مقالات

فلسطين قضية كل إنسان

فلسطين قضية كل إنسان

هل صادفت مرة أولادك إذا كنت أبا أو كنتِ أما، أو أحد أخوتك إذا كان منهم أطفال، هل صادفتهم يوما يشاهدون برنامج كرتوني بالتلفاز، وفي مشهد ما تضرب إحدى الشخصيات شخصية أخرى ظلما أو تعتدي عليها، فإذا بالطفل ينفعل ويقوم ليضرب الشخصية المعتدية عبر شاشة التلفاز ؟

هل صادفت ذلك يوما

إذا كانت إجابتك بلا، فلابد أنكم ذات مرة لعبتم تلك اللعبة الشهيرة التي فيها يمثل أحد الزوجين أنه يضرب الآخر، ليقوم المضروب بدوره بتمثيل البكاء وتعمد إصدار صوت أثناء ذلك ليقوم الطفل بشكل تلقائي بضرب الضارب من فوره، والتأثر لمشهد المضروب الذي يمثل البكاء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حسنا، ليست لعبة جيدة، لا تلعبوها، وإذا كنتم تمارسونها بالفعل فليست الوسيلة الأفضل لتسلية طفلكم.

ما الذي يحدث في هذه المشاهد؟

لماذا كان تصرف الأطفال على هذا النحو؟

في هذين المشهدين يحاول الطفل معاقبة الظالم أو رد حق المظلوم بشكل ما، ومن سن مبكرة جدا، يبدو أن الطفل يكره الظلم، ويحب العدل ويسعى في سبيله إذا جاز لنا التعبير.

مع الوضع في الاعتبار أن الطفل قبل مرحلة النضج العقلي، أي قبل حوالي الست سنوات لا يدرك العدل كما تدركه أنت بأنه إعطاء كل ذي حق حقه، لا يدرك هذا المعنى الكلي كما يسميه المناطقة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يذهب الحكماء إلى  أن مجرد تصورنا لمعنى العدل بأنه إعطاء كل ذي حق حقه، يجعلنا نحكم بأنه لا مفر شيء حسن ويؤدي للسعادة، وأن على النقيض منه الظلم شيء قبيح، ويسبب تعاسة كبيرة.

قضية حسن العدل وقبح الظلم من الأمور الواضحة عند العقل، والتي يسلم بها كل ذي عقل .

منذ مائة عام وتحديدا في  2 نوفمبر 1917 م ، أرسل “آرثر جيمس بلفور” وزير الخارجية البريطاني حينها برسالة للورد روتشيلد الثري اليهودي، مفادها أن حكومة بريطانيا تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

وتم التسهيل للمزيد من المهاجرين الصهاينة بالقدوم والاستقرار في فلسطين، وتوالت الهجرات وكأن فلسطين أرضًا خالية فعلا لا شعب بها ،منذ مائة عام يقاوم الفلسطينيون التهجير والقتل والتشريد والاقتلاع من الأرض والذاكرة أيضًا، يتشبثون،

يحفرون أماكنهم عميقة في الوعي والتاريخ، ويصرخون صرخة في وجه الظلم لا تزال تدويّ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

منذ  أقل من قرن من الزمان، يواجه الفلسطينيون همجية العصابات الصهيونية، التي لا تعرف سوى لغة العصا، لا حق، لا منطق، لا قيم، لا عدل، فقط سياسة من يستطيع أن يضرب بعنف أكثر فهو صاحب الأرض، الأقدر على التدمير والتخريب، والقتل هو صاحب الحق!

فما الحق عندهم وكما يرونه، إلا ما يستطيع أن يفرضه الأقوى، وكأننا في غابة حيث لا عقل ولا أخلاق ولا إنسانية، بل  صراع حيواني فقط.

منذ مائة عام يقاومون سطوة السلاح على الحق، سطوة الأهواء والشهوات والمنفعة الشخصية على العقل، سطوة المصالح على المبادئ،  سطوة الدبابة على العدل، سطوة الحيوانية على الإنسانية.

يقاومون سياسة الأمر الواقع التي يمارسها قادة الصهاينة، وقد أسس لها كبار مفكريهم؛ فإن “جابوتنسكي”-الأب الروحي لليمين الصهيوني- قد اعترف في مقالته الشهيرة”الجدار الحديدي” والتي نشرها عام 1923م ، ثم صارت ميثاقًا ومنهجًا لقادة الدولة الصهيونية بوجود شعبٍ على أرض فلسطين لن يتنازل عنها، ولا يمكن شراؤه بالمال، ولن يقبل باستمرار الهجرة اليهودية التي سوف تؤدي إلى أغلبية يهودية، ومن ثم حكومة يهودية، وتحويل فلسطين إلى “أرض اسرائيل”، وأن الفلسطينيين ليسوا حمقى كي تخدعهم الديباجات الصهيونية بشأن حفظ حقوق الفلسطينيين، والتعايش السلمي مع اليهود على أرض تسع شعبين، فهم يدركون تمامًا الهدف الحقيقي وراء الوجود اليهودي في فلسطين، وسوف يقاومون ذلك ككل الشعوب التي تقاوم الاستعمار طالما كانت تملك أدنى أمل في التخلص منه، لذلك رأى “جابوتنسكي” أنه إذا كان لا أمل هناك في الحصول على الأرض الفلسطينية برضى أهلها، فإنه لابد من الحصول عليها بالقوة، عن طريق ما أسماه الجدار الحديدي الذي يُعجز الفلسطينيين عن تحطيمه، والمتمثل في قوة الجنود الإسرائيليين، ودعم الحكومة البريطانية للاستعمار الصهيوني لفلسطين، وحينها فقط حينما يفقد الفلسطينيون الأمل في التخلص من اليهود، يمكن التفاوض معهم على وضع تكون فيه السيادة لليهود في فلسطين[1].

جدار”جابوتنسكي” الحديدي هو ما تعهد القادة الصهاينة على مر الزمان ببنائه، بالقتل والتشريد والتهجير والمجازر وهدم البيوت، ثم الجلوس لطاولة المفاوضات لإقناع الفلسطينيين بالعيش في وطنهم، مهددين ومنتهكين ومشردين، وتحت سيادة الغاصب المحتل، أو لإجبارهم على ذلك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فلسطين ليست قضية الفلسطينيين، ولا العرب، ولا المسلمين ولا المسيحيين؛ فلسطين قضية كل مؤمن بالعدل قبال الظلم، كل مؤمن بالحق قبال الباطل، كل مؤمن بأن القيمة والمبدأ أقوى من السلاح، كل مؤمن بالعقل قبال الهمجية والحيوانية. فلسطين قضية كل محب للعدل وكاره للظلم، فلسطين قضية كل إنسان.

[1] يمكن الاطلاع على نص المقالة على الموقع    http://en.jabotinsky.org/

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة