مقالات

الثقافة وأزماتها.. ما هي الثقافة ؟ وكيف نواجه الأزمة ؟

للثقافة مدلولات كثيرة ومعان مختلفة، وقبل الدخول في موضوع أزمة الثقافة يجب أولاً أن نحدد المفاهيم ومعانيها لأن كل ما يصيبنا من اختلافات في الرأي وتضارب وتخبط في الأفكار ناتج من سوء الفهم وعدم تحديد معنى ما يتم التحدث عنه.

فالثقافة لها أكثر من معنى ومنها:
1- الثقافة بتعريف علم الاجتماع وهي “ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة، والاعتقاد والفن، والقانون، والأخلاق والعرف، وأية قدرات وعادات يكتسبها الإنسان بوصفه فرداً في المجتمع”.

2-الثقافة بالمعنى الإنساني الرفيع على حد قول الدكتور فؤاد زكريا وهي “صقل الذهن والذوق والسلوك وتنميته وتهذيبه أو بأنها ما ينتجه العقل والخيال البشري لتحقيق هذا الهدف”.

الثقافة في المجتمعات والعالم

ونلاحظ أن المعنى الأول مرتبط بالجماعة بمعنى أن ثقافة المجتمع هي التي تحدد ثقافة الأمة؛ فكل مجتمع مهما كان بدائيا فله ثقافته الخاصة فالقبائل المنتشرة في أدغال إفريقيا وفي صحاريها لها ثقافتها الخاصة المتمثلة في عادات وتقاليد، والبلد الواحد قد تجد فيه تنوعا ثقافيا، فمحافظة من محافظات مصر ربما تتميز بثقافة معينة قد تختلف عن محافظات أخرى، هذا على مستوى البلد الواحد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما على المستوى العالمي فثقافة دول الغرب غير ثقافة دول الشرق، ففي الشرق عندما يلتقي صديقان مثلا يقبل أحدهما الآخر على وجنتيه وهذا التصرف في الغرب يفسرعلى أنه سلوك شاذ، أما تقبيل الرجل للمرأة شيء عادي في ثقافة الغرب!

ويحضرني موقف قد حكاه لي صديق كان يأخذ دورة بإحدى الدول الأوروبية وعند انتهاء تلك الدورة وتجهزه لمغادرة البلد أتى زملاؤه لكي يودعونه، وتأتي إحدى الفتيات من زملائه لتقبيله فيبتعد عنها والنتيجة أنها استهجنت تصرفه وذلك لأن في ثقافة الغرب هذا أمر عادي.

فالثقافة الجمعية هي تلك الثقافة المرتبطة بمجتمع معين وكل فرد في هذا المجتمع له نصيبه من تلك الثقافة حيث نشأ على تلك الأعراف والتقاليد.

الثقافة الإنسانية والأزمة 

ونأتي إلى التعريف الثاني وهو تعريف يختص بالذات الإنسانية حيث كل فرد هنا يعمل على ثقل مواهبه وثقل ثقافته بالاطلاع على الفنون وتذوق الآداب وتنمية الفكر وفي هذا التعريف نجد أن قلة نادرة هي تلك التي تسعى نحو صقل فكرها وتنمية فكرها بالتذوق الفني والتذوق الفكري المبني على الانفتاح على الآخر مع تفعيل ملكة النقد الموضوعي، وتلك الثقافة هي التي يجب أن يكتسبها كل فرد يبتغي لنفسه ولمجتمعه أن ينهض من كبوته ومن تأخره الفكري المتحجر.

ونأتي إلى تعريف الأزمة، تنشأ الأزمة بين ما هو مطلوب وما هو واقع أي تحدث بين الفكر والواقع، فالمثقف المتنور المتطلع للأفضل يجد تصادما بين ما هو موجود في فكره من تقدم واستشراف للمستقبل الباهر وبين ما هو واقع من تخلف المجتمع وتشبثه بما هو كائن ورفض التجديد للأفضل، وتحدث الأزمة نتيجة تصادم الثقافة مع السلطة ونعني بالسلطة هنا السلطة الدينية وسلطة الحكومة وسلطة الأعراف،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والأزمة تحدث نتيجة سوء استخدام السلطة نحو تقويض الفكر والعمل على تأخره وتقييده ومحاربة كل ما يدعو إلى تجديد وتنوير للفكر والمجتمع ومن ثم نجد أن أكثر المثـقفين يعيشون تلك الأزمة فهم يتألمون نفسياً عندما يحدث هذا الصدام وهنا تأتي المسؤولية فمن يريد فعلا من تلك النخب التجديد والتطوير للأفضل لمجتمعه نجده يعمل بكد لكي ينير الطريق ويوضح ماهية التجديد وماهية الوسائل التي تعمل على تفعيل عملية التطوير والتجديد فيما نحتاجه فعلا ليس فقط تطوير في المرافق وتطوير في وسائل النقل فالأهم من كل ذلك والذي يأتي على رأس الأولويات هو تطوير الفكر وإخراجه من قمقم الرجعية والتقاليد البالية التي تعمل على شدنا للخلف وتمنعنا من التقدم نحو المستقبل ونحو الإبداع.

بين التقليد الأعمى والإبداع

فالمبتغى الرئيس هو الإبداع وليس الاتباع الأعمى فمن يقلد بدون وعي وبدون نقد فهو تابع مقلد وهذا يسري على من يتبع بدون نقد الأسلاف أو يقلد بدون وعي الغرب بتقليدهم في اقتناء أحدث الموديلات والأزياء والمخترعات، فتلك ثقافة الاستهلاك غير الواعي وغير المبدع فأغلب دول العرب الغنية بل والفقيرة أيضاً تتبع تلك الثقافة،

تتبع الغرب ولا تبدع فتقلده في تشييد أعلى ناطحة سحاب وفي اقتناء أفخر موديلات السيارات وفي تكديس ملايين الأطنان من الأسلحة والبارجات والغواصات والمروحيات دون عمل تنمية حقيقية للفكر والعقل العربي الذي للأسف يعيش في حضيض وذيل العقل العالمي وعلى كل فرد مسؤولية نحو نفسه ونحو مجتمعه لكي يثقل ويهذب فكره بتفعيل تفكيره النقدي المتطلع نحو المزيد من الإبداع لكي ينهض وتنهض أمته العربية من كبوتها التي شارفت على عشرة قرون من الغفوة ومن التقليد الأجوف، وعلينا أن نصبر على تنمية أنفسنا وعلى ثقل الفكر وتهذيب الأخلاق لكي نخرج أنفسنا ونخرج مجتمعنا من تلك الأزمة التي طال أمدها.

اقرأ أيضاً .. أزمة السلطة والقيادة، الكل يريد أن يسيطر

اقرأ أيضاً .. من هو أول فيلسوف في التاريخ ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً .. شكراً لأنك تدخن!

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية

مقالات ذات صلة