مقالاتفن وأدب - مقالات

لا يحمل اسمي

قصة قصيرة

كانت اللحظات بطيئة قاتلة تطوق عنقي بحبل عتيد أشد قسوة من حبل المشنقة، أجلس على كرسي الانتظار المليء بالجمر، ورغم يقيني من النتيجة ولكن ما زالت اللهفة في التغيير تنتابني، قالها لي ألف طبيب من قبل:

“أنت مصاب بانعدام الحيوانات المنوية ولا أمل لك في الإنجاب”، جربت كل الوصفات البدوية والسحرية والشعبية، وبالطبع كانت إعادة التحليل تعطيني نفس النتيجة، لا يوجد حيوان منوي واحد!

خرجت الموظفة من الغرفة الداخلية فاندفعت نحوها وأنا أسألها أن تمنحني النتيجة بسرعة، فنظرت نحوي شذرا ومنحتني المغلف المغلق، فأخذته وانطلقت مسرعا وضربات قلبي تزداد عنفا،

وبمثل كل مرة وفي خطوات واسعة تكاد أن تحلق بي طائرا، كنت أمام الصيدلي الوقور الذي ما إن رآني حتى علا وجهه الأسى ورسم ابتسامته الديبلوماسية بصعوبة وهو يرفع حاجبيه ويقول:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– عسى أن تكون النتيجة كما تتمنى هذه المرة.

نطق وجداني كله بأن آمين، فتح المغلف بروتينية اعتاد عليها، ونظر بتملل نحو المكتوب، ولكن اتسعت عيناه بقوة عجيبة، وانعقد حاجباه وتغضنت جبهته، هذه علامات تدل بأن النتيجة تخالف المتوقع بشكل كبير، هناك جديد هذه المرة، أثق بذلك، انطلق قلبي ليعزف بأقصى ما لديه، والفرحة بدأت تتسرب إلى خلاياي لأول مرة بشكل عجيب، ولكن.. لقد سالت دمعة من عين الرجل!

رد عجيب

حتما هي دمعة الفرحة والذهول من إعجاز الله عز وجل وقدراته، لقد قالها لي شيخ من قبل، العقم هو المرض الوحيد الذي ذكره الله في القرآن وربطه بمشيئته وفقط، ويجعل من يشاء عقيما، هيا انطق أيها الطبيب بسرعة، أريد أن يغشى عليّ من الفرح!
قال لي ببطء:

– هل أنت من طلب التحاليل هذه المرة؟

قلت بسرعة:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– لا إنه الطبيب المعالج قال بأنه يجب أن يطمئن على كل شيء وليس أمر الإنجاب فقط.

هز الرجل رأسه بأسى كبير وقال:

– حسنا يجب أن تعود إليه.

كدت أن أموت وأنا أرجوه بأن ينطق بما فيها، لم هذا الرد العجيب منه؟!

فقال وهو يشيح بوجهه وبصوت خفيض:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– أنت مصاب بأشرس أنواع السرطان وأيامك في الدنيا معدودة.

فجأة صمتت الأصوات وساد السكون كل الكون، شعرت بجلدي يتجمد وبطنين عجيب يتصاعد في أذني، وقلت له:

– ماذا؟

ناولني المغلف بعد أن وضع به نتيجة التحاليل وانصرف للداخل، فأخذته بيد واهنة وانصرفت، لقد كنت ابتغي الوليد، ولم يكن بعلمي أن أيامي في هذه الدنيا معدودة!

لا يحمل اسمي

لقد ضيعت عمري بحثا عنه ظنا بأن الحياة لا تستقيم إلا معه، هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولكن هل يجب أن نموت ألف ميتة قبل أن تدركنا الكبرى بسبب حرماننا منه؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقد فاتني الكثير وغفلت عن الأكثر وعشت دور الضحية المبتلاة، بينما كان في علم الله ألا يكون هناك يتيم جديد تطحنه الحياة بين فكيها!

سالت دموعي ولم أعد أرى الطريق أمامي فجلست جانبا مخافة أن تدهسني سيارة فأموت قبل أواني القريب!

إن كان لي في هذه الدنيا ساعات فلن أضيعها، سأفعل كل ما أحب، لن أحرم نفسي من شيء، سأستمتع وأبث الفرحة في كل من حولي لأترك لهم ذكرى طيبة يذكرونني بها، ساتقرب من الله وأعبده حق العبادة فلقائي معه دان.

انتابتني حماسة عجيبة لهذه الخاطرة، فقمت بنشاط زاعما الانصراف إلى بيتي لأبدأ ما خططت له، أمسكت بالمغلف وهممت بأن ألقي به في أول سلة مهملات، ولكن لأول مرة التقطت عيني الاسم المدون على جانبه الخلفي، إنه لا يحمل اسمي، بل اسم آخر!

اقرأ أيضاً:

أخلاق ابنة العاشرة

المحاكمة قبل الأخيرة

“آسفة على الإزعاج”

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. أحمد السعيد مراد

طبيب وروائي – عضو اتحاد كُتاب مصر

مقالات ذات صلة