مقالاتفن وأدب - مقالات

عندما تتخذ المجتمعات قرارات كارثية

من وحي كتاب الانهيار للمؤلف “جارد دياموند”

هل نحن علي خطى تلك الحضارات الأخرى التي أخفقت؟ ينظر “داياموند” للماضي والحاضر ليطلق تحذيرًا بشأن المستقبل، إن أولٰئك الذين يتجاهلون التاريخ ملزمون بتكراره. يسرد “دياموند” في الانهيار أسباب انهيار المجتمعات الغابرة وبعض الأمثلة لمجتمعات معاصرة علي وشك الانهيار أو التي انهارت قريبا،

ويلخص تلك الأسباب في الضرر البيئي الذي يسببه الناس بقصد أو بغير قصد متجاهلين مدي إمكانية تعافي البيئة من الاستهلاك البشري

فإما طيش استثنائي للشعوب أو هشاشة استثنائية للبيئة أو كليهما .

تغير المناخ الذي قد يسببه البشر مثل ارتفاع درجة حرارة الأرض أو عامل بيئي بحت مثل ثورات البراكين وغيرها .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الجيران الأعداء قد تتسبب هزيمة مجتمع ما أمام معادي في تلاشيه أو انهيارة واندثار هويته وشخصيته في مجتمع آخر أو هجرته .

الجيران الحلفاء قد يتسبب انقطاع الدعم من مجتمع ما لأسباب ما في انهيار المجتمع الذي اعتمد عليه في تغطية موارده الأساسية .

أما العامل الخامس فهو الإجابة عن سؤال هل الانهيار يكون بسبب تغير البيئة أم بسبب تعاطي وتعامل الأفراد مع هذا التغير؟! فهو ردة فعل المجتمع في كل عامل من العوامل الأربعة السابقة .

مقارنة المجتمعات ببعضها

ما يجلعنا نعتقد أن الانهيار بسبب قرارات يتخذها المجتمع هو مقارنة المجتمعات المنهارة ببعضها، فشعب الفايكينج هاجروا من نفس الأرض محملين بنفس الهوية وطريقة التفكير لأراضي متشابهة –أيسلندا وجرينلاند- ولكن ينجح المجتمع في “أيسلندا” ويختفي آخر في “جرينلاند” وهي نفس الأرض التي ينجح فيها شعب الاسكيمو،

وجزيرة الفصح وبتكارين وهندرسون والاناسازي كبيئة معزولة هشة لا يستطيع مجتمع ما الصمود فيها ولكن يصمد مجتمع آخر في جزر “غينيا الجديدة” و”تيكوبيا” المعزولة أيضا ذات بيئة لا تقل هشاشة،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

شعب “المايا” تلك الأمة العظيمة التي خلَّفت مدنًا أثارت العالم دهشة وعجبًا تلك الحضارة التي كانت علي درجة من المدنية واللغة والتدوين عندما يتم إعادة اكتشافها تظهر مهجورة من البشر وينجح مجتمع في جزر اليابان التي عانت نفس الأضرار والبيئة، ثم شعبا “هاييتي” وجمهورية “الدومينيكان” الذين يتقاسمان نفس الجزيرة؛ أحدهما علي وشك الانهيار والآخر يبتعد عن الانهيار .

عوامل إخفاق المجتمعات

يري “دياموند” أن الإخفاق يعتمد علي ثلاثة عوامل منها :

العامل الأول

إخفاق المجموعة في توقع المشكلة قبل وقوعها؛ لأن لا تجربة سابقة لها عن تلك المشكلات مثل الفوضي التي صنعها البريطانيون بإدخال الأرانب في بيئة “استراليا” فتكاثرت بشدة وأهلكت الغطاء النباتي وتسببت في انخفاض الأعلاف، وعُدَّ ذلك عملا مأساويا حصل عمدا وتتطلب جهدا كبيرا لمواجهته،

أو مر المجتمع بالمشكلة قديما ثم أضحت طي النسيان فلم يتعلم شعب “الأنسازي” من حقب الجفاف القديمة قبل أن يستسلم للجفاف الأخير،

هناك سبب آخر وهو التشبيه الزائف عندما نكون في وضع غير مألوف نحاول تشبيهه بأوضاع قديمة مألوفة هذه طريقة جيدة للمضي قدما ولكن فقط إن كانت الأوضاع متشابهة حقا وهو ما حدث للفايكينج المهاجرين من الدنمارك والنرويج حيث التربة الثقيلة غنية بالطمي أما في “أيسلندا” و”جرينلاند” فخدعهم تطابق الغطاء النباتي المشابه لنظيره في وطنهم؛ فبعد إزالة الغطاء النباتي لاستزراع الأرض؛ تعرضت التربة للتعرية لأنها مكونة من رماد بركاني بعدما انكشفت للرياح .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العامل الثاني

هو إدراك المشكلة أو عدم إدراكها عند وقوعها حيث تأخذ المشكلة شكل نزعة بطيئة مخفية بتذبذبات كبيرة متغيرة مثل ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ فيتطلب الأمر وقتًا طويلًا لتمييز المشكلة كما واجه اسكندنافي “غرينلاند” مشكلة ارتفاع البرودة، فمع التغير البطئ المتدهور؛ يتغير المعيار الأساسي لما يمثل الحالة الطبيعية علي نحو تدريجي غير متوقع،

ومع فقدان الذاكرة المتعلقة بحالة الطبيعة ؛يتم نسيان كيف كانت قبل عقود مضت مما يجعل إمكانية تذكر الظروف التي كانت سائدة أمر صعب إلي أن يفوت الأوان، ويمثل هذا إجابة سؤال فيما كان يفكر سكان جزيرة الفصح عند قيامهم بقطع آخر شجرة علي جزيرتهم وهي موردهم الأساسي!

العامل الثالث

هو إدراك المشكلة والإخفاق في حلها فقد تتوقع المجتمعات المشكلة، ثم تخطئ في معالجتها مثل ما فعله البريطانيون لمواجهة ثأثير الأرانب بأن قاموا بإدخال الثعالب في غير بيئتها لافتراس الأرانب فقضت علي غالبية الثدييات في استراليا مما أخل بتوازن النظام البيئي،

أو قد يتخذ المجتمع قرار كارثي بسبب تضارب المصالح بين الأفراد عند اعتمادهم علي سلوك يحقق مصالحهم الخاصة ويؤذي الآخرين لجني مكاسب كبيرة فورية في حين ستوزع الخسائر علي الجميع،

مثل تلك القرارات تفيد أقلية صغيرة علي حساب أغلبية كبيرة مثل ما حدث في جزيرة الفصح والتنازع في قطع الأشجار أو في مجتمع “المايا” الذي سبب التنازع علي الموارد الرئيسية اقتتال داخلي كما حدث أيضا اقتتال بين “الهوتو” و”التوتسي” في “رواندا” خلف ما يعدو مليوني قتيل،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فكل وضع يقوم فيه كثيرون بالاستفادة من مورد مشاع إذا أساء الجميع استغلال ذلك المورد فسيؤول إلي استنفاده أو تراجعه، وسيعاني كل المستهلكين فلا سبيل سوي كبح جماح الاستهلاك لا بإطلاقها، إن لم يكن هناك نظام فاعل يحدد الكمية عندها تظهر معضلة السجين فيجب تدخل سلطة حاكمة تحدد الحصص أو تقسيم المورد وقد يستحيل في بعض الحالات مثل الحيوانات المهاجرة والأسماك، أو الحل الأكثر فاعلية وهو أن يدرك المستهلكون أن مصالحهم مشتركة وينقلون المورد لورثتهم مثل ما حدث في جزر “غينيا الجديدة” و”تيكوبيا” .

هل هشاشة البيئة مقدمة حتمية لانهيارها؟

إن هشاشة البيئة أو الضرر الذي يصيبها ليس مقدمة حتمية تؤول بالضرورة للانهيار! نعم بعض البيئات أقل كفاءة من نظيرتها، ولكن تعاطي الأفراد وتعاملهم مع المشكلة هو ما يقرر في النهاية. فبعض المجتمعات نجحت في تخطي الأزمة وبعضها انهار وكانت بيئاتهم شبه متطابقة.

علاء حسين

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط

مقالات ذات صلة