مقالات

أفول الدعاة الجدد – الدعاة وتشتيت مسار الخطاب الإسلامي – هل هذا هو التجديد المطلوب ؟

ظل الخطاب الإسلامي فترة طويلة موَجِّهًا من قبل المؤسسة الدينية الرسمية، أو من خلال شيوخ الكاسيت، يخاطب عموم الناس والطبقات الفقيرة والشعبية، إلا أن هناك فئة لم يَصِلَا إليها، ألا وهم طبقة المترفين المرتبطين بالثقافة الغربية والنمط الاستهلاكي، فهؤلاء كانت مشكلتهم الأساسية أنهم لن يتخلوا عن حياتهم تلك، والخطاب الديني في هذه المرحلة -مع أنه لم يشتبك مع ظالم ولم ينصر مقهورا- كان يتسم غالبا بالتقريع والتوبيخ والسخرية من حياة الناس وغفلتهم عن حساب الملكين وعذاب القبر، وأنهم مهما فعلوا فهم مقصرون؛ ولو التزموا بالفرائض فهم على تفريطهم في السنن ملامون، ولو صلوا بالليل والناس نيام، فإنهم لم يخشعوا أو يتباكوا لذا فهم عن السلف بعيدون…

وهذه الفئة من الأغنياء والطبقات العليا لا يريدون دينا يفسد عليهم دنياهم، ولا شيخا يقلق حياتهم بالتقريع والتوبيخ والهمز واللمز من طريقة عيشهم، ومن ثم كان الخطاب التجديدي للشيوخ الجدد هو الوصفة السحرية لكثير ممن أرادوا أن يربحوا الآخرة ولا يخسروا الدنيا!

تجديد الخطاب الإسلامي

تجديد الخطاب الإسلامي وقد كان طوق النجاة لهذه الفئة دعاة جدد وصفوا أنفسهم بأنهم الوسطية بين الدين والدنيا، أو كما قال أحدهم موجها حديثه للمشاهدين “أريد أن أصبح غنيّاً لينظر إليّ الناس ويقولوا: انظروا إنه متديّن غني؛ وسيحبّون الله من خلال ثروتي، أريد أن يكون لي مال وملابس كثيرة لأحبب الناس في دين الله” كما تحدث منتشيا بمنهجه “أنا أكتر داعية في العصر الحديث اتكلم عن قيم الجمال، والعطور وأحب الطريقة التي تعرض بها منتجات هذه الشركة لأنها تتفق مع القيم الإسلامية التي تدعو للجمال أو كما نصح داعية آخر بجمال خلط العطور بالبخور ولكن مع شركة أخرى” لتبدأ هيكلة المسلم وفق تعريفات الدعاة الجدد بأن المسلم الحقيقي هو الغني الناجح الذي يرتدي أفخم الماركات ولكنه يضع العطور التي تتفق مع القيم الإسلامية والممزوجة بالبخور!

أهذا هو التغيير المطلوب!

يملك السيارة الفارهة ولكنه يلصق على الزجاج الخلفي “فداك أبي وأمي يا رسول الله”! يأكل في المطاعم الأمريكية وينهل من كل الملذات الدنيوية ليشبع نهمه الاستهلاكي، ولكن لكي يقنع نفسه أنه ليس غربيا منحلا مقلدا لثقافتهم وناشرا لأفكارهم فإنه يسمي الله قبل أكله وشربه ولبسه، تحت شعار “أسلمت حياتي لله”! وحتى عندما أراد أحد الدعاة أن يتكلم عن الأكل الصحي وليس ثقافة الوجبات السريعة، فقال في تعريف مانعٍ جامعٍ وافٍ شافٍ للمادية “أن الروح لن ترتقي إلا مع تلك الوصفات من الطعام”!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يبدو أن نموذج التدين هذا هو لطيف وبريء ومريح، بيد أن هناك أمرين كانا سيعكران فطرة المتدين، ألا وهما رغبة المسلم المتدين الفطرية في المشاركة في تحقيق حياة آدمية للبؤساء والمحرومين، ودوره الطبيعي في نصرة المستضعفين ومواجهة الظالمين والمحتلين، ولكن لا بأس فالدين الجديد يقدم لنا الحل السحري: فمن راودته نفسه المطمئنة بتحقيق العدالة الاجتماعية، فإن شنط رمضان هي المسكن الأمثل لعلاج نغزات الضمير، دون أن تؤثر على حياة الفرد المتدين الغني في تضخيم ثروته!

أين الدعاة من المستضعفين والمظلومين ؟

ومشاهد العدوان المريعة على أراضي الفلسطينين واحتلال المقدسات وقتل المحتل للأبرياء واستحلال دمائهم والرغبة في تحرير أراضي المسلمين، ستنوب عنها بضع دعوات ممتزجة ببعض عبرات تبرد نار العاجزين!

أما لو سألتم هؤلاء الدعاة عن الموقف من الظالمين والفاسدين، فالحل معروف: لو صليتم الفجر لسلط الله علينا إماما عادلا، والاستبداد والظلم والفساد، ونصرة الحق ومعاداة الباطل هي أمور سياسية ملناش دعوة بيها يا محي!
يقول الإمام الغزالي ” … بل لا ينبغي أن يسلم الوعظ إلا لمن ظاهره الورع، وهيئته السكينة والوقار، وزيه زي الصالحين، وإلا
فلا يزداد الناس به إلا تماديًا في الضلال”.

ولكن تعلمت الأمة أن هذا لا يكفي فالهدي الظاهر مطلوب والهدي الباطن مطلوب، ولكن يبقى أن يسبق هذا وذاك فكر صحيح، ورؤية واقعية ومعرفة بالزمان والمكان، وخطاب واضح قريب من الناس يتكلم بلغتهم دون تقعر متكلف ولا تباسط مخل، يحس بأواجعهم ويضع الحلول لمشكلاتهم، أو كما قال العز بن عبد السلام “ﻣﻦ ﻧﺰﻝ ﺑﺄﺭﺽ ﺗﻔﺸﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺰﻧﻰ ﻓﺤﺪﺙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺣﺮﻣﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎ ﻓﻘﺪ ﺧﺎن”.

إقرأ أيضًا :

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحق سينتصر رغم انتشار الباطل – وسنن التاريخ لا تدعو لليأس

شرنقة التدين وفراشة الإرهاب (1)

الحضارة الإسلامية.. بين البديل الأمثل والبديل الأوقع

أحمد السيد

بكالوريوس تجارة
خريج معهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة