مقالات

أهم وأخطر المسؤوليات في الوقت الراهن .. الجزء الأول

في مقابل اعتقاد الكثير من الناس إن على كل فرد في هذا الوجود مسؤوليات وواجبات نابعة من كونه إنسان وليس حيوان، إلا أنه قد ظهر كمقابل لهذا الاعتقاد الفكري اعتقاد مقابل له في العقود الأخيرة ترى من الاعتقاد بأن الانسان مسؤول ومكلف

أن هذه النظرة أصبحت رجعية متخلفة لابد من طرحها جانباً، وأن الفرد في هذا الزمن كل ما عليه هو الحصول على حقوقه ومتطلباته سواء من العالم وحتى من خالق العالم.

وبالرغم من تأكيد كل الأديان والعقل والوجود على سلامة الاعتقاد القائل بأن الإنسان عليه مسؤوليات وواجبات وأيضا له حقوق فليس بغريب أن نجد أصحاب الاعتقاد الاخر الذي يرى أن له حقوق فقط.

كيف نقف من الحضارة الغربية المعاصرة وأفكارها؟

لقد سيطر فكر الحضارة الغربية الذي ساد العالم شرقا وغربا، فهو فكر لا يؤمن إلا باللذة والمنفعة المادية فقط وأحادية الإنسان بجانبه المادي كما يؤكد على محورية الإنسان في تحديد كل شيء من ما يجب أن يكون،

بل حتى تحديد الصواب والخطأ من منظور كل شخص على حسب رغباته ومنفعته الشخصية، وليس المقام هنا للشرح والنقد حول بشاعة وخطورة هذا الفكر على الفرد والمجتمع،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويمكن لمن يريد الاطلاع حول منهجية هذا الفكر  وافكار حول الإنسان والعالم والخرافات التي طرحها حول الوجود والنظم والفلسفات والشعارات التي تبناها، يمكن لم يرغب تصفح موقع أكاديمية بالعقل نبدأ (https://mashroo3na.com/)

حيث يوجد بها كم كافي من المقالات والأبحاث حول تلك الموضوعات بصفة عامة وخطر الفكر المادي الغربي بصفة خاصة

مسؤولية النخب الفكرية والثقافية

وبالرجوع إلى المسؤولية وبالتحديد مسؤولية النخب الفكرية والثقافية في الوقت الراهن، نجد أنها من أهم وأخطر المسؤوليات وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر، أنهم بما يمتلكون من مواهب في المجالات المختلفة سواء التربوية منها أو التثقيفية مرورا بالفنية والأدبية فلولا تلك المواهب ما كانوا من النخب،

والجانب الاخر هو التأثير الذي يتركه النخب في عقول ووجدان الشعوب فهم  يتحملون مسؤولية الأفكار وتوجيه الرأي العام والرد على الشبهات ونقد الأفكار والسلوكيات الشاذة في المجتمع، كذلك قدرة النخب على رصد المشكلات التي يعاني منها المجتمع وقدرتهم على معرفة الأسباب الحقيقية لكل مشكلة ورسم خطوط الحل ووضع خطط التنفيذ.

ومن الأسباب الهامة التي تجعل المسؤولية كبيرة خصوصا في الجانب الثقافي هو زيادة خطر الفكر الوافد لمجتمعاتنا بما يحمله من  أفكار وسلوكيات هدامة  لأي مجتمع، فما نشهده اليوم من هجمات متتالية على قيم الأسرة والعفة والعزة والشرف،

كذلك إشاعة نمط البلطجة وهتك الحرمات والتجسس واندثار ثقافة الحوار البناء وغياب الهوية الخاصة بنا بما تحمله من خصوصية حضارية، كل ذلك وأكثر ليس مجرد تبادل ثقافي بل هو غزو ثقافي واضح يستهدف كل قيم وثوابت المجتمع،

والتي تستوجب سرعة المواجهة بعد الوعي الكافي بتلك الهجمات ولو تأخرت هذه المواجهة قد نصل لمرحلة الطمس الكامل للهوية ونصل بسرعة كبيرة جدا لمرحلة التحول الثقافي الكامل.

مظاهر الانحراف الفكري والأخلاقي

الحضارة الغربية المعاصرة

إن الفساد الأخلاقي في هذا الزمن ليس له مثيل فقد وصل الحال لحد نقد الأخلاق نفسها ووسم أصحاب الفضائل الأخلاقية بالرجعية والتخلف وأنهم سبب في تأخر التقدم والتنمية، ولم يسلم الجانب الفكري أيضا من هذا الفساد

فما نشاهده اليوم من شبهات غريبة ومنحرفة لم يخطر على عقل أحد أن يوما ما يمكن أن يطرح هكذا شبهات فقد وصول الأمر من السوء بحيث لو قال شخص أني على يقين بحقيقة معينة ثابتة لا تتغير بتغير ظروف الزمان والمكان

مثل وجود خالق ومدبر لهذا الكون أو أن الإنسان يجب أن يلتزم بمسؤوليات معينة في سبيل تحقيق حياة كريمة له ولمجتمعه أو رفض فعل شاذ قالوا له أنك أحمق وعديم الفهم وغير متحضر.

وأصبحت مقولة كل شيء نسبي قاعدة وحقيقة بالرغم من أنها تحمل في نفسها بطلانها، كما صار الشك هو قمة العلم والتشكيك هو نهاية مطاف  وعي (المثقف).

سنحاول في تلك السلسلة من المقالات رسم وتحديد الصعوبات التي تقع على عاتق المثقف وسط هذا الكم الهائل من وسائل الانحراف الفكري والأخلاقي.

قد يظن البعض أن الاعتقاد بسيادة العدل وانتشار الأخلاق بين الناس قد انتهى بسبب ازدياد أسباب الانحراف، الذي عم العالم ولم يعد باليد أي وسيلة.

وهنا يجب التأكيد على أن هذا توهم خاطئ.

اقرأ أيضاً:

المسئولية المجتمعية ونشأتها في الفكر الوضعي

الهيمنة المادية

السياسة والرقص بالكلمات!

دور العلماء والمفكرين في المجتمع

حاشا لله أن يخلق هذا العالم البديع والمتقن لتكامل الإنسان، ثم يترك إدارته لعدة من المفسدين، فكلما ازدادت وسائل وأدوات القبح وجدت أدوات ووسائل جديدة لمواجهة هذا القبح لم تكن موجودة في أي عصر سابق.

بالحديث عن المسؤولية التي يجب أن يتسم بها غالبية الناس، إلا أن الجانب الأكبر يقع على العلماء والمفكرين دون شك، فبالنظر للجوانب المختلفة من حياة البشر سواء الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية كانت بداية الأفكار التي ساهمت في تغيير حياة البشرية هي فكر شخصي لفرد اتسع لديه هذا الفكر شيئا فشيئا حتى ينتهي لإحداث تحول كبير.

سمات هؤلاء الأشخاص هي التفكير والتأمل وتحمل المسؤولية تجاه مجتمعاتهم الخاصة أو المجتمع والإنسان بصفة عامة، وهنا يجب الانتباه أنه ليس بالضرورة أن تكون مساهمات العلماء والمفكرين إيجابية،

قد شهد العالم أجمع من الحضارة الغربية وعلمائها الكثير من المساهمات السلبية على مستوى الفكر والتطبيق، والتي كان لها التأثير المدمر حتى وقتنا الحاضر.

سلبيات الفلسفة البراجماتية

الحضارة الغربية المعاصرةفعلى سبيل المثال ، تشارلز ساندرس بيرس ” 1839 ـ 1914 “م هو مؤسس الذرائعية، وأول من ابتكر كلمة البراجماتية في الفلسفة المعاصرة، وأول من استخدم هذا اللفظ عام 1878 وذلك في مقال نشره -في عدد يناير من تلك السنة- بإحدى المجلات العلمية تحت عنوان «كيف نوضح أفكارنا» وفي هذا المقال،

يذهب بيرس إلى أن نحدد السلوك الذي يمكن أن ينتج عنها، فليس السلوك بالنسبة لنا سوى المعنى الوحيد الذي يمكن أن يكون لها. هو صاحب فكرة وضع «العمل» مبدأ مطلقًا؛ في مثل قوله : “إن تصورنا لموضوع ماهو إلا تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر”

تعتبر البراجماتية الكلمات والفكر كأدوات وأدوات للتنبؤ وحل المشكلات والعمل، وترفض فكرة أن وظيفة الفكر هي وصف الواقع أو تمثيله أو عكسه. يؤكد البراغماتيون أن معظم الموضوعات الفلسفية -مثل طبيعة المعرفة، اللغة، المفاهيم، المعنى، المعتقد والعلوم- يُنظر إليها على أفضل وجه من حيث استخداماتها العملية ونجاحاتها.

وبناء على هذا الفكر على الأرجح تأسست “الغاية تبرر الوسيلة”، وهو ما فتح الباب للتلاعب والغش والخداع، ورفض القيم والمبادئ الأخلاقية لأنها لا تحقق المصلحة الشخصية للفرد، فالكذب مباح والخداع مباح طالما سيحقق لصاحبة نفع.

هل للأخلاق أصول داروينية؟

كذلك نظرية داروين والتي تدور حول عدة أفكار وافتراضات، حيث  تفترض النظرية تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة والتعقيد، تتدرج هذه الكائنات من الأحط إلى الأرقى،

كانت نظرية داروين إيذاناً لميلاد نظرية فرويد في التحليل النفسي، ونظرية برجسون في الروحية الحديثة، ونظرية سارتر في الوجودية، ونظرية ماركس في المادية، وقد استفادت هذه النظريات جميعاً من الأساس الذي وضعه داروين واعتمدت عليه في منطلقاتها وتفسيراتها للإنسان والحياة والسلوك.

فقد استمد فرويد من نظرية داروين حيوانية الإنسان؛ فالإنسان عنده حيوان جنسي، لا يملك إلا الانصياع لأوامر الغريزة وإلا وقع فريسة الكبت المدمر للأعصاب، وما ترتبط على تلك النظرة فيما نشهده اليوم من إباحية وشذوذ والكثير الكثير من الانحرافات النفسية والسلوكية.

كما  استمد “دوركايم” من نظرية داروين حيوانية الإنسان وماديته وجمع بينهما بنظرية العقل الجمعي.

واستفاد “برتراند راسل” من ذلك بتفسيره لتطور الأخلاق الذي تطور عنده من المحرم (التابو) إلى أخلاق الطاعة الإلهية ومن ثم إلى أخلاق المجتمع العلمي.

والتطور عند “فرويد” أصبح مفسِّراً للدين تفسيراً جنسيًّا: “الدين هو الشعور بالندم من قتل الأولاد لأبيهم الذي حرمهم من الاستمتاع بأمهم ثم صار عبادة للأب، ثم عبادة الطوطم، ثم عبادة القوى الخفية في صورة الدين السماوي، وكل الأدوار تنبع وترتكز على عقدة أوديب”

إيجابيات الحضارة الغربية

وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم وجود إسهامات إيجابية؛ بل هناك الكثير منها فعلى سبيل المثال، اختراع “يوهان غوتنبرغ” المعرفة بين عموم الناس كما لم يفعل اختراع آخر قبل الإنترنت، وكان هذا الاختراع هو آلة الطباعة،

طور “غوتنبرغ” طابعات قديمة باستعماله قالبًا يسمح بإنتاج سريع لقطع من سبائك الرصاص، نحو سنة 1440 في مدينة ماينتس بألمانيا، فسمحت طريقة خط التجميع الخاصة بنسخ الكتب هذه لطابعة واحدة بإنتاج ما يصل إلى 3600 صفحة يوميًا،

وبحلول سنة 1500 وُجدت أكثر من 1000 طابعة من طابعات “غوتنبرغ” تعمل في أوروبا، وبعد قرن واحد وصل إنتاجها إلى أكثر من 200 مليون كتاب جديد.

جهود عدد من المخترعين مثل وارين ديلا رو وجوزيف ويلسون سوان وتوماس ألفا أديسون، وقد اختُرِع في أوائل ذلك القرن على يد همفري ديفي (ما الذي تم اختراعه؟) حين صنع مصباح القوس الكربوني..

نال أديسون وسوان براءتي اختراع المصابيح الكهربائية طويلة الأمد عامي 1879 و1880، فحررا المجتمع من اعتماده شبه الكامل على ضوء الشمس، واستعمل الناس المصابيح الكهربائية في كل شيء من إنارة البيوت والشوارع إلى صناعة المصابيح اليدوية  ومصابيح السيارات.

ما نريد التأكيد عليه هو إمكانية أن يُحدث شخص واحد تحولات كبيرة جدا على المستوى العالمي إيجابيا أو سلبيا، وهذا ما يوضح ثقل وأهمية  المسؤولية.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا