بين الصورة والكلمة
طالما يفاجئك الأديب الأستاذ شريف عبد المجيد بعمل إبداعي مختلف يهديه إليك، فمرة تجد مجموعة قصصية، أو نصًا مسرحيًا، أو مجلدًا استطلاعيًا مصورًا عن مكان أثري وسياحي، أو معرضًا للتصوير الفوتوغرافي، أو سيناريو لفيلم تسجيلي أو سينمائي، ومع جميع هذه الألوان تجد قلمه السارد، وعينه اللاقطة.
في كل مرة أقابله، مصادفة أو بترتيب، أشعر بحرج حياله، لأنني لم أكتب عن أي من أعماله أو أشارك في مناقشتها في ندوة من قبل، رغم أنني قرأت بعضها، سواء سعيت إلى اقتنائه أو أهداه هو إليَّ أو أرسلته دور النشر التي أخرج فيها قصصه، وبعضها من أكبر دور النشر في مصر مثل “الدار المصرية اللبنانية” و”نهضة مصر”.
السيرة المهنية لشريف عبد المجيد
قرأت له بالفعل ثلاث مجموعات قصصية على فترات متقطعة، هي “خدمات ما بعد البيع” و”فرق توقيت” و”تاكسي أبيض”، فوجدته قاصًا متميزًا ومخلصًا لهذا الجنس الأدبي البديع، الذي أبدع فيه أيضًا مجموعات “مقطع جديد لأسطورة قديمة” و”كونشيرتو الزوجين والراديو” و”جريمة كاملة”، وقد أهداه فن القصة القصيرة المركز الأول في جائزة ساويرس عام 2008، وعلاوة على كل هذا قام وشارك في إعداد عديد من البرامج التليفزيونية، من أبرزها “المرسم”، و”عصير الكتب”، و”اضحك الصورة تطلع حلوة” و”دنيا الثقافة” و”سينما زمان” و”روائع الفن السابع” و”أضواء المسرح” و”أهل الرأي” و”عالم البيانولا”، وشارك كذلك في كتابة عديد من الأفلام التسجيلية، أحدها حاز جائزة مهمة قبل أيام.
الكاتب والمصور شريف عبد المجيد
عالم شريف عبد المجيد منبعه الحياة بتفاصيلها التي تقوم على أكتاف شخصيات متناثرة تتحايل على العيش، وتبذل قصارى جهدها في سبيل تحسين شروطه. وتتابع قصص شريف بدأب ووعي مختلفين التطورات التي طرأت على المجتمع المصري، وطقوس الجيل الجديد وتصرفاته وأشواقه، النازع بقوة إلى الأتمتة والرقمنة، لكنها لا تخلو من تخييل واضح في بعض المقاطع والمواضع، تنقل النص من رصد الواقع إلى آفاق رحبة من الخيال، وسط صناعة أساطير للحياة والموت والماضي والحاضر.
أما عالم التصوير فقد وزعه بين الثورة والسياحة، إذ أصدر كتابين عن الهيئة المصرية العامة للكتاب باسم “سلسلة الثورة جرافيتي”، الأول عنوانه “أرض أرض” والثاني عنوانه “مكملين”.
شريف عبد المجيد يحلم بمشروع يصف مصر بالصور
قبل أيام أهداني شريف عمله الأخير “سيوة: ظل الواحة” وهو مجلد مصور عن تلك الواحة البديعة، يناقش تاريخها ومعالمها وآثارها وعادات أهلها وتقاليدهم، لكنه لم يكتف بهذا، بل أمدني باقتراح يحمل عنوان “مشروع وصف مصر بالصورة”، يريد فيه أن يتبع خطى الحملة الفرنسية، التي تركت لنا كتابها الشهير متعدد المجالات والعلوم والأحوال “وصف مصر”.
هنا يقول: “أحمل حلمًا كبيرًا بأن تصدر سلسلة كتب جديدة بأيدي المصريين بوصف مصر في القرن الواحد والعشرين، بعد مرور مائتي عام على الموسوعة الأولى، يتم فيها عمل مسح ميداني ووصف جديد لمصر من الإسكندرية إلى أسوان، ومن سيوة إلى سيناء، يشمل عادات كل محافظة ومدينة في مصر وتقاليدها، ويبحث تاريخها وجغرافيتها ويحلل فرص التنمية والاستثمار، ويكون مكتوبًا بأسلوب أدبي جذاب مصحوبًا بالصور الفوتوغرافية لكل الأماكن في محافظات مصر، ويصاحب هذا فيلم تسجيلي، على أن يتم ذلك بسواعد مصرية شابة من علماء وباحثين ومصورين وأدباء”.
يقدم شريف في مقترحه تكلفة هذا المشروع لكل محافظات مصر، ويقول: “أتمنى أن تجد هذه الفكرة قبولًا من أصحاب القرار في مصر، ليتسنى له تنفيذها بالشكل الأمثل”. وقدم الكاتب بالفعل نموذجًا لهذا في واحة سيوة، التي أصدرتها في طبعة فاخرة الهيئة المصرية العامة للكتاب.
في آخر مرة التقينا بدا شريف سعيدًا بكل ما يفعله، ورآه منسجمًا مع دوره أديبًا، لأن الأدب يتسع لألوان وأجناس عديدة لا تقتصر على الشعر والرواية والقصة والمسرح، وتطرق حديثنا إلى الحاصلة على جائزة نوبل هذا العام البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفيتش، وكيف أن منحها الجائزة قد يجعل نقادًا يعيدون النظر في رسم معالم الأدب وتحديد أنواعه وألوانه وتخومه ومضامينه.
مقالات ذات صلة:
يوسف إدريس .. ظل ثقيل أم موهبة لاذعة؟
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا