مقالات

محمد كُريم، ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانه؟ هل كنت ستضعف؟

بطل المقاومة الشعبية ” محمد كُريم “

جاءت سفن الأسطول البحري الفرنسي ذات العتاد العسكري الحديث تحملها رياح الغزو وتدفعها موجات الطمع والجشع لتدور معارك ملحمية بين المحتل الغربي صاحب النهضة والتقدم وصاحب الأرض بإيمانه القوي بصدق قضيته، حتى سقط في الأسر كبطل دافع بكل شرف عن حرية وطنه بعد أن كانت حياته دليلاً على الزهد في الدنيا، لهدف أسمى وأبعد وهو الموت في سبيل تحرير بلاده ومقاومة المحتل.

كان هذا تحديداً في العام 1798 أثناء اقتحام الحملة الفرنسية للإسكندرية ودك حصونها لاحتلال مصر وإعلانها ولاية خاضعة للإمبراطورية الفرنسية. وعلى الرغم من سقوط المدينة ورفع العلم الفرنسي عليها، لم تسقط حركة المقاومة وتذعن للمحتل. سقطت المدينة وسقطت مصر عسكرياً لكن والي الإسكندرية الشيخ ” محمد كُريم ” لم يسقط إيمانه أو يـلِن عزمه مع احتلال بلاده. فكرَّس حياته وإمكانيته لبعث روح المقاومة والكفاح ضد المحتل في نفوس اليائسين من النصر والشباب المتشائم الذي استسلم للأمر الواقع.

فشل الاحتلال في إغراء وتهديد محمد كُريم

أدت هذه الاختيارات أن تربَّص به المحتل وحاول أن يستقطبه لصفوفه وينزع من وجدانه عشقه للحرية والكرامة، باللين في البداية عن طريق المناصب والجاه والمال ثم لجؤوا للشدة والتهديد لمَّا فشلت طرق الإغراء مع هذه الشخصية العنيدة. فقرر الاحتلال في النهاية الحكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص. فلاحت له فرصة للنجاة من الموت والحفاظ على منصبه وحياته بعد الحكم عليه بالموت، بدفع فدية فرفض قائلاً “إذا كان مقدوراً عليَّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية، وإذا كان مقدوراً عليَّ أن أعيش فعلام أدفعها؟!”

مات الشيخ ” محمد كُريم ” رمياً برصاص الفرنسيين بتهمة الخيانة والتحريض على المقاومة، ألم يستطع الرجل أن يفدي نفسه ويدفع الفدية لشراء حياته وخاصة أنه كان واسع الثراء؟ ألم يكن بمقدوره أن يتنعم بمنصبه كوالٍ للإسكندرية –كما وعده نابليون- يتاجر معهم ويزيد من ثرواته وأمواله؟ ألم يستطع أن يستغل مكانته وقوة تأثيره على شباب المقاومة ويغريهم بأن فرنسا ستعمل على نقل الثقافة الأوروبية الحديثة وتعليم الشعب المصري “الإتيكيت” وأن مصر ستكون قطعة من أوروبا؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والإجابة هي نعم، فنابليون قد أرسل رسالة لأهل مصر وهو على مشارف الإسكندرية بأنه ما جاء إلا حماية لمصر من الأخطار المحيطة بها، وأنه بأسطوله وقواته العسكرية وسيلة لحماية تراثها الثقافي والعلمي والديني، تماماً كما يفعل كل محتل عند غزو أراضٍ جديدة بإبراز دعاوى براقة مثل نشر الديمقراطية يخادع بها كل من كان ضعيف الإيمان بهويته وقضيته ممن يمهدوا الطريق للمحتل ويستقبلوه بالورود،

ماذا كنا سنفعل لو كنا مكانه ؟

كما أن نابليون بمجرد احتلال الإسكندرية وكبادرة لكسب ود الشيخ محمد كُريم ونشر الأمان بالإسكندرية قد أكرمه وأشاد ببطولاته وأبقاه على منصبه كوالٍ للمدينة. فماذا كنا سنفعل إن كنا في نفس مكانة محمد كُريم ! هل نميل لإغراءات المحتل –وإن اختلفت أشكال احتلاله لنا عسكرياً أو اقتصادياً أو فكرياً- أم نحافظ على هويتنا وأوطاننا؟

لم يحتار بطلنا كثيراً فقاد طريق مقاومة المحتل الفرنسي وأدرك بوعيه المستنير خداع أفكاره، وطمع قواته في نهب خيرات البلاد فرفض كل المغريات ورفض أن يكون أداة طيعة في يد الاحتلال واختار أن يخلد ذكره في سجلات الأبطال فقاد المقاومة الشعبية في الإسكندرية ضد الاحتلال حتى قُبض عليه وأُعدم. اختار أن يسلك طريق من آمنوا في فرنسا من قبل بحق مقاومة المحتل الإنجليزي من عدة قرون مضت مثل “جان دارك” الفتاة التي آمنت بحق فرنسا في الحياة دون الاحتلال لتُروى سيرها مثل سير الأبطال في فرنسا.

والغريب أن يكون من العدل في أعين الثورة الفرنسية الإيمان بحق جان دارك في المقاومة ويكون عقاباً لمحمد كريم في مقاومته بأن يركب على حمار وصولاً لمكان المحاكمة ثم التمثيل بجثته بعد إعدامه بقطع رأسه وتعليقها على “نبوت” –العصا التي كانت في الأفلام المصرية القديمة التي يستخدمها الرجال للدفاع عن النفس- وينادي منادياً “بأن هذا جزاء من يخالف الفرنسيين”!

خطورة الغزو الفكري

إن هذا ليس عصر وانقضى فمازلنا للآن في عصر تتنافس فيه القوى للاحتلال والسيطرة ولكن بأساليب وطرق مختلفة، فالآن قد يسبق الغزو العسكري بالمدافع والدبابات غزواً فكرياً بوسائل إعلام تسعى للسيطرة على العقول والانجذاب لنمط فكري يشكك في الثوابت وينشر أفكاراً تخدم مصالحه مثل حق القوة. فلنتخيل معاً كيف ستبث وسائل الإعلام باختلاف توجهاتها خبر هجوم الحملة الفرنسية على الإسكندرية تحديداً وكيف سيكون خبر إعدام الشيخ محمد كُريم ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والغزو الفكري هو أصعب أنواع الغزو ومقاومته هي الأصعب كذلك، والمؤمن الحق بقضيته هو من يرتكز على الحقيقة ويقاوم لأجلها، وبتجلي روح الشيخ محمد كُريم فينا سنقاوم الغزو الفكري من خلال عدم تصديق الدعاية البراقة الخادعة للطارق الغريب الماكر على أبوابنا، وفي عدم الاستسلام لدعاوى الانهزامية بأنه لا داعي للتفكير في الحلول وبأننا قد جئنا لراحتك وما عليك سوى أن تسلم لنا القيادة وأن تنقاد لنا انقياداً أعمى.

اليوم ومنذ عام 1798 يخلد اسم البطل محمد كُريم في سجلات التاريخ كبطل دافع عن بلاده بكل عزم وقوة وكان إعدامه نواة لثورات شعبية ضد الاحتلال، كما خلد التاريخ اسم الفيلسوف سقراط من اليونان القديمة من عصور ما قبل الميلاد بعد أن قاد أول معارك الفكر ضد المشككين في كل شيء في عصره، ورفض أن يفدي نفسه بعد الحكم بإعدامه فمات وهو مؤمن بصدق قضيته.

اقرأ أيضاً:

المقاومة الشعبية في بورسعيد ضد الاحتلال

الإنسانية تقتضي المقاومة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

دور الكوميديا في الغزو الفكري والثقافي

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد صالح

عضو فريق مشروعنا فرع القاهرة

مقالات ذات صلة