قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الثالث

المدرسة المشَّائية: المنطلقات والأصول

بعد أن تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشتين السابقتين “الجزء الأول” رؤى متعددة ومنهج واحد، و”الجزء الثاني” البحث الفلسفي بين مقامي الثبوت والإثبات، وهي مقدمة ضرورية لفهم مدارس الفلسفة الإسلامية، ينبغي استحضارها قبل قراءة هذا الجزء.

نبدأ في هذه الدردشة بالحديث عن أولى مدارس الفلسفة الإسلامية، وهي المدرسة المشائية.

تعريف المدرسة المشَّائية

نقصدُ بالمدرسةِ المشَّائية مدرسةَ الفلاسفة الخُلَّص، الذين يمشون –مشيًا فكريًا– من المقدمات إلى النتائج، أو من المطالب إلى الاستدلال العقلي البرهاني عليها.

ترجعُ أصولُ هذه المدرسة إلى ثلاثي فلاسفة العصر الذهبي اليوناني: سقراط وأفلاطون وأرسطو، وقد سارَ المشاؤون الإسلاميون على نهج المدرسة اليونانية وخصوصًا أرسطو.

لكن هذا لا يعني أنهم كانوا ترجمةً أمينةً لأرسطو، أو لغيره من فلاسفة اليونان، بل هم عباقرة من نوع آخر مختلف، وإن اتحدتِ الأصولُ وتماثلَ المنهاجُ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أصول المدرسة المشَّائية

يمكنُ إجمالُ أهم أصول المدرسة العقلية الإسلامية، من خلال التفرقة السابقة بين مقامي الإثبات والثبوت، ولعلَّ هذه التفرقةَ من مبتكرات السيد كمال الحيدري، وذلك على النحو الآتي:

في المستوى الأول من البحث: مقام تحصيل الرؤية الفلسفية: مقام اكتشاف الرؤية الكونية:

  • اتبعت المدرسةُ المشائيةُ المنهجَ العقلي، وخصوصًا منهجَ البرهان المنطقي، في تحصيل رؤيتها الكونية.

الأصل العام للمدرسة المشائية هو المنطق الأرسطي، أي مجموعة القواعد التي دوَّنها أرسطو، ولا نقول أسسها أرسطو.

إذ هي قواعد فطرية مغروسة في الإنسان، وقد رتبها ونظمها وقعد قواعدها أرسطو، لا أنه ابتدعها أو اخترعها اختراعًا.

لا زالتِ القواعدُ والأسسُ الفلسفيةُ العقليةُ، التي أسسها المعلمُ الأول، باقيةً صامدةً لكل هجمات الحداثة وما بعد الحداثة، إن في الشرق أو في الغرب.

خصائص المدرسة المشائية

  • ركزتِ المدرسةُ المشائيةُ بالأساس على مسائل الميتافيزيقا والإلهيات، وإن لمْ تغفلْ بالطبع البحث في المسائل الأخرى من نفسية وأخلاقية وسياسية، وغيرها من المسائل الفلسفية.
  • أسستِ المدرسةُ المشائيةُ رؤيةً فلسفيةً أعطتْ لها الطابعَ اللاهوتي والميتافيزيقي العقلاني.
  • كانَ للمدرسة المشائية موقفٌ واضحٌ من المكاشفة والشهود، فرفضت ما تعده المدرسةُ العرفانيةُ أصلًا لها، فوقفتْ منها موقفَ الضد والنقيض.

أي رفضت أنْ يكونَ سبيلُ الوصولِ إلى معرفة الحقائق، واكتساب المعارف، طريق المجاهدة وتصفية القلب.

في حين رأتِ المدرسةُ العرفانيةُ أن طريقَ الوصول إلى الحقائق هو المنهج القلبي، لا المنهج العقلي، فكانت المدرستان: المشائية والعرفانية، على الضد والنقيض من بعضهما.

  • كذلك كانَ للمدرسةِ المشائية موقفٌ صادمٌ من المدرسة الكلامية، بل يمكن القولُ أنَّ موقفَ المدرسةِ المشائية، من معطيات الشرع، كان سببًا رئيسًا من أسباب نشأة وظهور المدرسة الكلامية.

اتبعتْ في ذلك منهجَ الجدلِ الذي شَنَّ عليه المشاؤون هجومَهم الضاري، فقابلهم المتكلمون بالتكفير، والتبديع، والتفسيق!

في المستوي الثاني من البحث: مقام إثبات الرؤية الفلسفية للآخرين:

المدرسة المشائيةشيَّدتِ المدرسةُ المشائيةُ منظومةً فلسفيةً كبرى مؤسسةً على المنطق العقلي الصرف.

  • اتبعتِ المدرسةُ المشائيةُ، في إثبات رؤيتها الكونية الفلسفية، طريقَ العقل الخالص وحده.
  • بذلك تحقق التكاملُ التام للمدرسة المشائية، في المطابقة بين تحصيل رؤيتها الكونية بالمنهج العقلي، وإثباتها لهذه الرؤية للآخرين بالمنهج العقلي.

كانت من أكثر مدارس الفكر الإسلامي اتساقًا من هذه الناحية، إذ لا فارق –في المنهج– بين منهج تحصيل الرؤية المشائية وثبوتها عند ممثلي المدرسة المشائية، وبين منهج إثباتها للغير.

ممثلو المدرسة المشَّائية

مثَّلَ المدرسةَ المشائيةَ عديدٌ من الفلاسفة، سواء في المشرق الإسلامي أم في مغربه.

في المشرق الإسلامي نجد أشهرهم: الكِنْدِي (فيلسوف العرب) – الفارابي (المعلم الأول) – ابن سينا (الشيخ الرئيس) – المحقق الطوسي (شارح كتاب الإشارات لابن سينا) – المحقق الداماد (أستاذ صدر الدين الشيرازي)، وغيرهم.

في المغرب الإسلامي نلتقي أهمهم: ابن باجة – ابن طفيل – ابن رشد، وغيرهم.

لتوضيح المنطلقات النظرية والمنهجية للمدرسة المشائية، ولمعرفة مكوناتها الرئيسة، نعرضُ لنماذجَ من ممثلي المدرسة المشائية، ولنبدأ –في الدردشة القادمة بإذن الله– بفيلسوف العرب الأول: الكِنْدِي.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

أعظم علماء الإسلام في الفلسفة 

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج