مقالاتقضايا شبابية - مقالات

بر الوالدين في الفكر الصيني

تذوق الدواء المُرّ

يعتبر بر الوالدين والاهتمام بهما من مكارم الأخلاق الراقية، ومن السمات التي تكشف أصالة المعدن ونفاسة الجوهر، ويتشابه بر الوالدين والإحسان إليهما في الثقافات والأديان جميعها، وكما جاء في الثقافة الصينية (تذوق الدواء المُرّ)، وترجع هذه الحكاية لأسرة هان، والأمير (ون دي) المشهور بالرحمة والشفقة، فقد مرضت أمه مدة ثلاث سنوات وظلت ملازمة الفراش، فكان يسهر بجوارها لخدمتها ومراعاتها، حتى أنه كان يتذوق الأدوية قبل أن تتناولها للاطمئنان والحرص والخوف عليها.

لقد أخفى طفل صغير لا يزيد عمره عن ست سنوات حبتين من اليوسفي ليعطيهما لأمه، وكان ذلك في عصر الممالك المتحاربة في الصين (220- 280م)، وترجع هذه الحكاية للطفل (لو جي) الذي زار الحاكم (يوان شو) مع والده فأخفى حبتين من اليوسفي في صدره، وعند خروجهما وقعت الحبتان على الأرض، فضحك الحاكم وقال: “أتيتَ ضيفا إلى بيتي وأخفيت اليوسفي قبل خروجك منه؟”، فرد عليه الطفل: “أمي تحب اليوسفي أردتُ أن آخذهما لتتذوقهما”، فتعجب الحاكم من الطفل ومدى بره بوالديه، فصارت الحكاية المشهورة تتردد في الصين (إخفاء حبتين من اليوسفي لتقديمهما إلى الأم).

مَن أدّب ولده صغيرا سُرّ به كبيرا

إن العلاقة بين الابن ووالديه من أقوى الأواصر الإنسانية، فلا يشك عاقل دور الأب والأم في حياة الأبناء في النشأة والتدريب والإرشاد والتوجيه والحرص والتعليم، كل هذا وغيره من السمات الجميلة التي مؤداها أن يكون الابن من أفضل الناس في العالم على الإطلاق فمَن أدّب ولده صغيرا سُرّ به كبيرا.

ومعروف في الثقافة الصينية أن الوالدين يطعمان ابنهما وهو صغير ويحافظان ويخافان عليه حتى ينشأ ويكبر متوازنا صحيا وعقليا، وإن من مظاهر عناية الأبناء بآبائهم تدفئة أسِرّتهم بأجسادهم شتاء وتبريد حصرهم بالمراوح صيفا، وإلقاء التحية عليهم في الصباح، وخدمتهم قبل أن يأووا إلى فراشهم ليلا، وإخبار الآباء بعزمهم على الخروج من البيت وطمأنتهم وجها لوجه بعودتهم، وعلى الأبناء أن يسكنوا مكانا ثابتا، ويمتهنوا أعمالا لا يغيرونها كل حين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الإنسان السوي دائما مشغول في خدمة والديه، أو في العمل، أو قضاء مصالح الناس والتخفيف عنهم، وإذا كان له بعض الوقت المتبقي فإنه يقرأ ويدرس الآداب والفنون والمهارات المختلفة لترتقي أخلاقه، وترتفع روحانياته، ويُحلق في السماء بمروءته ورجولته وإنسانيته. يقول أبو العلاء المعري:

تَحَمَّـلْ عَـنْ أَبِيْـكَ الثِّقْـلَ يَوْمـًا..  فَـإِنَّ الشَّيْـخَ قَـدْ ضَعُفَـتْ قِـوَاهُ

لا بد وأن يكون للوالدين القسم الأكبر من الرحمة

إن الرحمة الموجودة في القلب تجاه الناس والعالم لا بد وأن يكون للوالدين منها القسم الأكبر والنصيب الأَوفر، لأنهم سبب وجود الإنسان وحياته، فأنت وكل ما تملك لوالديك ومن ذلك السفر، إن الأب لن يكره لك الخير، وأحيانا يوافق على سفرك وقلبه ينفطر عليك، وفي نفس الوقت لا يريد أن يقول لك: “يا بُني أنا في حاجة إليك لتخدمني”، فيدعو لك بالتوفيق والسداد وقد يكون كبيرا في السن أو يعاني بعض الأمراض المزمنة التي تحتاج إلى مرافقة ورعاية وعناية دائمة،

وفي بعض الأحايين الأخرى وفي هذه الأزمنة المتأخرة نجد أن بعض الأبناء الأشقياء يسافرون ويمكثون سنوات عديدة بدون رضاهم، وهم في أشد الحاجة إلى هذا الابن القاسي الجاحد العاق، فلا يعبأ بهم ولا يفكر فيهم، فيضطرون لطلب المساعدة من الآخرين وإن كانوا ليسوا من ذوي القربى، فمَن كان والداه على قيد الحياة فلا يسافر إلى الآفاق القاصية، فإن سافر مُضطرا فليكن لسفره جهة معينة.

لكل سن معاملته

ومعرفة وحفظ سِنّ الوالدين يجعل الولد يتابع حالات الوالدين المختلفة، لأن سِن الثلاثين له خصائصه ويختلف عن الأربعين والخمسين والستين وهكذا، كما يقول كونفوشيوس: “إن سِن الوالدين لا بد أن تكون محفوظة عن ظهر قلب الولد ليبتهج بطول بقائهما، ويتوفى حلول أجلها” لأن كل سِن له معاملته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن بر الوالدين ليس فيه رشوة ولا إعطاء أموال للتصويت في انتخابات أو الظهور في لقاء تليفزيوني، أو في برنامج إذاعي، أو الكلام بحديث معسول على وسائل التواصل كما نشاهد الآن حتى تقول إن فلانا بار بوالديه، وجيد في معاملته لهما، لأن قلب الإنسان لا يتحمل كل هذا النفاق والاصطناع للأحداث في المبرة.

وبِر الوالدين موصول بعد موتهما؛ ينبغي على الابن أن يتواصل مع أصدقاء والديه ويصلهم ويبرهم بالزيارة والجلوس معهم والتعرف على أحوالهم ومساعدتهم، وبهذا يكون قد قام بِبِر والديه كأنهما على قيد الحياة.

اقرأ أيضاً:

الأسس السليمة لتربية صحيحة ومتزنة للأبناء

إشكاليات التربية في كل منزل

التأثير الاجتماعي لكيان الأسرة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة