مقالاتقضايا وجودية - مقالات

ألم تتسائل يوما كيف تعجب نيوتن من وقوع التفاحة؟ أليس سقوط الشيء على الأرض أمر طبيعي؟

يقولون “إن المبدع هو ذلك الطفل الذي نجا !”.. إن الطفل مبدع بطبعه متميز بطبيعته، ذلك أن الطفل يرى كل الوجود غريبا، إن الطفل يرى هذا العالم لغزا ويحاول أن يحله، الطفل يرى كل شيء بعين الاستغراب و الدهشة ولا يرى هذا العالم بعين الخمول والاعتياد المقيتة التي اعتاد أن يرى بها الكبار في هذا العالم،

لذلك كان كل المبدعين أطفالا، لأنهم يرون هذا العالم بطريقة تختلف عن طريقة رؤيتنا للأمور، فأرسطو ونيوتن وبيتهوفين وغيرهم كثيرون كانوا ينظرون إلى هذا العالم نظرة تختلف عن نظرة باقي البشر، لقد كانوا أطفالا في طريقة طرحهم للأسئلة حول هذا العالم وكيفية فهمه وكيفية التعبير عنه..

عبقرية الدهشة

لم يكونوا اعتياديين بالمرة، لم يروا هذا العالم بعين السائد المجتمعي، فكان أرسطو يرى هذا العالم بعقله الجبار فأنشأ العديد من العلوم وكان هو المعلم الأول بلا ريب، وأسس نيوتن الفيزياء الكلاسيكية ووضع قوانين الحركة، وعبر بيتهوفن عن الجمال في هذا العالم بأجمل المقطوعات الموسيقية-على الرغم من كونه لا يسمع-.

لقد كان هؤلاء البشر بشرا بحق، ومارسوا إنسانيتهم كما ينبغي أن يمارس الإنسان إنسانيته، لقد اكتشفوا أن للإنسان احتياجات أكبر من مجرد الأكل والشرب، لقد عاشوا كما ينبغي أن يعيش الإنسان الحق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

روح الإبداع والتفرد والدهشة التي يرى بها المبدعون هذا العالم تختفي في عالمنا الآن من نظري، اختفت نبرة الدهشة بين تروس المصانع وسرعة الحياة الحديثة وضجيج الحفلات الصاخبة، اختفت نبرة التساؤل في هذا العالم، أصبح كل شيء اعتياديا، النظم السياسية والأخلاقية الفاسدة وتجنب الأسئلة الكونية المهمة والانسحاق تحت عجلة الحياة اليومية التي لا ترحم، كل ذلك أصبح اعتياديا،

عالم المادية يحارب التساؤل

عالمنا اليوم يحارب كل إنسان يحاول أن يخرج خارج دوامة الحياة المادية التي يفرضها علينا العالم الآن، كل ما يهتم به العالم اليوم هو أن نستهلك أكبر قدر ممكن من السلع والبضائع، يهتم العالم بأن يصبح الإنسان مجرد آله تعيش بلا تفكير، تعيش فقط لخدمة مصالح الشركات الكبرى التي تحكم هذا العالم وتتحكم بموارده،

لقد ضاعت روح الطفولة فينا وهي تحاول أن تنقذ جسد الإنسان المعاصر من براثن هذه المادية القاتلة، لقد أصبح الإنسان اليوم أقل تساؤلا وأقل دهشة من أي وقت مضى، أصبح الإنسان المعاصر-وخصوصا الإنسان العربي-لا يقرأ ولا يسأل، أصبح الإنسان يرى العالم بعين مجتمعه وكأنه قد فقد عقله وهو يحاول أن يؤمن رغيف العيش،

كان غوتيه الفيلسوف الألماني يقول “إن من لم يستوعب دروس ثلاثة آلاف عام يعِش فقط من يوم إلى يوم”، وإننا اليوم نعيش فقط من يوم إلى يوم حقا، نحن لا نرى الوجود إلا بعين المادة ونحسب كم سنستهلك وكم سندخر دون أدنى محاولة منا لفهم هذا العالم أكثر ومعرفته بشكل أعمق، ومحاولة الإجابة عن الأسئلة الكبرى وطرح أطروحات جديدة عن الكون والحياة والأخلاق.

التساؤل ضرورة إنسانية

لقد ميز الله الإنسان بالعقل عن كل المخلوقات، ونعني بالعقل هنا القدرة على التفكير المنطقي السليم واستخراج المعاني الكلية وفهمها وتأسيس العلوم المختلفة وغير ذلك، وبذلك العقل الفريد فينا يكون الإنسان إنسانا أصلا، لأنه إذا ما اختفى العقل من الإنسان بشكل ما، تنتفي صفة الإنسانية بشكل أو بآخر عن الإنسان ويصبح كائنا آخرا غير الإنسان ذاته،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولما كان من أهم مميزات العقل التساؤل كان لا بد من إحياء هذه الصفة فينا، التساؤل عما حولنا ليس عيبا ولا هو بضرب من الجنون، إنه عين العقلانية نفسها وبدون ذلك يضيع الإنسان في زحام هذه الحياة، لقد كان أرسطو يقول “إن الدهشة هي أول باعث على التفلسف” وأقول دعونا نحيي روح الدهشة والتساؤل فينا،

هذا العالم الذي أراه ظالما في نواحي كثيرة من الممكن أن يصبح أفضل إذا ما استخدم كل واحد منا عقله أكثر، إذا ما أحيا الإنسان نبرة التساؤل والدهشة بداخله، إذا ما استعاد الإنسان روح الطفولة بداخله سيصبح هذا العالم أفضل،

هناك أمل يا صديقي

لم لا نتساءل عن مدى نجاعة النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعروفة، لما لا نبتدع نظما جديدة أفضل وأكثر عدالة؟! .. لم لا نتساءل عن مدى خيرية أفعالنا الحالية ونبحث عن منظومة أخلاقية أفضل؟؟ .. لم لا ننبذ روح الكراهية والتعصب عن هذا العالم ونحمل معنا رؤية أكثر عقلانية وتسامحا.. لم لا نحلم بأن نرى هذا العالم بلا حروب وبلا دمار؟؟

كل هذا وأكثر بكثير من الممكن أن يحدث يا صديقي .. لم لا؟؟ .. لم نكن نتخيل في القرون الوسطى أننا قادرون على الهبوط على سطح القمر، ولكننا فعلنا ذلك في يوم من الأيام وقد يأتي يوم من الأيام ويصبح هذا العالم أكثر عقلانية وتسامحا وأخلاقية؛ حينها ستبدو هذه الكلمات اعتيادية تماما وحين يقرؤها أحدهم سيقول إننا قد تجاوزنا هذا بكثير، سيقولون إن الإنسان اليوم تخلص من اعتياده المفرط على الحياة وأصبح أكثر تساؤلا وأكثر ارتيادا لآفاق العلوم المختلفة، سيكون الإنسان حينها إنسانا حقا.

للمزيد من المقالات:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 المثاليون خبـراء التعطيل.. كيف توصل الفراعنة لبناء الهرم المتين ؟

جدلية الأنا والآخر

لماذا نحن مميزون بالعقل ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة