مقالاتقضايا وجودية - مقالات

لقد أتممت ال30 من عمري، ولكن فيما قضيتها؟ هل ضاعت سدى؟

هذه المرة مختلفة.. فلن أحاول أن أقدم المعلومات والبراهين والدلائل وأحشو العقول بالمعلومات. سأدخل هذه المحاورة من باب المتسائلين لا من باب العارفين. بلغت الثلاثين من عمري.. هذه العتبة التي لا بد أن نعبرها جميعنا.. عتبة المنتصف.. ولست هنا للتباكي وطلب التعاطف أو لأهيم برومانسية خيالية ورقة مصطنعة وأتذكر كفاح السنين ومرارة الأيام. فأنا عملي. والعملي لا يضع العواطف إلا في موضعها مع الله ومع المستضعفين فقط. أما كل شيء آخر فإن دخلت فيه المشاعر في غير موضعها أفسدته.

فأنا أبحث اليوم عن المعنى.. لماذا عشت ولماذا أعيش ولماذا سأعيش؟ إن لم أجد في صباح كل يوم إجابة على هذه الأسئلة ربما لن أنهض من نومي أبدا. سأفضل الموت مئة مرة على حياة بلا معنى وبلا هدف.

وأنا أحاول أن أجيب على تلك الأسئلة مررت بالكثير من المحطات في حياتي.. بحثت عن الإجابة في المتعة والرفاهية.. ثم في العلم والأكاديمية.. بحثت عنه في الحب والرومانسية.. وبحثت في الغضب والصراع.. بحثت في العمل والإنجازات.. وبحثت في الروحانية المنعزلة عن الواقع التي لا تسمن ولا تغنى من جوع.. روحانية هدفها ليس تغيير الواقع ولكن الابتعاد والهروب عن الواقع بالترانيم والقراءات دون محاولة تطبيقها.. فوجدت في كل هذه المباحث كل شيء وأي شيء إلا السعادة الحقيقية.. متعة زائفة زائلة.. وألم حقيقي دائم سرطاني.

قررت أن أسأل نفسي من أنا؟ فوجدت أن الأنا لها أكثر من أنا فكلما نظرت الأنا (المدركة) للأنا (الفاعلة والمنفعلة) وجدت أنا غير الأنا. فقررت أن لا أترك نفسي قبل أن أعرفها أولا. كنت في هذه السنين متغطرسا مقتنعا أنني أعرف نفسي وأتعامل معها كحق مكتسب وكشيء دائم لا ينقطع. فأفقت على الألم والندم وانقطاع الرغبة في الحياة نفسها في بعض الأحيان.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنا اليوم لست كالأمس. إنها هذه النقطة في الفيلم التي تعرف منها أن المؤلف أو السيناريست يحاول أن يجمع الخيوط والشباك التي أسدلها ليجمع صيده. إن استسلمت للوضع هذا ولهذا الإحساس فلن يكون هناك صفحات جديدة ولن تكون هناك فصول جديدة في حياتي. أما لو استطعت الإجابة عن أسئلة الهوية والوسيلة والغاية فربما أكتشف أنها ليست النهاية بل هي البداية. وأكتشف أنني لم أكن قد ولدت بعد وأن هذه السنين كانت تحضيرًا وإعدادًا للحياة التي أبدأ أول أيامها اليوم. اليوم الأول في العام الثلاثين.

هذا هو التساؤل الذي يطرحه ذهني… هل أنا في الإعداد لمشهد النهاية أم أنني في بداية مشهد جديد وحياة جديدة تسلحت فيها بما كنت أتعلمه في سنين الماضي وأخوض اليوم فيها أولى المعارك.. كيف سأبدأ هذا اليوم بالنشاط والعفة والحكمة أم بالاندفاع والفجور والجهل. من أنا؟ هل تعلمت الدرس أم مازلت عنيدا أيها الطفل الشقي؟ هل ستدع آلام الماضي تحبسك وتكبح جماح شجاعتك في صراعات المستقبل الحتمية أم ستكون لك حافز ودافع للمزيد من الإقدام والهجوم؟ من أنا هل أنا شيخوخة الستين في كهولة الثلاثين أم أنني اندفاع العشرين في حكمة الثلاثين؟

لن تضيع مني الأيام كما ضاعت؟ لن أترك تجاربي تمر دون أن أتعلم منها فلقد دفعت فيها غالي الأثمان؟ أنا قاع النهر. مرَّت علي مئات ملايين الجالونات من الماء فنحرت في جسدي وعكرتها بالدماء سالت من جروحي. تغيرت هيئتي وظهرت على روحي وجسدي الجروح والكدمات نتيجة هذا النحر والتزاحم. لكني بقيت ولم تبقَ المياه كما هي؛ فإنك لا تنزل بقدميك في نفس النهر مرتين. ازددت مع العمر عمقا وقدرة على تقبل المزيد من الأثقال والأحمال. لست الأعمق بين الجداول لكني قطعا لست الأضحل.

تريدني الوساوس أن أقطع حبل الأمل وأن أمنع نفسي من التعلق بأحلامي. أن أشيخ وأهرم قبل أن أصير كهلا فأكون عقلا ميتا في جسد مستسلم. ويريدني إلهي شابا ما دمت حيا في عقلي وروحي وإن هلك جسمي وبلى عظمي وضمرت عضلاتي. هل سأنتصر؟ ومن سأتبع؟

سأخطو أول يوم بالعزم على العمل.. ولن ألقاك يا أنا إلا بعد أن تنتهي المعركة وتأتي لحظة الموت. هناك سأزورك مرة أخرى كما زرتك اليوم وكما زرتك عند الخامسة عشر. سأزورك وأريك ما صنعت وأطالبك بالحكم على نفسك قبل أن يحكم عليك من خلقك. وأندم معك على التقصير وأعلق معك الأمل على الرحمة والمغفرة لا لأني اجتهدت وعملت وأنجزت لكن لأن لي رب كريم لا يمنعه مني التطاول عن أن يتكرم علي ويرحمني ويغفر زلتي وذنبي ويقبل توبتي وندمي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سنذهب له بالبضاعة المزجاة وهو الملك الكريم. فسيقبل منا البضاعة وسيكيلها لنا لا بميزان العدل فقط ولكن بميزان الكرم والإحسان والمثوبة. ذلك لأنني لا أعترف بملك علي إلا هو فمهما أذنبت لن أعود إلا إليه، فأقر إليه بخطئي وتقصيري لعله يرحمني.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.

مقالات ذات صلة