مقالاتقضايا وجودية - مقالات

يارب النيزك بقى .. هل لديك  أي طلبات أخرى قبل النهاية؟!

“يارب النيزك بقى”، “نيزك بقى يارب”، “أدعو رئيس الدولة النووية لضرب الصواريخ لنخلص بقى”.

أمنيات منتشرة يكتبها ويرددها أغلب مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وجاءت دائماً كردود فعل جاهزة وخفيفة الظل؛ كلما واجهنا ظواهر أو سلوكيات غريبة.

واحتل معها كوميكس “الدواء به سم قاتل” نصيبه أيضاً من السخرية، وهي العبارة الشهيرة من فيلم “حياة أو موت” للفنان عماد حمدي، ليطالبه بالإسراع في أخذ الدواء؛ لأن به هذا السم.

ولم نكتفِ بهذا الحد، بل امتدت لحالة من البهجة والفرح، كلما أعلنت وكالة ناسا؛ عن احتمالية سقوط مذنبات أو نيازك واصطدامها بالأرض!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هذا الوضع يستدعي منا البحث وراء كل تلك التطلعات، فعلى الرغم من كونها لا تخرج عن الإطار الساخر الهزلي؛ ولكنها قد تعكس حالة من الإحباط العام، أو عجز عن المواجهة لنختبأ وراء النيزك الموعود ليرد لنا حقوقنا ويرفع عنا مظالمنا!

حقيقة النيزك ونهاية الكون:

بداية، من الضروري الإشارة للعلاقة الوطيدة ما بين الأرض والنيازك منذ قديم الأزمنة؛ فالنيازك تمثل النتيجة النهائية التي يركن إليها العلماء غالباً؛ عند حدوث ظواهر غير مفهومة مثال انفجار سيبريا بروسيا في عام 1908 والذي أدى إلى تخريب 2000 كم2 من الغابات.

أما الأشهر في هذه التكهنات، فهو التقارير المنسوبة لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، والتي تشير إلى احتمالية تعرض الأرض لنيزك مدمر يسمى “نيزك أبوفيس”، تتنبأ له ناسا بعام 2036م كموعد لاصطدامه بالأرض وتدميرها بالكامل!

وكذلك أعلنت وكالة الفضاء في مطلع عام 2019، عن تواجد أكثر من 10 ملايين أجسام فضائية ما بين صخور ونيازك، كفيلة بتدمير كوكب الأرض تماماً في حال اصطدمت به.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتجدر الإشارة هنا إلى كونها دراسات واستكشافات علمية قد تخطئ أو تصيب، ولا خلاف على افتراضاتها، وإنما تـتطلب مزيداً من الأبحاث للتدليل عليها.

كما أن هذا ليس موضوعنا الرئيسي في هذه السطور، وإنما ذُكرت كمحاولة لوضع أيدينا على الخلفية التاريخية والعلمية التي أبهجت الداعين لها، وأدت لإطلاق تلك الكوميكسات الخفيفة الظل بـ “نيزك بقى يارب”.

النيزك “أبوفيس” والحقيقة من وجودنا:

انطلاقا مما سبق، وعلى افتراض أننا سلمنا بصحة تقارير وكالة ناسا؛ إذاً فحتماً هناك نهاية ما، لك كإنسان أولاً قبل أن تكون لكوكب الأرض بأكمله!!

ولكني أعتقد أن مجرد التسليم لهذه التكهنات دون تحرٍّ، يوصلنا للعديد من الإشكاليات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأولها أن جميع هذه الدراسات وما ينتج عنها تدور فقط في الإطار التجريبي المادي، وكما أوضحت من قبل لا خلاف على نتيجة افتراضاتها، طالما لم نحملها أكبر من طاقاتها وأوصلناها لحالة من اليقين التام، وهي ما زالت في طور الدراسة والاستكشاف كل يوم.

وثاني هذه الإشكاليات، أن الانغماس في نتائج هذه التجارب المادية وبمنهج مادي بحت، قد خلق حالة من الركون للراحة واليأس والتشاؤم، تحت دعاوي “ما الفائدة من الاجتهاد والتعب طالما أننا في النهاية سنموت!

وأدى لخلل كبير في تصور النهاية والموت؛ مقتصرًا فقط في المظهر المادي بأنه انتقال من الوجود إلى العدم، ولعل السعادة الغامرة بقرب انتهاء كوكب الأرض ودماره؛ هي المصداق الأمثل على ذلك، وجميعها ترحيب بالغ بالنهاية لنتخلص من عبء هذا العالم ومظاهره الشاذة.

لكن الأغرب من ذلك، أن النيازك فقط هي ما تخلق هذه السعادة لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فلماذا لا نشهد دعوات مثل “يارب فيضان بقى”، “أعاصير بقى
يارب”!! مع أنها تقريباً تشكل نفس المصير، كوارث طبيعية تحدث أضراراً جسيمة وتخلف أعداداً بالغة من الضحايا والمنكوبين.

إلا أن الخروج من هذه الإشكالات جميعاً؛ يتمحور أولاً في البحث ومحاولة التوصل للغاية من وجودنا في هذا العالم، فنحن لم نخلق بلا هدف أو غاية أو لنكون فقط ضحايا لنيزك منتظر أو كارثة كبرى تنهي العالم بلا فائدة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وثانياً في الفهم الصحيح والإدراك الشامل لكل المفاهيم من الوجود والعدم، والموت والحياة.

إدراك غاية الوجود قبل المطالبة بالنيزك: 

ولإدراك غاية الوجود وحقيقة تواجدنا في هذه الدنيا، لا بد من السعي بشغف وعمل دؤوب لمحاولة الإجابة عن ثلاثة أسئلة وهي:

من أين جئنا؟

وأين نكون؟ وعلى ماذا نكون في وجودنا؟

وإلى أين النهاية؟

استفهامات ثلاثة لاستخلاص وفهم الوجود، وأن نجعل من أولوياتنا البحث والتكامل للإجابة عليها؛ قبل أن نجعل من النهاية هدفاً بلا بداية.

فلنتخيل أننا في صف دراسي وكلفنا بامتحان للنجاح في المنهج المقرر علينا، فمن المفترض أننا سنهتم ونتهيأ لهذا الامتحان وإدراك مدى المسؤولية والمهمة المكلفين بها.

لكن ماذا ستكون ردة فعلنا ممن يتعجل بطلب تسليم ورقة الإجابة دون أن يخط بقلمه شيئاً فيها، أو لم يستعد الاستعداد الكافي لهذا التكليف، حتماً سيكون مصيره الرسوب في المادة.

وبالعودة لما قبل النهاية، آن لنا أن نسلم الآن؛ بأن لوجودنا فرصة جديدة للإجابة وسعي لنيل المزيد من الكمالات قبل تسليم الورقة.

فرغبة الإنسان للتكامل هي رغبة فطرية تحركه وتدفعه، وتستلزم رؤية صحيحة وإجابات واعية سليمة.

هذه الإجابات تجعل كل منا يدرك أنما خُلقنا لغاية كبرى، وبالبديهيات العقلية ندرك أن بوجودنا نرد لواجب وجود، وهو الله جل وتعالى.

ولذلك وبكل بساطة نعود بوجودنا لله تعالى نعبده وننزه عن كل نقص، وندرك ضمنياً أن الله بخلقه لنا قد أراد لنا خيراً، فهل حملنا الأمانة عن صدق حتى نتعجل النهاية بالدعاء “يارب النيزك بقى”؟!

النيزك بقى يا رب… في ميزان الوجود والعدم:

إذن وما بعد خلق الله لنا؟ فلماذا نسعى في هذا الوجود على الرغم من أننا سنموت في النهاية؟

الإنسان خُلق من جسد مادي وروح مجردة تتصل بهذا الجسد، ولهذا على الإنسان تأديب نفسه ليصل للكمالات الحقيقية، أما ما يبقى للجسد المادي من مأكل ومشرب وملبس فلا يعدو أن يكون مجرد وسيلة لهذا التكامل وليس الغاية من الوجود.

هذه الكمالات الحقيقية هي السبيل الحقيقي لما بعد الموت، فالموت بعيداً عن المفهوم المادي المحسوس ليس الوصول للعدم، وإنما يوجد ما بعد الموت مُساءلة ومحاسبة عن التكليف الذي حمله الإنسان في رحلة وجوده.

ولهذا بدلاً من الشعور بالسعادة الغامرة بقرب النهاية، أو المطالب المستمرة بـ “يارب النيزك بقى” علينا أن ننشغل بالبحث الأهم في وجودنا، وإدراك مدى رحمة الله الخالق العليم في خلقه لنا.

ومنها سنفطن أيضاً أن الظلم المستوحش في عالمنا إنما جاء نتيجة لجهل من الإنسان وعدم علم، ورغبة منه في التملك والسيطرة، وهذا ما يقتضي المواجهة وليس التخفي وانتظار النيزك ليحسم ما تغافلنا عن حله.

 

 

 

اقرأ ايضاً:

انطلق نحو الآفاق .. كيف نبدأ حركة التغيير ؟

 المثاليون خبـراء التعطيل.. كيف توصل الفراعنة لبناء الهرم المتين ؟

كيف نرفض ما يحدث في الواقع دون أن ننفصل عنه ؟

 

أحمد صالح

عضو فريق مشروعنا فرع القاهرة

مقالات ذات صلة