مقالات

الفلوس بتغير، وكذلك التكنولوجيا

تعريف التكنولوجيا: إنها فن إنتاج أدوات ومواد الإنتاج والاستهلاك، وذلك من خلال التطبيق العملي للمعرفة العلمية لتحقيق تقدم المجتمع.

بعبارة أخرى، إننا نحيا فى ظل حضارة مادية طاغية تعتبر هذه التكنولوجيا في تقدمها الهائل هي الوحيدة الكفيلة بتحقيق تقدم المجتمع؛ فهي ليست شيئا محايدا كما أنها ليست مجرد تطبيق لممارسة نظرية هي العلم ، إنها منطق وأيديولوجيات وأدوات ووسائل تكرس منطق السيطرة وتكشف عصر التقدم التكنولوجي وأيديولوجيا النظام التكنولوجي.

فالعصر الذى نعيشه الآن هو عصر الأيديولوجيا، وقد اتخذت هذه الأيديولوجيا أشكالًا عدة منها: التقدم التكنولوجي في ظل الحضارة المادية وطغيانها، واتخذت شكلًا آخر متمثلًا في الحرب. وكان من نتيجة ذلك أن شعر الإنسان باغترابه الدائم إما عن ذاته أو عن بنيته الاجتماعية مما عمل على الحد من حريته وكرامته.

إن التكنولوجيا والعلم والفلسفة المادية قد خلقوا المجتمع الصناعي المتقدم، وحققوا له السيطرة، ولكن ينبغي ألا نغفل عن مساوئ التكنولوجيا؛ فنرى أن التقدم التكنولوجي يرسخ دعائم نظام كامل من السيطرة والقيود، أي أنه مثلما كان الفرد خاضعا يوما لحكم مستبد، أصبح خاضعا للعقلانية التكنولوجية والعلمية والفلسفية المادية –الأداتية– التي تسيطر على الطبيعة والإنسان المعاصر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أصبح الإنسان عبدًا تسيطر عليه الآلة فألغت دور العقل عنده، ودوره الاجتماعي فى الأسرة والمجتمع، ومن ثم أضعفت أخلاقياته ومبادئه، وجعلته تابعًا أى (مثل تبعية العبد للسيد).

ومن هنا توصلنا إلى مفهوم الاغتراب أي التنازل عن الملكية للأغيار أو للأسياد فيحدث فقدان للهوية، وهو أحد سلبيات التكنولوجيا أيضا، فالشخصية المغتربة التى هي للبيع لا بد أن تفقد قدرًا كبيرًا من الشعور بالكرامة الإنسانية، وهو الشعور المميز للإنسان.

فحين جعلت التكنولوجيا الإنسان مجرد أداة تابعة لها، أصبح الإنسان مثل الأشياء ليس له نفس! وهذا يدل على مدى سيطرة الآله على الإنسان .

وتؤدي التكنولوجيا أيضا إلى العزلة الاجتماعية وفيها يبقى الإنسان وحيدًا منعزلًا ومشغولًا باستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الافتراضي لفترات طويلة، فتكوَّنت لذلك الفرد لغة غير اللغة المعتادة، وميول مختلفة، وأساليب خاصة، والعزلة عامة قد تؤدي به إلى عدم الالتزام بأي قيمة أخلاقية، وهذه ضمن آثار العزلة الاجتماعية!

وينتج عن ذلك: التفكك الأسري ويتمثل فى ابتعاد الأبناء عن والديهم، وعدم الالتفات إلى قرارات عائلية قد تهم الأسرة في المنزل، وتزداد اللامبالاة لدى أسير التكنولوجيا بالشئون الأسرية والاجتماعية كافة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يقول “ماركوزة” فى هذا السياق وهو من المنتمين فكريا لمدرسة فرانكفورت المعاصرة: “إن التكنولوجيا تضفي صبغة عقلانية على ما يعانيه الإنسان من نقص فى الحرية وتقيم البرهان على أنه يستحيل (تكنولوجيًا) أن يكون الإنسان سيد نفسه وأن يختار أسلوب حياته”.

فالإنسان بإرادته يريد أن يصبح مثل الأشياء “لا يحس ولا يرى” ويدخل مصيدة اغترابه وينفصل عن أسرته وعمله الذي هو جوهره، وهذه النتائج السلبية التي تأتي من وراء خضوعه للتكنولوجيا واستخدامه السيء لها.

ومن الجدير بالذكر كما يقول “بطرس غالى” (إننا نعيش فى غمرة ثورة شملت المعمورة بأجمعها، إن كوكبنا يخضع لضغط تفرزه قوتان عظيمتان متضادتان: إنهما العولمة والتفكك).

حيث يسيطر المنتج على المستهلكين من خلال تفكيك الفرد من أسرته، ومن أمته، وبيئته باسم الفردية أو الحرية.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في النهاية ينبغى أن ننوه إلى أن التكنولوجيا رغم جوانبها الإيجابية، فإن لها جوانب سلبية مثل العزلة الاجتماعية والاغتراب والتفكك الأسرى… إلخ، كما أوضحنا سلفا.

فالتكنولوجيا يمكن أن تتحول من أداة لخدمة الإنسان إلى أداة لقهره بسبب ما تنطوي عليه من زيادة درجة النمطية فى عملية الإنتاج والاستهلاك.

فيجب على الإنسان ألا يتقيد بالتكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة ولا يدعها تسيطر عليه ويتقيد بها، بل عليه أن يتحرر منها ويعود إلى أسرته وإلى عالمه الواقعي وكأنه يحيا من جديد مرة أخرى، ويجب أن يفرض شخصيته العاقلة المتحررة على الشيء المفترض أن يكون الإنسان حرًّا في اختياره وعمله، وألا يكون تابعًا لأي شيء استهلاكي في هذا العالم أي لا يخضع للماديات ويتبع لها، فعليه أن يتحرر منها قدر الإمكان، إذ يجب عليه أيضا من ناحية: أن يأخذ منها الإيجابيات ويستفيد منها قدر الإمكان، ولكن من ناحية أخرى يجب أن ينأى ويبتعد عن مساوئها التى قد تجعله أسيرًا لنفسه، وعبدًا للتكنولوجيا ولشهواته وملذاته المادية الدنيئة، ويعود إلى نفسه إنسانًا ناطقًا، حرًّا طليقًا، سيدًا على الطبيعة المادية، وممتلكًا لها على حد تعبير الفيلسوف الفرنسى “رينية ديكارت”. مع العلم بأن الطبيعة المادية هى المتمثلة في الآلات والأدوات الحديثة.

فكلما تحرر الإنسان من العبودية، كان أكثر إبداعًا وفعالية لتحقيق التقدم الإنسانى؛ فقيمة الإنسان تقاس بقدر ما يحقق من حرية (أى بإقلاعه عن عبودية التكنولوجيا)، تلك الحرية التى تعتقة من الموروث المادي الاستهلاكي الذي يرى أنه هو وحده المصدر لكل المعارف البشرية التي توجهه نحو مستقبل أفضل.

فالفلسفة تحد من ذلك الاغتراب الذي يشعر به الإنسان بين ما هو مادي وما هو روحاني؛ لأنها تضم العلم، والأخلاق، والجماليات… إلخ، ومن ثم تحقق للإنسان الحرية والكرامة والذاتية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

سامر عاطف

عضو بفريق مشروعنا بالإسكندرية

مقالات ذات صلة