الدراما والحياة الإنسانية
تعني الدراما، في المفهوم العام الشائع، ذلك العمل الذي تمت كتابته ثم تجسيده بالتمثيل، سواء على خشبة المسرح أو في التليفزيون أو الإذاعة، أو حتى تم تقديمه في صورة أوبرا، إلخ. من ثم فالدراما هي نص أدبي تمت كتابته بغرض تجسيده وتمثيله من أجل جمهور من المشاهدين.
كلمة دراما مُشتقة من كلمة دراما اليونانية (drâma) والتي تعني عمل أو فعل، وهي نفسها مُشتقة من الفعل اليوناني دراو (dráō)، والذي يعني يُؤدي أو يفعل أو يُمثل.
نشأة الدراما
على هذا النحو من التأصيل، نعرف أن اليونانيين الأقدمين كانوا أول من عَرَفَ الدراما، بابتكارهم لفكرة كتابة نص أدبي بغرض تمثيله على خشبة مسرح أمام جمهور، ومن بعد اليونانيين، أتى الشعب الروماني، ونقل عن اليونانيين، كتابة نص أدبي ثم تجسيده وتمثيله. وقد أطلق الرومان على هذا النص المُمسرح نفس الاسم اليوناني “دراما”.
من بعد الرومان، انتقلت الكتابات الدرامية والتمثيلية اليونانية إلى كافة الشعوب القديمة، وحافظ المُحدثين منهم على نفس قواعد كتابة النصوص الأدبية الدرامية، وإن اختلفت وابتعدت بعيدًا جدًا في هدفها والغرض منها.
اليونانيون الأقدمون كانوا يهدفون من كتابتهم لنص أدبي بغرض تمثيله، إلى تقديم العظة والعِبرة للناس، حتى يحدث لهم ما هو معروف باسم تطهير، سواء مما يشعرون به من خوف أو شفقة، فالمَشاهد الدرامية التي تقع أمام الجمهور تُحدث بداخله توازنًا نفسيًا، حتى يمكنه مواجهة أعباء الحياة ومُنغصاتها، والتغلب على ما يواجهه من عراقيل في دروب حياته.
أهمية المسرح اليوناني
لقد أدرك اليونانيون الأقدمون أهمية العروض الدرامية المسرحية وأثرها في حياة البشر، فاهتموا ببناء وتشييد المسارح في كافة مدنهم، وعملوا على توفير نفقات التشييد والبناء، دون الرجوع على المواطنين بشيء. وكذلك كان حال الرومان، والذين كان يتقدم الأثرياء منهم طواعية للإنفاق على كل ما يؤدي إلى بهجة وإسعاد مواطنيهم من الرومان. لقد صارت فكرة إسعاد وتسلية الآخرين، لدى الرومان، واجب اجتماعي، وإلزام على الأثرياء نحو الفقراء والعامة من الناس، ومن ثم فقد كثرت مباني التسلية والترفيه بجميع المدن الرومانية القديمة، تلك المباني التي تطوع الأثرياء منهم بتشييدها من أموالهم الخاصة.
لقد كان المسرح، لدى اليونانيين، من البنايات الأولى، والذي لا يقل أهمية وقيمة عن بناء معبد لإله المدينة، أو مبنى مجلس الشيوخ والجمعية العامة، فالمسرح من البنايات الأساسية التي كان اليوناني القديم حريصًا على تشييده بينما هو يُشيِّد مدينته ويؤسس مبانيها الأساسية.
أهداف المسرح اليوناني
على خشبة هذه المسارح كان يتم تقديم العروض الدرامية التي تهدف إلى الارتقاء بالمواطنين، أدبيًا، وأخلاقيًا، وتربويًا، ودينيًا، وأيضًا سياسيًا. وحتى تتحقق هذه الأهداف كانت كل مدينة يونانية تمنح المكافآت للمؤلفين الدراميين نظير نصوصهم الدرامية، ثم تبحث عن المخرج، الذي بدوره يبحث عن ممثلين يؤدون هذه العروض المسرحية أمام الجمهور، وكانت المدن اليونانية تُحسن العطاء لكل هؤلاء.
وعندما يكون العرض المسرحي جاهزًا للتمثيل أمام الجمهور، كان القائمون على المدن اليونانية يوجهون الدعوات والنداءات، للخاصة والعامة من الناس، لحضور العرض المسرحي، دون تكبد أية مصاريف، فالجميع يحضر العروض المسرحية بالمجان.
رواد المسرح اليوناني
قدّم المسرح اليوناني لجمهوره، وللبشرية جميعها، نصوصًا مسرحية مليئة بنماذج درامية ذات أثر وقيمة إنسانية عالية، نماذج لا يمكن نسيانها، وذلك مثل شخصية أوديب، والذي كان يحاول أن يعاند قدره، ويعمل جاهدًا على عدم تحقيقه، لكن في النهاية تهزمه أقداره وتتحقق رغم أنفه. وها هي شخصية أنتيجوني، والتي كانت ترى ضرورة احترام القانون الإلهي، لأنه هو الذي يتسم بالعدل، ولا يمكن احترام قانون بشري يجافي قانون الله في أرضه.
وها هو أوريستيس، الذي يسعى لتنفيذ قدر الله وقضائه بيده، والانتقام ممكن يتعدون على محرمات الله. وغيرها كثير وكثير من النماذج الإنسانية الدرامية التي يحتاجها مسرحنا الحديث.
إن مسرحنا الحديث، في حاجة ماسة الآن إلى اهتمام القائمين عليه، بضرورة العمل على تثقيف الناس والارتقاء بوعيهم واحترام عقولهم وإعلاء قيمة الإنسان، تلك القيمة التي أدركها اليونانيون، والرومان من بعدهم، منذ أكثر من 2400 سنة.
مقالات ذات صلة:
رواية ومسرحية للعارف بالوسط الأدبي
أثر الغزو الثقافي اليوناني على المجتمع الروماني
انظر خلفك بغضب (Look Back in Anger)!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا