مقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الثاني

البحث الفلسفي بين مقامي الثبوت والإثبات

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، عن موضوع بالغ الأهمية هو “مدارس الفلسفة الإسلامية الخمسة”.

إذ تناولنا الفلسفة باعتبارها الحكمة النظرية، أو هي الرؤية الكونية إلى الله والإنسان والعالم.

قلنا إن الفلسفة الإسلامية تمتعت برؤية كونية لله والإنسان والعالم، بل برؤي كونية ثرية وعظيمة.

أنهينا هذه الدردشة بتساؤلٍ حول كيف أننا نعد المدرسةَ الصوفيةَ العرفانيةَ مدرسةً فلسفيةً، وهي ترفض العقلَ أساسًا لرؤيتها الكونية؟!

كيف نعد المدرسةَ الكلاميةَ مدرسةً فلسفيةً، وهي تعتمد في رؤيتها الكونية على ظواهر النص الديني، أعني القرآن العظيم والسنة الشريفة؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قلنا: إن الأمرَ يتطلب إقامةَ التفرقةِ الدقيقةِ بين مستويين أو مقامين للبحث الفلسفي: مقام الثبوت، ومقام الإثبات، وهذا ما نحاول فحصه في هذه الدردشة.

المقام الأول للبحث: مقام الثبوت:

نطلق على المقام الأول للبحث اسم مقام الثبوت، أو مقام منهج، أو طريقة، أو وسيلة، تحصيل الرؤية الكونية عند مدارس الفلسفة الإسلامية.

نعني به المنهج أو الطريقة أو الوسيلة التي بها حصَّلت مدرسةٌ فلسفيةٌ ما رؤيتها الكونية، أي ما طريقة اكتشاف كل مدرسة للحقائق؟

مناهج الوصول إلى الرؤية الكونية:

[البرهان – القرآن – العرفان – الجمع بين البرهان والعرفان – الجمع بين البرهان والقرآن والعرفان]

مثلًا: كيف حصَّلت المدرسةُ المشائيةُ رؤيتها الكونية؟ الإجابة هي: عن طريق المنهج العقلي، وخصوصًا منهج البرهان المنطقي الأرسطي.

ما هو منهج المدرسة العرفانية في تحصيل واستكشاف رؤيتها الكونية؟ نقول: إنه المنهج العرفاني، أي منهج الكشف والإلهام القلبي.

ما السبيل التي حصَّلتْ من خلاله المدرسةُ الكلامية رؤيتَها الكونية إلى العالم؟ نجيب إنه المنهج النقلي في فهم معطيات الشرع وظواهر القرآن والسنة.

ماذا عن طريقة المدرسة الإشراقية في تحصيل رؤيتها الكونية؟ نقرر: إنه منهج الجمع بين البرهان والعرفان.

ماذا كان منهج مدرسة الحكمة المتعالية في تحصيل واستكشاف الحقائق؟ نجيب: إنه منهج الجمع بين البرهان والعرفان والقرآن.

بتعدد المناهج تتعدد الرؤى

إذن بتعدد مناهج تحصيل الرؤية الكونية، تتعدد الرؤى الكونية وتختلف من مدرسة إلى أخرى.

تحصيل الرؤية الكونية المشائية، هو غيره في تحصيل الرؤية الكلامية، ومختلف عن تحصيل الرؤية الإشراقية، ومباين لرؤية الحكمة المتعالية.

هذا في المقام الأول للبحث، مقام استكشاف وتحصيل الرؤية الكونية، وعلى ذلك نجد مناهجَ متعددةً لتحصيل الرؤية الكونية.

فهل نجد مناهج متعددة في إيصال الرؤية الكونية إلى الغير؟

اقرأ أيضاً: الجزء الأول من المقال

اقرأ أيضاً: العقل والدَلَالة

المقام الثاني للبحث: مقام الإثبات:

مدارس الفلسفة الإسلامية

المنهج العقلي لإثبات الرؤية الكونية

أما عن المقام الثاني للبحث، أي مقام إثبات الرؤية الكونية الخاصة بكل مدرسة فلسفية، فلا نجد إلا منهجًا واحدًا ووحيدًا تتبعه جميعُ هذه المدارس الفكرية الفلسفية، ألا وهو منهج الاستدلال العقلي، ومنهج المحاجة العقلية، على اختلاف في درجة تطبيقه.

عندما تريد المدرسة المشائية إثبات مدعيات رؤيتها الكونية للغير والتي اكتشفتها في المقام الأول من البحث، فمنهجها هو المنهج العقلي.

نفس الأمر عندما تريد المدرسة الكلامية، أو العرفانية، أو الإشراقية، أو مدرسة الحكمة المتعالية، إثبات مدعيات رؤاها الكلية في البحث، التي توصلت إليها هذه المدارس، في المقام الأول، فليس أمامها إلا المنهج العقلي في إثبات هذه المدعيات أمام الآخرين.

هل العقل الإنساني قاصر عن إدراك الحقائق؟

إن المدرسة العرفانية الصوفية تعتبر مدرسةً فلسفيةً، رغم أن منهجها في تحصيل رؤيتها الكونية هو منهج الإلهام، أو النور الذي يلقيه الله في قلب العارف، لأنها عندما تريد أن تقنعنا بأن العقل قاصر عن إدراك الحقائق، وأن الإلهام هو السبيل الوحيد، فإنها تستخدم منهجَ الاستدلال العقلي.

أي تستخدم العقل لإثبات قصور العقل وأن الإلهام هو الأساس! وهكذا تفعل كل المدارس!

على ذلك اعتبرنا هذه المدارس مدارس فلسفية وأدخلناها ضمن مدارس الفلسفة.

مدارس الفكر الإسلامي الخمسة

من ثم فرغم اختلاف مناهج المدارس في المقام الأول من البحث: مقام الثبوت، إلا أنها تتفق جميعها في منهج المقام الثاني من البحث: مقام الإثبات.

بالنظر إلى المقام الأول قسمنا المدارس الإسلامية إلى مشائية وكلامية وعرفانية وإشراقية وحكمة متعالية.

بالنظر إلى المقام الثاني قلنا أنها جميعًا مدارس فلسفية، وتمثل في مجموعها ما نسميه الفلسفة الإسلامية.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نبدأ رحلتنا مع أولى مدارس الفلسفة الإسلامية الخمسة: المدرسة المشائية.

اقرأ أيضاً: سلسلة شرح الفلسفة السياسية

تعرف على: الفرق بين التنوير الحداثي والتنوير الصوفي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج