إصداراتمقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

قصتي مع ابن أختي, ظاهرة براءة الأطفال التي ستقضي على إسرائيل

حدث أن اختلفتُ مع أختي ، وتركتها لأنزوي في أحد أركان البيت؛ ليأتي ابن أختي الصغير ذو العامين ليحتضنني بين ذراعيه الصغيرين و هو مالم تفعله أختي وآخُذُ في الذهول من فرط المفاجأة، ولأشمله بذراعي الكبيرين وأجذبه وألثُمه.
لم أستطع أن أنسى هذا الموقف أبدًا ، وكلما رأيتُ الصغير يتجول في البيت أمام ناظريّ، أفتعل أنِّي حزينة، لأجده يهرع إليّ قاصدًا التخفيف ولا يدري أنني أتلاعبُ به، وما أجملها من لُعبة!
وطفلةُ هناك كانت تشاهد التلفاز، وإذا بشخص يبكي فأخذت منديلًا ورقيًا ،وأخذت تمسح دموعه عبر الشاشة!
وطفلُ يرى عدة تماثيل لمجموعة من الأرانب، وآخرهم في مستوى أقل؛ -يُحاول الالتحاق بزملائه – ،فيأخذ الطفل في رفع تمثال الأرنب بشيء من الجد والحزم حتى يلحق بزملائه!
وهذا المشهد الذي يأخذ بالألباب؛ طفلة صغيرة تُغطي عَيْنَىّ دُميتها حتى لا ترى آثار القصف والدمار الذي أصاب بلدتها أو هكذا ظنَّت.
تتغنى البشريّة حاليًا بحلاوة اطمئنان قلوب الأطفال، وجمال خيريتِهم الفطريِّة. وتلتفتُ إلى الطفولة كأنها حدث جلل أو كأنها ظاهرة غريبة!
وتعمل على تمويل الدراسات التجريبية “البدائية” لفهم هل الأصل هو الخيرية الفطرية أم أنَّه الشر وحده!

في عام ١٩٧١ قامت البحرية الأمريكية بتمويل دراسة تجريبية* أقامها “زيمباردو” بهدف فهم الصراعات الدائرة في سجونها، واختار زيمباردو لتجربته مجموعة من البشر، قُسمت عشوائيًا إلى مجموعة المساجين، ومجموعة الحراس.
أُمِرَ المساجين بأن يرتدوا ملابس واسعة وفضفاضة، وأن يُنادى عليهم بأرقام بدلًا من أسمائهم، وأن توضع السلاسل في أرجلهم وأودِعوا الزنازين، وبالمُقابل عقد “زيمباردو” جلسة تمهيدية مع الحُراس ووجه لهم كلامًا مفَاده:
« يمكنكم أن تولدوا إحساساً بالخمول لدى السجناء، ودرجة ما من الخوف، من الممكن أن توحوا بشيء من التعسف يجعلهم يشعرون بأنكم وبأننا جميعاً نسيطر على حياتهم، سوف لن تكون لهم خصوصيات ولا خلوات. سنسلبهم من شخصياتهم وفرديتهم بمختلف الطرق. بالنتيجة سيقود كل هذا إلى شعور بفقدان السيطرة من طرفهم. بهذا الشكل سوف تكون لنا السلطة المطلقة ولن تكون لهم أي سلطة.»
يحكي أحد الأصدقاء؛ بأنّه لو وِجدت نعجة بها كسر مثلًا، ووضِعت بمكان معزول آمن تشرب وتأكل في كل وقت؛ إذن فمن الطبيعي أن يبرأ كسرها في وقت قصير، لكن لو وُضعت تلك النعجة بكسرها أمام ذئب في قفص أمامها، فهل سيبرأ ذلك الكسر رغم توفر الأكل والسِقاء وهي خائفة من تربص الذئب بها؟!
يُذكر أنَّ “دراسة زيمباردو” كان من المُقرر لها أن تستمر قُرابة الأسبوعين ولكنها لما تتجاوز الستة أيام بسبب كم الانتهاكات الإنسانيَّة والممارسات السَّادية التي تمَّ مُمارستها بواسطة “الحُراس” ، وقد تم إنهاء الدراسة بتدخل الباحثة “كريستينا ماسلاتش” ولم تكن على علم بهذه التجرُبة المنافيَة للأخلاق!
لم يتوصَّل “زيمباردو” لأي نتائج لتجربته، وفي عام ٢٠٠٤ نُشِرَت مجموعة من الصور المسرَّبة عن سجن “أبو غريب” الأمريكي والتي توضح كم الانتهاكات الإنسانية البشعة للسجناء هنالك!!

إن النظرة التجريبية حينما حاولت تفسير ظاهرة الفساد والميل والعِوج عن الحق، وغياب الخير (الشر)؛ ضيقت على نفسها وشدت على نفسها الحصار، ولم تطلق النظر إلى الوجود بأكمله، ولم تلتفت إلى الآفاق؛ حيث الوجود المطلق أو الواجب (المبدأ الأول) – الذي يتصف بكل كمال وهو الذي أوجد كل الكمالات الوجودية – وأخذت تبحث في سلسلة من العلل والمعلولات، ولم تنظر بصورة كلية إلى الوجود بأكمله. فكما أن الظلام ما هو إلا غياب الضوء، كذلك الشر ما هو إلا غياب الخير.
لقد سلمَّ زيمباردو عقله للتجارب المخبرية، ونحَّ الحكم العقلي المُميز بين الحسن والقبيح جانبًا، ولعله أدرك ذلك آنفًا عندما نبهّته مساعدته الباحثة المُبتدئة، وزيمباردو الآن مُتزوج من مساعدته”كريستينا” ويُنادي بالعدالة واحترام الحقوق الإنسانية.

انبرى الكيان الصهيوني منذ أعوامٍ عديدة يقتل ويُنكل في أبناء الشعب الفلسطيني ويستولي على الأراضي وينهبها ويقوم ببناء المستوطنات على أراضي ليست له ويقوم بتشريد شعب كامل والعالم يجلس متفرجًا تحت الخديعة الكبرى” المؤامرة اليهودية الكبرى” حيث تم نشر ما يسمى بـ “بروتوكولات حكماء صهيون” حاملة فكرة أن الشعب اليهودي وحدة متماسكة، وقوة لا تقهر، ولا يُمكن هزيمتهم، وظهرت شعارات “جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يُقهر” وأخذت الدعاية الصهيونية الواعية تُروج لها، والدعاية المُعادية للصهيونية غير الواعية تروج لها هي الأخرى، وصدق العالم هذه الخديعة وهو يشاهد تغييب العدالة وإهالة التراب عليها في فلسطين بواسطة جرافات العدو الصهيوني. ولكن خلال عام ١٩٧٣ السادس من شهر أكتوبر، قام الجيش المصري بتحطيم أسطورة “جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يُقهر” ومُحِيَت خديعة المؤامرة اليهودية الكبرى. ولا تزال فلسطين بأبنائها تقاوم هذا الكيان الصهيوني- الذي اغتصب أراضيها- بشبابها وشيوخها ونسائها، بل بأطفالها “أطفال الحجارة” الذين يُقتلون ويُقصفون بالطائرات!!
ومهما حاولت “إسرائيل” أن تقتل ظاهرة الطفولة؛ بأن تقتل الطفل محمد الدرة خلف أبيه أمام كاميرات العالم، مهما حاولت أن تقتل الأطفال على شاطئ البحر وهم يلعبون، مهما حاولت أن تحرق الطفل أبو خضير عيانًا، مهما حاولت أن تحرق الطفل علي داوبشة…. وغيرهم الكثير. سيظل الأطفال يولدون وبداخلهم عيون الخير تنبثق وتفيض وتغمر شرور العالم المادي الغربي لِتُحطم كذب وادّعاء ووهن أسطورة الشر الإنساني المُطلق. وسنظل عارفين وعالمين بماهية هذا الكيان الصهيوني، فجُرحُنا لن يلتئم إلا بعد نزع شوكته وإلقائها في سلة النُفايات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“الذاكرة، الخيال، التفكير” هذه القوى الثلاثة التي لم يتساو بها الإنسان مع الحيوان؛ فعن طريق الذاكرة يستدعي الإنسان ما حدث له في الماضي، وعن طريق المُخيلة يستحضر الألم أو اللذة الناتجين عن هذه الأحداث فيتمثلها أمامه وكأنها عيان! وبتفكيره يحاول الوصول إلى الطريقة التي تُخلصه من ذلك الألم أو تحقيق هذه اللذة مرة أخرى!
فمثلًا حينما يستدعي الإنسان بذاكرته أثر اللذة التي حدثت له إثر حصوله على مقدار وفير من المال، ويتخيل ما يمكن أن يفعله بهذا المال من الحصول على جميع مستلزماته التي يحتاجها من ملبس، ومشرب، ومأوى وأيضًا ما يمكنه من توفير متطلبات ذويه، وتزداد لذته، ويزداد الدافع لحصوله على المال مرة أخرى لتتحقق سعادته. ويقوم بالتفكير لتدبير الوسيلة اللازمة لحصوله على المال بأن يُعمل عقله. فإذا كان عاقلًا متزنًا معتدل الذكر هادئ الخيال صحيح الفكر ؛فإنه سيختار #الحسن من الفعل، و سيكدّ ويتعب في عمله لاكتساب المال وبالتالي تحقيق لذته وسعادته. أما إن كان مُخادعًا لئيمًا فإنه يختار القبيح من الفعل وسيقوم بعملية السطو على أحد المصارف مثلًا.
والإنسان يستطيع التمييز بين الحسن والقبيح من الفعل، ولكن الاختلاف في اختيار الأفعال يختلف باختلاف طرق تتشئتهم وأمزجتهم ونواياهم.

إنني أعلم أنني لو كنتُ أمًا ظالمة، وحاولت ابنتي تقليدي فسأصرخ بها رادعة؛ “لا تُخطِئي السبيل يا ابنتي”.
فالطفولة ليست ظاهرة غريبة، بل هي بارقة أمل تذكِّر الإنسان بخيريّته، وعشقه للأمن والاجتماع والخير للعالم أجمع حتى الجمادات!
لقد أصبح العالم ينظر للطفولة كأنها ظاهرة غريبة حينما غيَّب العقل، وحينما أطفأ نور الحق، وحينما طغا على حقوق غيره، فأصبح يشعر بالبؤس وعدم الأمان، وعمّ الظلم بسبب إهالة التراب على العدل.
وليت شعري من أهنأ من الطفل الذي يضحك بملء جنانه! الذي يحزن هُنيهة -لفقد دُميته- وعندما يجدها كأن شيئًا لم يكن! الذي ينام ملء أجفانه لا يخاف شيئًا! الذي ملكَ الدنيا عندما امتلك كساء العيد فقط، من أهنأ منهم 

ما أجمل ظاهرة الطفولة و ما أكثر ما نتعلم منها

——–
*اختبار سجن ستانفورد:
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/اختبار_سجن_ستانفورد#/search

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

داليا عادل

طالبة بكلية الطب – جامعة المنصورة

باحثة ومحاضرة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة