مفهوم المغالطات المنطقية، أنواعها، كيف تكشفها؟
هل تصدق أنك يوميًا تتعرض لكم كبير من الأفكار الخاطئة دون أن تشعر؟ سواء من تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي، أو مشاهدتك لبرامج التلفاز واستماعك لإذاعة الراديو، وأثناء قراءتك لجريدة الأخبار.
وربما كذلك أثناء بحثك عن معلومات تحتاجها في الكتب. أي أن عقلك قد يكون الآن حاملًا لعدد لا يستهان به من الأفكار المغلوطة التي تؤثر في سلوكك وقراراتك اليومية والمصيرية!
الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق هو فتح آفاقك لموضوع هام جدًا وهو المغالطات المنطقية. نجاتك وسعادتك متوقفة بشكل كبير على مدى مهاراتك في كشف تلك المغالطات ومواجهتها.
مفهوم المغالطات المنطقية.. ما معناها؟
المغالطة في اللغة هي اسم من الفعل “غالط”، ومعناها الاستدلال الزائف. و”غَلِطَ” فعل بمعنى أخطأ وانحرف عن الصواب.
وفي علم المنطق هي القياس المؤلف من مقدمات وهمية أو شبيهة باليقينيات والمشهورات، ولذلك يطلق عليها “الحكمة المموهة”؛ حكمة لأنها تشبه البرهانيات، ومموهة لأنها مغشوشة غير حقيقية.
وهي من أهم التطبيقات للمنطق العملي أو المنطق غير الصوري. أي أن المغالطة المنطقية تعبر عن الحُجة الباطلة والدليل غير السليم.
مثال على المغالطات المنطقية
هذا الرجل يتحدث بهدوء، وكل من يتحدث بهدوء فهو على حق، ونستنتج من ذلك أن هذا الرجل على حق فيما يقول.
هنا النتيجة أن الرجل يقول الحق، مستدلة من المقدمتان: هذا الرجل يتحدث بهدوء، وكل من يتحدث بهدوء فهو على حق.
وبالتأمل في المقدمتان نجد أن المقدمة الثانية تشبه الحقيقة ولكنها ليست كذلك، لأن قول الحقيقة لا يعني الارتباط اللازم بهدوء النبرة، فقد يتحدث الشخص بانفعال نتيجة طبيعته الانفعالية أو عدم تحكمه في انفعالاته برغم أنه يقول الحق.
وقد يتحدث شخص آخر بالباطل والكذب وهو هادئ البال والحديث، والعكس كذلك قد يكون صحيحا. هذه المقدمة مستوحاة من الفكرة المشهورة أن الصوت العالي يدل على ضعف الموقف والحجة، وهذه الفكرة هي برغم شيوعها ليست يقينية 100%.
إذًا المغالطة هي الخلوص بنتائج غير سليمة منطقيا لاستنادها إلى مقدمات وهمية تشبه الحقيقة ولكنها ليست بحقيقة.
أهمية دراسة المغالطات المنطقية والتعرف عليها
هناك بعض الآراء التي تؤيد الانشغال بدراسة قواعد الحجج السليمة بدلا من الانشغال بحصر وفهم الأخطاء ودراسة الانحرافات والمغالطات التي قد لا توجد نهاية لها، والحقيقة أنه لا غنى عن دراسة كليهما.
فدراسة القواعد المنطقية وأسس الاستدلال السليم هي الخطوة الأولى والأساسية ولكنها غير كافية لسرعة انتباه العقل للأخطاء، وبالتالي احتمالية أكبر للوقوع فيها وبسهولة.
فمن الأصوب بعد دراسة الأسس السليمة للاستدلال وتكوين الحجج، التوجه إلى دراسة الانحرافات والمغالطات المنطقية لتدريب العقل على كشفها والتعامل معها لدحضها، بل والاستعداد لها والوقاية منها قبل أن تحدث.
كشف المغالطات المنطقية في الحياة العامة
وإذا أسقطنا ذلك على الحياة العامة، نجد أن الانتباه لوجود مثل تلك المغالطات هو أمر ضروري لحماية العقل من الضلال، وخصوصا في الأمور المصيرية كالأسئلة الوجودية والقرارات الناجم عنها آثار وعواقب كبيرة.
فعندما نتعرض لأحد الخطباء في الإعلام أو الاقتصاد أو السياسة أو الدين، نجد أن مساحة الانجراف إلى الخطأ كبيرة إن لم يتم الحكم على منطقية ما نسمع.
فهناك عدد هائل من الأفلام والمسلسلات والإعلانات التجارية والخطابات التسويقية، كذلك المناظرات والبرامج الحوارية والنقاشية، والخطب الدينية والسياسية،
بل وحتى المحاضرات التعليمية أحيانا، كل ذلك يحمل في طياته الكثير من المغالطات الخطيرة. كيف للمرء أن يسلم إن لم يلتفت إلى مثل تلك السموم التي قد تُحقن داخله بسلاسة دون أن يشعر؟
اقرأ أيضاً:
المغالطات المنطقية فى الحياة العملية
طريقة التمييز بين الحقيقة والكذب
أنواع المغالطات المنطقية وأشهرها
هناك العديد من أشكال المغالطات المنطقية التي نتعرض لها كل يوم في حياتنا، لكننا لا ندركها، لذلك سنوضح لك خلال السطور القادمة، أشهر أنواع المغالطات المنطقية، لتتمكن من تمييزها بسهولة.
مغالطات مرتبطة باللغة أو الأسلوب
مغالطة التحريف:
تعتمد على إحداث تحريف في الكلمات المستخدمة لتغيير معانيها بما يخدم أهداف المغالط، كأن يغير في حركات الكلام والحروف أو التشكيل ليجر الكلمة إلى مدلول ومعنى آخر، مثال على ذلك أن يغير المغالط تشكيل حرف ما في كلمة لينسبها إلى مصدر كلمة لغوية ذات معنى آخر.
مغالطة الألفاظ الملغومة:
تعتمد على استخدام ألفاظ ذات مدلولات مختلفة ومعانٍ متعددة لخدمة المقصد الذي يريد تحقيقه، مثال على ذلك استخدام كلمات مثل الحرية والديموقراطية في إطار يخدم قضيته دون تفنيد لمنطقية وحجة الطرح.
مغالطة السؤال الملغوم:
تعتمد على استخدام صيغة سؤال يتضمن اتهامًا غير مبرر، ويمكن تركيب أكثر من سؤال موجه لمرة واحدة لتعقيد المهمة على الخصم وإحراجه وتوريطه في الاعتراف ضمنيا بالاتهام الموجه له،
مثال على ذلك أن يوجه المغالط سؤال “هل توقفت عن السرقة بعد قبولك في الوظيفة الجديدة؟”، أو “هل استبحت سرقة أموال قبل ذلك؟ وفي حالة استباحتك فهل كانت أموال كبيرة أم بسيطة؟
ولو فعلت ذلك فمتى كانت آخر مرة؟ ومتى توقفت عن ذلك؟ وهل قبولك بالوظيفة هو السبب وراء توقفك عن السرقة؟”.
مغالطات مرتبطة بخلل في الحجة المنطقية
مغالطة المصادرة على المطلوب:
تعتمد على إدراج النتيجة التي يريد المغالط إثباتها في المقدمة نفسها دون برهنة، ثم يعيد صياغتها في النتيجة ليوهم الخصم أنها معلومة نتجت من التسليم بالمقدمات،
مثال على ذلك أن يقول المغالط أن الشركة أ تخصم من مرتبات موظفيها، والخصم من المرتب ظلم، فإذًا هذه الشركة ظالمة. هنا (الخصم من المرتب ظلم) مقدمة تم إدراجها تحمل مضمون النتيجة المراد إثباتها دون برهنة حقيقية لها، فليس كل خصم يعد ظلمًا للموظف.
مغالطة الاستدلال الدائري:
تعتمد على الدور المنطقي، وهو توقف المقدمة المطروحة على النتيجة، وتوقف النتيجة على المقدمة، مما يخلق دائرة مفرغة باطلة لا تنشئ حجة سليمة، مثال على ذلك أن يقول الشخص أ صادق لأنه ينكر بأقواله أنه كاذب.
مغالطة الاحتكام إلى النتيجة:
تعتمد على محاولة إثبات أو إضعاف الحجة بناءً على نتيجة ما، دون النظر إلى أساس الحجة نفسها. مثال على ذلك إنكار منع التطبيع مع الكيان الصهيوني لأن التعاملات التجارية والاقتصادية معهم ستتأثر بالسلب، هنا الحكم على قضية “التطبيع” بناءً على ما ستؤول إليه من نتائج مادية هو خطأ ومغالطة.
مغالطة المنزلق الحدر:
تعتمد على نفس الفكرة السابقة من الاحتكام إلى النتيجة، ولكن يزيد عليها أن الاحتكام يتم عبر سلسلة من الأحداث التي تثير انفعال الآخر وتوجيهه نحو الإقناع المطلوب.
مغالطة العلة الزائفة:
تعتمد على ربط القضية بعلة غير صحيحة للوصول إلى نتيجة خاطئة، ويتم الربط بطرق مختلفة:
- خلط السببية بالمصادفة، وهو استغلال تصادف حدث ما مع حدث آخر دون أي علاقة سببية بينهما.
- المغالطة البعدية وهو ربط حدث ما تم بعد حدث آخر لاستغلاله في الوصول إلى النتيجة التي تخدم هدف المغالط.
- إغفال أسباب أخرى مشتركة بهدف إحكام الهدف الذي يريد تحقيقه المغالط.
مغالطة إثبات التالي:
تعتمد على إثبات تحقق التالي (وهو ما يلزم عن الشرط في القضية الشرطية) لاستنتاج صحة الشرط. مثال على ذلك إن غاب الموظف عن عمله دون عذر فسيتم عقابه بالطرد، وبما أن الشركة عاقبت الموظف أ بالطرد إذًا فإنه غاب دون عذر.
الشرط هنا هو الغياب دون عذر، والتالي هو الطرد من الشركة، فكيف تم اعتبار الموظف أ غائبا دون عذر لأن الشركة طردته؟
مغالطة إنكار المقدم:
تعتمد على إنكار الشرط ليتم على إثرها نفي التالي (وهو ما يلزم عن الشرط كما أوضحنا)، وهذا باطل لأن القضية الشرطية تؤدي إلى إثبات التالي ولكن ليس بالضرورة نفيه.
مثال على ذلك لو اختار شاب مجال دراسة مناسب لقدراته، سينجح ويتفوق في مستقبله، هنا إن أنكرنا الشرط أي أن الشاب لم يختر مجال دراسة مناسب له، فليس بالضرورة معناه فشله في مستقبله.
مغالطات مرتبطة بإثارة المشاعر أو الإلهاء
مغالطة تجاهل القضية:
وهي محاولة التهرب من القضية الأساسية والقفز إلى إثبات قضية أخرى. مثال على ذلك أن يعترض الطلاب على وجود بعض النقاط خارج المنهج في الاختبار، فيجيب المعلم بمحاولة لإثبات استهتارهم بالمذاكرة وحضور الحصص الدراسية.
مغالطة سمكة الرنكة الحمراء:
وهي محاولة صرف اهتمام الخصم عن القضية الأساسية وتوجيهه للحديث عن قضية أخرى لإثارة مشاعره وإلهائه، فهو هنا لا يسعى لإثبات قضية أخرى بل هو يشتت الانتباه للتأثير العاطفي والتشويش.
كأن يرد المعلم هنا على اعتراض الطلاب السابق بأن هذا الأمر حدث في سنوات سابقة ولم يعترض أحد وأنكم بذلك تريدون إثارة البلبلة في المدرسة.
مغالطة التفسير بالتسمية:
تحدث عندما يختزل المغالط جوهر الموضوع أو أسباب المشكلة في كلمة أو عبارة مبهمة لا توضح التفاصيل. مثال على ذلك عدم توضيح أسباب فشل شركة ما في الإعلان عن المشاريع الجديدة والاكتفاء بأنها “خطة استراتيجية”.
المغالطة البهلوانية (مغالطة رجل القش):
وهي الحياد عن جوهر القضية الأساسية بقضايا فرعية أو جزئية لا يصح تعميمها. مثال على ذلك مهاجمة الرئيس الأمريكي السابق ليندون جونسون منافسه في الحملة الانتخابية عام 1964 بقوله:”إن التصويت لصالح غولد ووتر هو تصويت للحرب النووية”، وهنا تم الحياد عن جوهر القضية والتركيز على قضية واحدة ومنفردة.
مغالطة الشخصنة:
وهي الطعن في الشخص بدلا من القضية نفسها، وهي من أشهر أنواع المغالطات. مثال على ذلك:
- استخدام التشهيير والسب والتشنيع في الخصم مستغلا تاريخه أو أخطاءه أو زلاته.
- انتمائه لفئة بعينها أو جماعة سياسية أو دينية أو طبقة اجتماعية أو أيدلوجية.
- التحجج أن الخصم لا يلتزم بما يحاول إثباته، وهي مغالطة لأن خطأ الخصم وعدم التزامه بالصواب لا يعني أن القضية نفسها خاطئة.
مغالطة الاحتكام إلى الاشمئزاز:
يقوم المغالط هنا بربط القضية التي يريد إضعافها بأمور تثير الاشمئزاز والنفور، فيلعب بذلك على إثارة المشاعر والتوجيه اللا شعوري بدلا من طرح حجج منطقية.
مغالطة الاحتكام إلى الشفقة:
تتم في حالة استخدام المغالط لوسيلة استدرار العاطفة لإثبات أو نفي قضية ما. وبرغم أن التعاطف قد يكون مقبولا من الجهة الإنسانية والأخلاقية إلا أنه لا يعتبر حجة منطقية تساهم في إثبات أو نفي عقلي للقضية نفسها.
مغالطة الاحتكام إلى القوة (التهديد):
يلجأ هنا المغالط إلى التهديد وإثارة مشاعر الخوف لدى الخصم، دون تقديم أدلة منطقية وحجج برهانية تخص القضية. مثال على ذلك استخدام لغة التهديد بالضرب أو السلاح لإجبار الخصم على الاستسلام لما يريده المغالط.
مغالطة التماس المديح:
تعتمد على مدح الخصم بهدف إحراجه وتوجيهه لا شعوريًا إلى ما يريده المغالط.
مغالطات مرتبطة بطبيعة المصدر
مغالطة الاحتكام إلى السلطة:
تقع عندما يتم إثبات قضية ما بناءً على صدورها من سلطة ما تقع خارج اختصاصها، أو تكون سلطة مجهولة مثل (خبراء سياسيين – اقتصاديين – ..)، أو سلطة منحازة وغير محايدة، وهكذا.
مغالطة الاحتكام إلى سلطة الآباء والتقاليد:
تقع عندما يتم إثبات أو نفي قضية ما بناءً على الأعراف والتقاليد، أي أن كل ما هو ضمن التقاليد والموروث المجتمعي فهو سليم، وكل ما هو خارجها خطأ.
مغالطة التجريم بالتبعية:
تحدث عندما يتم نفي قضية أو الحكم أنها باطلة لأنها مؤيدة من قبل إحدى الجهات. وهنا ينبغي لفت النظر إلى أن قراءة موقف بعض الجهات قد يكون مفيدا ولكن غير كافٍ على مستوى الحجج والأدلة العقلية المقدمة لإثبات القضية نفسها نظريا بغض النظر عن تأييد جهة ما لها.
مغالطة المنشأ:
وهي نفي أو إثبات قضية ما اعتمادا على مصدرها. لا أحد ينكر أهمية تصديق أمر ما بناءً على مصداقية مصدره، ولكن الأخبار الجزئية والحوادث مثل نشوب حريق أو حادثة قتل تختلف عن الأمور العقلية التي تتطلب أدلة برهانية تثبت صحة أو خطأ الفكرة نفسها بغض النظر عن قائلها أو ناقلها.
مغالطة الاحتكام إلى الحداثة:
تتم عندما يربط المغالط صحة أو خطأ قضية ما بمدى قِدمها أو حداثتها. مثال على ذلك أن ينكر المغالط قضية فكرية ما لمجرد انتمائها ونشوئها في القرون الوسطى.
مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية:
وهي إثبات أو نفي قضية ما بناءً على رأي الأكثرية والأغلبية من الناس، وهنا الخطأ واضح فصحة أو خطأ فكرة ما لا علاقة لها بعدد مؤيديها.
مغالطات مرتبطة بأنماط خاطئة في التفكير
مغالطة التعميم:
تعتمد على الاستقراء، وهو الخروج بنتائج عامة بناءً على مواقف جزئية دون دليل يؤيد هذا التعميم. مثال على ذلك الخلوص أن ظاهرة العنف مرتبطة بالفقر لأن بعض الدارسين قاموا بعمل إحصائية لـ 500 شخص يعاني من العنف ووجدوا أن معظمهم من الفقراء. مثال آخر أن يتم تعميم أن جميع المسيحيين ماديين لأن بعض رجال الأعمال المسيحيين ماديين.
مغالطة الحلول الكاملة:
تعتمد على رفض حل ما للمشكلة المراد علاجها لأن الحل غير كامل، وهنا تعتبر مغالطة لأن الحل الذي يخفف من حدة المشكلة أفضل من لا شيء، وقد يكون هو الحل الوحيد الميسر في وقتها.
مغالطة الأبيض والأسود:
تعتمد على وضع خيارين لا ثالث لهما أمام الخصم، برغم وجود خيارات أخرى تم تجاهلها بقصد إحراجه أو حصاره للتسليم بما يريد أن يصل إليه المغالط. مثال على ذلك قول الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن قبل غزو أفغانستان عام 2001: “من لم يكن معنا فهو ضدنا”، ويسمى ذلك في المنطق بالثنائية الفكرية.
مغالطة الاحتكام إلى الجهل:
تتم عندما يستغل المغالط جهل الخصم وعدم قدرته على تقديم أدلة لنفي أو إثبات القضية المطروحة، فيدعي أن القضية صحيحة لأن الخصم لم يبرهن على خطئها والعكس كذلك.
فن التعامل مع المغالطات المنطقية
بعد الاطلاع على مفهوم المغالطات المنطقية، وأشهر أنواعها وأشكالها التي تواجهنا يوميًا في مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التلفاز وحتى في محدثاتنا اليومية، يمكننا إدراك مدى خطورتها على تشكيل الوعي والعقول والنفوس،
وتوجيه الهمم والسلوكيات والقرارات. ولا يخفى على من قرأ التاريخ واكتشف أن حضارات كاملة بنيت أو هدمت بواسطة مجموعة من المغالطين، فما هو الحل؟
يكمن الحل في تعلم فن التعامل مع المغالطات المنطقية سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية:
تأسيس الوعي المنطقي بالقدر الذي يطيقه كل فرد
التصدي لمثل تلك المغالطات يحتاج من المرء أن يفهم جيدًا الصواب حتى يستطيع تمييزه عن الخطأ والتفنيد الجيد والنقض المناسب وتكوين البديل الأصوب.
كل ما سبق لا يمكن أن يتم دون تعلم أسس التفكير السليم حتى وإن كان العقل يعمل بالفطرة على نحو سليم، فالأفضل أن يُحسن من ذلك بالعلم حتى لا يقع فريسة لأي فخ.
وأحد أهم العلوم لتأسيس التفكير السليم هو علم المنطق، الذي يهتم بتعليم العقل كيف يقوم بعملية التفكير نحو موضوع ما، وكيف يتم الحكم عليه منطقيًا إن كان صحيح أم خاطئا،
وكيف يمكن تقديم تعريفات سليمة للمصطلحات، وما هي الأسس التي يتكون منها الدليل والحجة البرهانية القوية، وما هي طرق الاستدلال والنقض والإقناع وغيرها من الأساليب التي لا غنى عنها في ساحة التفكير الإنساني.
ولا يقتصر الأمر هنا على تعلم القواعد دون ممارسة، فلا بد بعد التعلم النظري من تمرينات ذهنية وتطبيقات على الواقع العملي والحياة حتى يستطيع الشخص فعلا الاستفادة الحقيقية منها.
الوعي بوجود المغالطات المنطقية
كأي مشكلة تواجهنا ونسعى إلى حلها، لا بد من إدراك وجود المشكلة وحدودها. فإن لم ينتبه الذهن إلى إمكانية التعرض للمغالطات سقط فيها دون أن يدري. فلا بد أن تتم التوعية سواء للذات أو للآخر على خطورة المغالطات المنطقية وشيوعها، وعلى أهمية التعرف عليها ودراستها والتمرن على كشفها ومواجهتها.
الاستعداد الذهني والنفسي المستمر عند التعرض لفكرة أو حوار أو نقاش
تأتي أهمية هذه الخطوة في التنشيط المستمر والتأهب للمواجهة الذهنية عند التعرض لأي حوار أو نقاش أو مشاهدة برامج وأفلام ومسلسلات، وعند قراءة الأخبار والكتب ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي وفيديوهات اليوتيوب وغيرها.
لأنها تماما كالحرب ولكنها ليست حربا عسكرية يمكنك سماع قنابلها والتخفي وراء الجدر والأسوار للحماية من أسلحتها ودباباتها، بل هي أخطر من ذلك. الحرب هنا حرب ذهنية غير مرئية، أسلحتها ناعمة قد تتمثل في إثارة مشاعرك أو تغييب عقلك أو خداعك بأدلة غير سليمة أو مجرد إلهائك وتشتيت انتباهك.
والمقصد هنا ليس التخوين بلا سبب، أو الغرق في الظنون السوداء طيلة الوقت، أو الشعور بنظرية المؤامرة المستمرة دون تعقل، بل المقصد هو الحرص قبل قبول الفكرة، والحذر من الأساليب التي قد تتسرب داخلك دون تمريرها على عقلك.
تهذيب النفس المستمر
قد تتعجب من هذه النقطة باعتبار أن المغالطات المنطقية ساحتها فكرية بالدرجة الأولى، ولكن بعد استيعابنا لأشكالها يتضح أن النفس تتدخل بعواطفها وميولها وشهواتها وأمراضها طيلة الوقت في حواراتنا،
وتؤثر في إرسالنا واستقبالنا للكلمات والأفكار. فقد تميل إلى تصديق فكرة تدرك أن بها خللًا لمجرد اتفاقها مع رغباتك الدفينة! وقد ترفض فكرة برغم صلابتها المنطقية لأنك تريد التملص من المسؤولية التي تقتضيها.
قد يدفعك الكسل إلى توقف عقلك عن العمل لفترة من الزمن تتسلل فيها الكثير من الأفكار الخاطئة، وقد ترفض الاعتراف بأنك وقعت في ارتكاب إحدى المغالطات أثناء حديثك لمجرد شعورك بالحرج والكبر. قد تكتشف المغالطة في أحد الحوارات ولكنك تصاب بالخجل أو الخوف الشديد فلا تحرك ساكنا!
تهذيب النفس ومحاسبتها والعمل على مواجهة أخطائها ونواقصها دون الوقوع في فخ اليأس والانهزامية هو أمر مهم في فن التعامل مع المغالطات المنطقية.
تعلم المهارات لمن يستطيع
بما أن الأمر مرتبط بشدة بمهارات الإنسان سواء في اللغة وأسرارها، القدرة على صياغة الفكرة والتعبير عنها، فن الحديث والمناظرات، مهارة البحث والتفنيد، طرق الإقناع والتأثير في الآخرين، فكلما استطعت أن تكتسب أو تطور مهارة أو أكثر، كلما كنت أكثر قدرة وفنًا في التعامل مع المغالطات المنطقية.
دور النخبة والمتخصصين في مواجهة المغالطات المنطقية
أي مجتمع يتكون من طبقات ولا يمكن إلغاء الاختلاف والتنوع، والأفراد مختلفون في الاهتمامات والقدرات الجسدية والعقلية والنفسية، ولا يمكن التسوية بينهم وإلا كان ظلمًا. وهنا يأتي دور النخبة.
النخبة هم الفئة المؤثرة في المجتمع، وتعرف قيمة ومستقبل أي مجتمع من قيمة نخبته الفكرية والأخلاقية، كلما كانت النخبة المؤثرة ذات صلابة واتزان فكري وأخلاقي، كان التصدي للمغالطات المنطقية أقوى وأمتن.
أي المجتمعات أكثر قدرة على مواجهة المغالطات؟
فيمكنك أن تقارن بين مجتمع تسعى فيه نخبته على تشكيل الوعي بالدرجات المناسبة لكل طبقة، وتوجيه الرأي العام للمصلحة العامة التي تتسق مع المبادئ السليمة، وغرس القيم الإنسانية بشتى الطرق والأساليب الترغيبية،
وتهيئة العقول للاهتمام بالأفكار السليمة والإيجابية، وبين مجتمع تسعى نخبته إلى التضليل وممارسة شتى المغالطات على العقول، وغمس النفوس في الشهوات والنزوات العابرة، وإفساد الفطرة وإشعال الضغينة، أيهما سيكون أكثر قدرة على مواجهة المغالطات والتطور الفكري والإنساني؟
النخبة المؤثرة في المجتمع، والمتخصصين من كل مجال، ورؤساء الأعمال والقياديين في شتى الأماكن، لهم جميعا دور كبير في مواجهة المغالطات المنطقية والتصدي لها، أو شيوعها والغرق فيها.
المغالطات المنطقية شديدة الخطورة، الاطلاع عليها ودراستها والتوسع في الجهود البشرية لمواجهتها هو أمر يتوقف عليه مستقبل المجتمع كله، وعلى مستوى الفرد يتوقف عليه مصيره وسعادته وشقاؤه.
أفضل كتب عن المغالطات المنطقية
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا