مقالات

المسئولية المجتمعية ونشأتها في الفكر الوضعي

مصطلح “المسئولية المجتمعية”

إذا أردنا تتبع مصطلح “المسئولية المجتمعية” في الفكر الوضعي المعاصر فسنجد أن المصطلح قد ورد لأول مرة في الفكر الوضعي في عام (1923) م، حينما أشار “أوليفر شيلدون” (*) إلى: “أن مسئولية الإدارة مسئولية مجتمعية إنسانية ناتجة من رقابتها على البشر، وليس من تطبيقها للطرق الفنية في العمل، وبالتالي فإن للإدارة مسئوليتان: مسئولية أمام العنصر الإنساني في الصناعة؛ أي تجاه العاملين، ومسئولية أمام العنصر الإنساني الذي تخدمه الصناعة؛ أي مسئولية تجاه المجتمع.

مراحل تطور المصطلح

ثم تطور المصطلح تباعا من خلال أربع مراحل أساسية:

أولهم:

خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وركزت تلك المرحلة على الالتزام الأخلاقي والاجتماعي للمشروع التجاري، وظهر ذلك جليا في العديد من الأعمال العلمية، منها كتاب “بوين” Bowen عام (1953) عن: “المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال”، والذي أكد فيه على أن “المسئولية المجتمعية” هي التزام من قِبل رجال الأعمال للتصرف وفق أهداف وقيم المجتمع، حيث تم طرح “المسئولية المجتمعية” كإجراء مكمل وتصحيحي لبعض حالات الفشل الاجتماعي في الاقتصاد الحر.

 أما المرحلة الثانية

فكانت في فترة السبعينيات، وتركزت حول المصلحة الذاتية المستنيرة أو الواعية لمنظمات الأعمال، وكان من بين الأعمال العلمية التي قُدمت في تلك الفترة، والتي تعكس توجهات تلك المرحلة، المؤتمر العلمي الذي عُقد في جامعة “كاليفورنيا” عام (1972)  تحت عنوان: “المسئولية الاجتماعية والبيئية للمؤسسات”، والذي ركز على ضرورة إلزام كافة المؤسسات برعاية الجوانب الاجتماعية للبيئة، والمساهمة في التنمية الاجتماعية، والتخلي عن فلسفة تعظيم الربح كهدف وحيد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المرحلة الثالثة

وبدأت المرحلة الثالثة في بداية الثمانينيات، حيث أصبحت العلاقة بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لمنظمات الأعمال أقوى من خلال نموذج الأداء الاجتماعي لمنظمات الأعمال، وهذا النموذج مثل الموضوع المهيمن على هذه الفترة، حينما قدم “كارول” Carroll عام (1979) في دراسته نموذجا متعدد الأبعاد اقترح فيه نموذجا يوضح التكامل بين أربعة أنواع من المسئوليات للمنظمة في إطار “تحقيق مسئوليتها المجتمعية”، هم : المسئولية الاقتصادية، والمسئولية الأخلاقية، والمسئولية القانونية، والمسئولية الاختيارية.

المرحلة الرابعة

وتعتبر المرحلة الرابعة أحدث تصور لمفهوم “المسئولية المجتمعية”؛ لأنها تتطرق إلى المسئولية المجتمعية الاستراتيجية، التي تهدف إلى توليد عوائد من وراء المسئولية المجتمعية بعيدة المدى تخدم الأجيال القادمة، من خلال المقارنة بين القدرات والإمكانيات الداخلية للمنظمة أو الهيئة أو الشركة والفرص الخارجية المحيطة ببيئة المنظمة.

وبعد القراءة المتأنية يمكننا أن نستنتج أن “المسؤولية المجتمعية” في الفكر الوضعي المعاصر هي محاولة للالتفاف حول صورة الشركة و تحسينها وجعلها خيرة وإنسانية، وهذا من باب السعي إلى الربح من دون أي عراقيل، فهي نظرة نسبية ومتغيرة، وهي متجذرة في الملاحظة التجريبية، والنظريات البنائية المرتبطة بها، فهي إذن نظرة مادية أكثر منها أخلاقية.

**********************

(*) يُعد “شيلدون” من الرواد البريطانيين الذين أسهموا بدرجة كبيرة في بلورة وتوضيح علم الإدارة، وإرساء قواعده وأسسه، حيث نشر في عام 1923 كتابه بعنوان فلسفة الإدارة The Philosophy of Management حاول من خلاله تكوين نظرية عامة للإدارة، تضمن فيه الحديث لأول مرة عن “المسئولية المجتمعية”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

عندما تتخذ المجتمعات قرارات كارثية

 الإنسان وعلاقته بالمجتمع

الصراع الاجتماعي بين جدلية الاقصاء وحتمية التعايش

د. أحمد محيي خلف

مدرس التخطيط الاجتماعي والتنمية – قسم علم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة المنيا

مقالات ذات صلة