مقالاتقضايا شبابية - مقالات

رمضان جه بمسلسلاته وكنافته وبابا غنوجه

تلاقي صديقان بعد محاضرة وهما خارجان من المدرج وكان اليوم هو آخر يوم لشهر شعبان والغد سيكون أول يوم بشهر رمضان الكريم، فتحدث سيد قائلاً: إن رمضان سيبدأ الغد وأنا بانتظار مسلسل للفنان الفلاني وأنا دائمًا أنتظر مسلسلاته، إنه شخصية ناجحة جدًا ويعيش بسعادة كبيرة .

فسأله مصطفي قائلاً : ما الذي يجعلك وكأنك تتمني أنك تصبح مثله؟

سيد : إنه ينعم بكل مقومات السعادة.

مصطفي: وما هي المقومات التي يتمتع بها ليصبح سعيدًا كما تقول؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سيد: إنه يملك أموالًا كثيرة وكذلك لديه شهرة واسعة ويمتلك جراش كامل لأحدث سيارات.

مصطفي: وهل تلك في رأيك مقومات السعادة الحقيقية؟

سيد: طبعًا فما ينقصه بعد ذلك؟ فهو قادر على أن يشتري أفضل الماركات العالمية في الملابس والسيارات والهواتف وكذلك المنازل. قد يذهب في عطلة العمل ليقضي إجازته في جزر المالديف . هل تعتقد أنه بذلك ينقصه شيء ما؟

مصطفي: من قال أن كل تلك الأمور هي سبيل الإنسان للسعادة؟ أين الدليل على ذلك؟

سعادة الإنسان الحقيقية

أعتقد يا صديقي نحن بحاجة لأن ننظر للإنسان نفسه وبعد أن نعرفه جيدًا ونعرف ما هو في حاجة حقيقية له، بعدها فقط قد نعي ما هي الأشياء التي بغيابها حتمًا لن يحصل على سعادته

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سيد: أنت نظرتك تنم عن تخلف ورجعية، هل شاهدت ما فعلته تلك الوسائل التكنولوجية بأي شعب؟! جعلتهم يتقدمون ويصبحون من أسعد الشعوب في العالم.

مصطفي : تخلف نظرتي تلك لم تثبته أدلة حديثنا حتي الآن ، وأما ما قلته حول سعادة تلك الشعوب التي تُقدم دولها فلا دليل على سعادة تلك الشعوب، أما تقدم الوسائل فهو صحيح تقدم ولكن فقط في الوسائل كما قلت ولكن لازال هناك أمور أخري واجب أن تتقدم فيها البلاد حتي نحكم عليها حكم التقدم أو التحضر، وهنا دعنا نسأل أسئلة نتوصل بها للمفاهيم الصحيحة.
تلك الدول أليست عبارة عن مجتمعات تتكون من أسر؟! والأسر تتكون من أفراد؟!

سيد: صحيح.

مصطفي: إذن؛ الدول تقدمها لا يقتصر فقط على تطور وسائل الناس فيها؛ بل يذهب بنا إلي تطور الإنسان نفسه، أليس كذلك؟

سيد : صحيح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مصطفي : شخص يمتلك هاتف أحدث ماركة وسيارة فاخرة ويستيقظ صباحًا، وهو يستقل سيارته فيرمي قشر الموز في الشارع ويكسر الإشارة من ثم يعامل موظف استقبال السيارات بشكل غير أخلاقي فيؤذيه بكلمات قبيحة. من ثم يصعد إلي شركته فيجد صفقة أمام مكتبه فيجتمع بموظفي الشركة لينجز تلك الصفقة المربحة؛ فيحذره الكثير من الموظفين بأن إقامة تلك المشاريع سُيحدث الكثير من الضرر في الطبيعة. كما أنه سيهجر الكثير من أبناء تلك الأماكن، فيتجاهلهم ويصر على تنفيذ صفقته تلك.
ما رأيك في ذلك الشخص إذن؟ هو يمتلك الكثير من الوسائل المتقدمة ولكن ماذا عنه هو شخصياً؟

سيد: لا أعتقد أنه شخص متحضر فهو شخص همجي.

تقدم لا قيمة له

مصطفي : إذن كما حكمت على الإنسان بسلوكياته وأخلاقه فذلك معيار تحضر المرء وكذلك المجتمع برمته؛ فإن كان التطور الذي تتبعه أي دولة هو تطور تكنولوجي وعلمي لوسائلها دون تقدم أخلاقي وقيمي فهي بلا قيمة إن لم تكن أخطر وأشد ضررًا .
أتعلم يا صديقي تلك الأمور حادثة على مجتمعاتنا والغرب الذي غزاها ثقافيًا استطاع أن يشكل لنا معايير للسعادة،

فجعل مستحضرات التجميل تملأ الأسواق بعد أن صور للسيدات صور نمطية عن الجمال واختزل تلك القيمة المعنوية في الشكل الخارجي فقط، وكأنه ضرب أساس المجتمع وساق نشأها الذي يعد في الغد أرباب للمنازل ومدرسة للأجيال لتجري وراء تلك الصورة التي تظن أنها بتحقيقها تحصل على السعادة.

الأسف الحقيقي على شعبنا المُقلد يا صديقي؛ فإننا إن سار بنا ذلك التيار المادي؛ فحتمًا يسوقنا إلي هلاكنا، فإن لم تكن هناك قيم وأخلاق تضبط تعاملات الناس مع بعضهم البعض فحتمًا سنجد الكثيرين يتاجرون بحاجات الآخرين بدون أي شفقة أو رحمة، ومن يأكل حقوق الناس ولا يبالي، فسنجد الفساد يتفشى في المجتمع كما يتفشى السرطان في الجسد فيميت فيه كل ما هو حي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفكر المادي وشهر الاستهلاك

أتعلم غدا رمضان، في الماضي كنا نستشعر حالة روحية خاصة لقدوم ذلك الشهر، حالة شعورية يغلب عليها طابع قداسي، أما الآن فنجد أنه أصبح شهرًا كسوق للسلع والمنتجات يزيد من أرباح أصاحب الأموال، فتذهب كل شركة لتتنافس في منتجاتها مع الأخرى ويذهب الناس ليجمعوا من المأكولات ما يكفيهم لأكثر من خمسة أشهر،

هل جعل لنا الله شهره المقدس للأكل والشرب (للانفلات الشهوي) أم جعله لتقليل الأكل وضبط النفس وتهذيبها والاكتفاء بما تحتاجه للانتباه لما تجنيه على الصعيد الروحي من قربها إليه وإعادة ضبط عاداتها وإكسابها ما هي في حاجة إليه من عادات وقيم سليمة؟

ذلك الفكر المادي يا صديقي لم يترك شيء لم يعيد صياغته، انظر إلي الأعياد هل كانت كذلك؟ انظر إلي الأفراح هل كانت كذلك؟ انظر إلى المساجد هل كانت كذلك؟

إنه إعادة صياغة كل الأفكار لدي الناس ليصبح المسعي للاستهلاك فقط؛ أي لما يخدم أصحاب رؤوس الأموال! أعتقد أنك من الآن تحتاج إلي أن تعيد النظر في فنانك المفضل، وعن السعادة كذلك.

اقرأ أيضا:

رمضان في كهف أفلاطون

المشروبات الرمضانية

لماذا نصوم في رمضان؟

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط

مقالات ذات صلة