور بينكم، ساعدوهم على الارتقاء لا التدني،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

راقبوا أفعالهم بحذر وإن وجدتم ما هو غير لائق تدخلوا بلين ولطف، قدموا الحنان لأبنائكم وأشعروهم بذلك الدفء النابع من قلوبكم فهو عامل مهم ورئيسي لبناء شخصية قوية واثقة من نفسها معطاءة محبه للخير والسلام، فهناك فارق كبير بين طفل تربى على الحنان والعطف وطفل حُرم منه، يمكننا أن نلاحظ ذلك بوضوح من خلال تعاملنا مع الشخصيتين، اتقوا الله في أعمار أبنائكم ومراحلها المختلفة.

وكونوا على إدراك بكيفية التعامل مع كل مرحلة من مراحل التربية على حدة، كفانا تقليدا للغرب في كل ما هو سلبي بدون تفكر في آثاره السلبية، تجنبوا كل الأجهزة الغبية أو انتقوا كل ما هو مفيد فقط لهم.

ربما يوجد الكثير مثل ثامر ولكننا لا نريد المزيد من ثامر، نريد أفراد أسوياء قادرون وفعالون ولا يرتكبوا ذلك الإثم ثانية مع أولادهم، قد يظن البعض أن مثل ذلك فعل ليس قابل لتلك المبالغة ولكن لعل المبالغة هي التي توقف أستخدام المزيد من الأفعال الغبية.

أعجبتني أحد المقولات المعبرة عن حال أطفالنا;

” العادات التي نُكسبها للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة هي التي تحدد إذا ما كان الأطفال سيعيشون حياة الفقر أو الثراء، أو الأنتاجية أو الخمول، أو الخير أو الشر، فلنعلمهم العادات الجيدة منذ صغرهم لنضمن لهم مستقبلًا آمنًا”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

طالع أيضا:

كلام عن الصيام وموسم الضجر العلني

الصراعات الداخلية…ولادة عسيرة

 عبقرية الدهشة وسلطان الاعتياد

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

خلود أشرف

طالبة بكلية العلوم جامعة القاهرة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة