مقالاتقضايا شبابية - مقالات

كتبت القايمة؟

قصة عن قائمة المنقولات تثير الجدل

انتشر على موقع التواصل الاجتماعي-فيس بوك- مؤخرا منشور تحكي فيه سيدة عن تجربتها مع زوجها الذي استمر زواجهما لبضع سنوات والذي لم ترهقه بالمطالب المادية،

بل كان زواجهما بسيطا- أثاث بسيط للمنزل البسيط دون فرح فخم وثوب زفاف غالي – ودون كتابة “قايمة”، وكانت تكاليف الزواج فقط أربعة آلاف جنيه!!

سعادة يعقبها ندم

لك أن تتخيل زواجا لا يتكلف سوى أربعة آلاف جنيه في زماننا هذا! وكانت هذه الزوجة -التي ظهرت عليها التعاسة- نادمة على ما فعلته وعلى زواجها بهذه الطريقة.

قبل ذلك بسنوات كتبت نفس السيدة منشورا تتحدث فيه عن أنها وخطيبها على وشك إتمام زواجهما بأقل التكاليف الممكنة دون بهرجة لا معنى لها ، وتدعو كل بنت مقبلة على الزواج إلى تكرار تجربتها في التخفف من الماديات والزواج بإمكانيات بسيطة معتدلة.

وبعد سنوات من الزواج كتبت السيدة المنشور الذي نشير إليه  والذي تحكي فيه عن تجربة زواجها لتُحذر كل بنت مقبلة على الزواج من تكرار تجربتها، بل تدعوها للمطالبة ب”حقوقها” كاملة، من قايمة وشبكة وعفش وخلافه ولا تتنازل عن شيء أبدا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعد تجربة الزواج التي يبدو أنها لم تكن مُوفَّقة تدعو أستاذتنا الفاضلة كل بنت ألا تكرر نفس الخطأ وتضمن حقوقها بـ “القايمة”.

تعريف القايمة

و”القايمة” في العرف؛ هي ورقة يُكتب فيها جهاز العروسة باسمها ويُوقِّع عليها العريس كضمانة لحقوق العروسة، كما يتصور الأهل -الذين يعتقدون أن بتلك الورقة قد ضمنوا- أن يحسن العريس معاملة كريمتهم بعد أن “ربطوه”!

وكما تصورت سيدتنا بعد تجربة زواجها غير الموفقة أن سبب ذلك كان تنازلها عن كتابة القايمة وغيرها من المتطلبات المادية.

هل قائمة المنقولات هي الضمانة لحياة زوجية سعيدة؟

في الحقيقة بتلك النظرية التي تُحدد سر السعادة الزوجية في قائمة العفش التي يمضي عليها العريس لا يمكننا تفسير كثير من القصص عن زيجات كثيرة كتبت فيها قوائم بملايين الجنيهات لكنها كان مصيرها الفشل والطلاق و”الجري” في المحاكم

ولم تضمن القائمة للعروسة أي شيء بل ربما كانت وبالًا عليها حين مارس عليها الزوج ضغوطًا كثيرة لكي تتنازل عما كُتِبَ في القائمة مقابل طلاقها وخروجها من سجن العذاب القاسي الذي حبسها فيه!

كذلك نظرية كون القائمة هي الضمانة لحياة زوجية سعيدة لا تُفسِّر أيضا زواجات الكثير من الصديقات اللاتي لم يكتبن قوائم ولم يبالغن في تكاليف زواجهن وينعمن والحمد لله بالسعادة والاستقرار في حياتهن الزوجية، أدام الله عليهن السكن والسعادة.

يبدو أن في الأمر سر ما هو بالتأكيد غير نظرية القائمة وهو ما يشكل فعلا ضمانة لاستقرار الأسرة وسعادتها.

الزواج الحقيقي تكفيه أقل التكاليف

لو نظرنا لحقيقة الزواج لوجدنا أنه في الأصل ارتباط بين روحين ونفسين، فردين وجد كل منهما في الآخر ما يساعده على إشباع حاجته لوجود الرفيق الذي يهتم ويشارك ويحب ويرعى، يسكن كل منهما للآخر، يشاركه فرحه وحزنه،

يواسيه ويؤنسه، يعاونه ليصير نسخة أفضل من نفسه، يَطَّلع على خباياه فيوجهه لما فيه خيره وينبهه لما قد يضره، يُشكِّلا بارتباطهما نواة أسرة تُخرج أفرادا نافعين للمجتمع وتُشبع غريزة الأمومة والأبوة الطبيعية في كليهما.

هذا الارتباط تكفيه أقل التكاليف المادية ليتم ويستمر في سعادة وسكن وهدوء، يكفيه ما يغطي حاجة أفراده فقط.

أهمية التوافق الفكري بين الزوجين

لكن الذي يضمن قوته واستقراره فعلا هي صفات هذين الشريكين، فإذا كان الزواج بالأساس هو ارتباط بين روحيهما ونفسيهما فإن صفاتهما النفسية والروحية هي ما تُحدِّد قوته وتضمن لكل طرف فيه حقه.

التوافق الفكري بين الزوجين هو ما يضمن اشتراكهما في المبادئ العامة التي ستحكم حياتهما سويا، اتفاقهما في المرجعية التي يرجعان إليها لمعرفة المعايير التي تحكم اختياراتهما لحياتهما، اتفاقهما في المبادئ التي سوف يقومان بتربية أولادهما عليها،

اتفاقهما في تصورهما عن الحياة الزوجية وواجبات وحقوق كل طرف، اتفاقهما في ترتيب أولويات حياتهما، التوافق في تلك الأمور هو ما يضمن استقرار الحياة الزوجية وخلوها من الصراعات والمشاكل والخلاف على كل كبيرة وصغيرة.

ضرورة تحلي الزوجان بالأخلاق الحسنة

ولأن الارتباط بين الزوجين يجعلهما يتعاملان في كل تفاصيل الحياة؛ فإن ما يضمن أن يتسم هذا التعامل بالعدالة والرحمة والود هو أن يتحلى الزوجان بالأخلاق الحسنة من بُعدٍ عن الكبر والعناد والغضب والانفعال لأتفه الأسباب والبعد عن الأنانية وتفضيل المصلحة الشخصية على مصلحة الأسرة والطرف الآخر.

أن يتحلى الطرفان بالإحساس بالمسئولية تجاه الآخر وتجاه الأسرة ، واحترام كل منهما للآخر، والرغبة الحقيقية في العطاء والبذل من أهم دعائم استقرار الحياة بينهما.

الحياة بين زوجين أحدهما أو كليهما سيء الخلق تكون كالجحيم فعلا، وهي النماذج التي تزخر بها قاعات المحاكم!

الضامن الحقيقي لحق الزوجة

الضمانة الحقيقية لاستقرار الحياة الزوجية ليس “ربط” العريس بقائمة عفش وإن كانت بالمليارات ولكن الضمانة فعلا هي التوافق الفكري بين الزوجين والتحلي بالخلق والقيم النبيلة.

ما يحفظ فعلا للزوجة حقها ويضمن أن تلقى معاملة كريمة من الزوج دون إهانة أو إهدار لكرامتها هو أن يكون ذلك الزوج على قدر من الخلق وذو ضمير يقظ يردعه عن أن يظلم زوجته أو يسيء إليها.

“القايمة” والعفش والشبكة والمهر والمؤخر وغيره من الماديات التي أصبحت من مسلمات الزواج في مجتمعنا لم تضمن استقرار أسرة أو حق زوجة أو سعادة أولاد في بيت يملؤه الدفء والحب.

عهد أخلاقي

ربما من الأولى بدلا من أن نجعل العريس يوقع على قائمة بالعفش تلزمه بردّه في حالة الطلاق أن نطلب من العروسة والعريس أن يوقع كل منهما على تعهد بأن يجتهد ليكتسب الأخلاق الحسنة الفاضلة التي تجعله يحسن معاملة شريكه ولا يظلمه

وأن يراعي كل منهما أن يتوافق وشريكه على المبادئ العامة التي تحكم حياتهما فلا تكون الحياة بينهما سلسلة من الخلافات المستمرة يختفي بها الحب وتضيع وسطها السعادة ويدفع الأبناء ثمنها!

اقرأ أيضاً:

التضامن من أجل الزواج

شرع الله

الزواج بين صناعة الأزمة والبكاء على اللبن المسكوب

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية