مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

الانحياز التأكيدي: أنواعه وأشكاله، كيف تتجنبه

الانحياز

كشف لنا الواقع أن المعرفة كانت وما زالت وستظل هي منشأ الحضارات وعماد الدول وغذاء العقول، ولم ولن يتغير الفرد إلا بتغيير رؤيته التي هي بدورها قائمة على ما يمتلكه من معرفة، فكما أن الجسد يحتاج للغذاء حتى ينمو ويشتد، يحتاج العقل للمعرفة حتى تتكون آراؤه وأحكامه ويكتشف الواقع ويمتلك حس الإبداع، وأي خلل يصيب المعلومات فهو بالضرورة يؤدي إلى الخطأ في النتيجة أو مخرجات التفكير.

فالتفكير هو عملية حركة الذهن في المعلومات أو استخدام المعلوم للوصول إلى المجهول، وفي كل التعريفات نجد أن العقل يعتمد على ما يمتلكه من معلومات حتى يصل إلى حقيقة ما كان يجهلها.

وأحد أهم معوقات الوصول إلى الحقائق هو ما يدعى بالانحياز التأكيدي وهو الميل في البحث عن تفسير الأحداث أو القضايا بطريقة تتوافق مع معتقدات وافتراضات الفرد متجاهلاً للمعلومات المناقضة لها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهو نوع من الانحياز المعرفي وليس علينا ذكر مثال على الانحياز التأكيدي بل علينا تذكر الواقع اليومي الذي نجد فيه أن الكثير منا يدخل في مناقشات بشكل يومي متبنياً لفكرة ما سواء لصحة هذه الفكرة أو لكونها نفعية لمتبنيها أو من باب الحمية والتعصب سواء للعرق أو للون أو للدين.

وتدور هذه المناقشة بأن يطرح كلا الطرفين وجهة نظره، فإن كان هذا النقاش منطقيّاً وكان طرفاه متجردين باحثين عن الحقيقة أينما وجدت فسوف ينتهي الحديث بود وسلام مصححّاً أو مكملاً المعلومات لأحد طرفي النقاش أو كليهما.

أما إذا كان أحد أطراف الحديث غير منطقي وغير ملم بأصول النقاش البناء فكل ما عليه هو تسفيه رأي الخصم والطعن في شخصه وتعظيم معتقده هو والبحث في كتب وأخبار أصدقائه في المعتقد الفكري ليأتي بأدلة متجاهلاً تماماَ حجة القائل بالرأي المعارض وينحاز لرأيه ومعتقده دون البحث عن صدق معتقده أو كذبه بشكل جاد.

شكل آخر للانحياز التأكيدي… على سبيل المثال لو أنك أردت أن تشتري مروحة من شركة معينة ولنرمز لها (ج) وسألت أحد أصدقائك على هذه الشركة فقال لك إنها سيئة وأشار عليك لتتأكد بأن تبحث في “جوجل” عن الشكاوي والاعتراضات المقدمة في الشركة، وبالفعل قمت أنت بالبحث في “جوجل” بأن كتبت الشكاوي والاعتراضات على شركة (ج) فوجدت كمّاً هائلاً من الشكاوي والتقييم السيء، ومن ثم اعتقدت أن هذه الشركة هي الأسوء على الإطلاق وحمدت الله أنك لم تشترِ المنتج الخاص بها، فهل أصبت أم أخطات؟

بالطبع أنت أخطات في طريقة بحثك فقد بحثت بطريقة الانحياز التأكيدي، لذلك ظهر لك ما يؤيد أفكارك السابقة فلو أنك استبدلت عبارة البحث بعبارة أخرى هي تقييم شركة (ج) لوجدت المؤيد والمعارض ولبنيت أفكارك عن الشركة بالشكل السليم ولكن منعك من هذا الوقوع تحت الانحياز التأكيدي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إذا كنا قد وقعنا سابقاً في مثل هذه المغالطة فلنحترس من تكرارها ولنعلم أن البحث عن الحقيقة يستدعي من مريديها أن يتجردوا عن هذا الانحياز ليصلوا إلى الحق وليس إلى ما يريدون. الحقيقة قد تكون مخالفة لما ننتظر ولكنها تظل هي الطريق السليم لمطابقتها للواقع ولا أجد ما أنهي به هذا المقال خيراً من قوله تعالى
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) سورة يونس

اقرأ أيضاً:

الشهرة والمال .. عندما يسير الإنسان على الطريق الخطر!

الشهداء لا يسقطون… حق المقاومة وإيجاد المعنى

الفنان المشتبك… كيف يدافع الفن عن قضية؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مؤمن أحمد سيف

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ أسيوط

مقالات ذات صلة